معلق بريطاني: انتصار طالبان هو هزيمة للجهادية العالمية وتحولها إلى ظاهرة محلية

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: قال المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر إن انتصار حركة طالبان وسيطرتها على عموم أفغانستان يمثل هزيمة للجهادية العالمية. فبعد 20 عاما دارت الحرب الدولية على الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على هجمات 9/11 دورة كاملة وعادت إلى البداية، فقد سيطرت حركة طالبان على أفغانستان. والحملة التي شنت ضد الجهاديين في القرن الحادي والعشرين لم تغير إلا القليل، ولكن هناك الكثير من الاختلاف والتغير للأحسن.

فلم يحدث منذ ذلك الوقت هجوم مماثل على التراب الأمريكي والذي دخل وفي وعي الأمريكيين والعالم، كما ولا توجد هناك إمكانية لحدوث هجوم آخر على نفس المستوى.

وفي الوقت الذي عانت فيه أوروبا من لندن ومدريد وباريس واسطنبول وبروكسل ونيس من هجمات كبيرة نبعت من التحدي الجهادي للغرب إلا أنها خفتت هي الأخرى.

وكان التفجير الجهادي القيامي الطابع للبرجين في نيويورك أكبر نقطة في جهادية الألفية الجديدة. وكانت الخلافة العابرة للحدود في العراق وسوريا فظيعة لكنها زالت بسرعة. ومن هنا فعودة طالبان لم تكن إلا تعبيرا عن انتصار ظاهرة قبلية أفغانية وليس انتصار للإسلامية العالمية، أي النموذج الذي يوحد الأمة أو المجتمع الإسلامي العالمي، وهو الهدف شبه الصوفي لأسامة بن لادن.

عودة طالبان لم تكن إلا تعبيرا عن انتصار ظاهرة قبلية أفغانية وليس انتصار للإسلامية العالمية، أي النموذج الذي يوحد الأمة أو المجتمع الإسلامي العالمي، وهو الهدف شبه الصوفي لأسامة بن لادن

صحيح أن التدخلات الغربية الفاشلة التي تجاهلت المحددات السياسية والسياقات التاريخية والهوية المحلية ساهمت في انتشار نماذج من الجماعات الجهادية العابرة للقارات من جنوب آسيا إلى دول الساحل والصحراء، لكن لم يعد بمستطاع أحد السيطرة عليها حتى أكبر خبراء التلاعب باليأس الراديكالي مثل تنظيم “الدولة”.

فقد حولت الحرب الدولية على الإرهاب، وهي خطأ كبير حول من الطابع المحلي للتمرد إلى شكل متجانس تجاهل في الوقت نفسه حقيقة أن 9/11 ولدت من الفشل الذريع للجهادية.
ذلك ان المحاربين القدماء في الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي قاموا بشن حروب تمرد في الجزائر ومصر والسعودية وفشلوا.

وقام تفكير بن لادن على “ضرب العدو البعيد” في أمريكا من أجل استفزاز انتقام غربي قوي يؤدي إلى انتفاضات إسلامية تؤدي في النهاية للإطاحة بالحكام العرب والمسلمين ” العدو القريب” في الداخل. وركزت اللغة الجهادية على الطغاة الذين دعمهم الغرب مع أنها عولت على مفهوم أن حرب الغرب على الإسلام ستهيج الجماهير المسلمة.

وعليه فالغزو المتهور الذي قادته الولايات المتحدة واحتلال العراق فيما بعد والدعم الغربي الواهن للثورة السنية في سوريا والتي صفق لها من موقع المتفرج كاد أن يخلق الظروف الملائمة لنجاح الجهاديين. إلا أن فظاعة تنظيم “الدولة”، خليفة القاعدة أثار اشمئزاز الجماهير المسلمة التي كانت أهم ضحاياه. ومن هنا فلم يسبق هجمات 9/11 فشل ذريع بل وتبعها فشل أكبر.

ويعلق الكاتب أن “خروج العدو البعيد” من أفغانستان وهو في طريقه للخروج من سوريا والعراق سيدفع حلفاءه في أوروبا للبحث عن استراتيجية خروج، يعني أن الجهادية العالمية عادت لتصبح جهادية محلية.

ولا ينفي حدوث هجمات انتقامية ضد الغرب بسبب مظالم حقيقية أو متخيلة، كما في الماضي. ففي 2015 استلهم تنظيم” الدولة” هجوما على باريس من هجوم قامت به جماعة لاشقر طيبة في باكستان على مومباي في الهند عام 2008. وكان هجوما انتقاميا على تدخل الغرب في العراق ومحاولة لجر “الصليبين” إلى عرين الشرق.

الغزو المتهور الذي قادته الولايات المتحدة واحتلال العراق فيما بعد والدعم الغربي الواهن للثورة السنية في سوريا والتي صفق لها من موقع المتفرج كاد أن يخلق الظروف الملائمة لنجاح الجهاديين

وكان الهجوم الانتحاري في مدينة خوست الأفغانية القريبة من باكستان ونفذه طبيب أردني- فلسطيني عام 2009 ردا انتقاميا على الحرب الإسرائيلية ضد غزة. وفي هجوم خوست قتل عملاء سي أي إيه مهمين وهي خسارة كبيرة لم تشهدها الوكالة منذ تفجير حزب الله السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983 ردا على الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

كما وستحدث جرائم ينفذها أفراد يعيشون في الغرب دخلوا عالم التشدد، لكن لو استمرت الولايات المتحدة بالخرج من حروب 9/11 ورفضت الانجرار لحروب مفتوحة بناء على أهداف غامضة، فسيجد الجهاديون صعوبة في نقل حقول الموت في الشرق إلى الغرب. صحيح أن هناك عشرات الألاف من الناجين خلافة تنظيم “الدولة” ما بين 2014- 2015، ولا تزال كتائب القاعدة تتجول من سوريا إلى باكستان وغرب أفريقيا. وأعطت حركة طالبان أمن كابول إلى شبكة حقاني التي قامت بمساعدة باكستانية بتسهيل عملية خوست عام 2009. لكن الغرب الذي خسر الكثير من أجل لا شيء نجا وإن بشكل طفيف، ولكن ليس الدول الفاشلة والتي في طريقها للفشل التي وجدت نفسها متورطة في حروب الوكالة بين السنة والشيعة والتي أشعلها غزو عام 2003 والذي نصب حكاما شيعة في قلب الأرض العربية.

وتركت هجمات 9/11 والانتفاضات العربية الفاشلة في 2011 وراءها دمارا كبيرا، ولا يزال السنة والشيعة يتنافسون للسيطرة على المنطقة. ولم يعد هناك تهديد للغرب مقارنة مع التهديد للدول والمناطق التي تدخلت فيها قواته، وعلق السكان المحليين فيها في أرض يباب وديكتاتوريات وميليشيات، بالإضافة لتفضيل الغرب للديكتاتوريين الذين يعتقدون أنهم قادرون على توفير الأمن. ومع ذلك لن تكون الدول الغربية قادرة للوقوف بعيدا عن الأخرين، ففي حين تغذي الديكتاتوريات والإسلامية بعضها البعض في تعايش جهنمي، تدفع الأوبئة مثل كوفيد- 19 والتغيرات المناخية السكان للهجرة باتجاه أوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية