الناصرة- “القدس العربي”: يؤكد معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أنه رغم مرور عام على توقيعها فإن اتفاقات التطبيع مع الإمارات لم تستنفذ الطاقات الكامنة بها رغم انضمام دول أخرى للتطبيع مقدما نصائح لـ”قطف ثمار السلام”.
ويرى “المعهد” في ورقة عمل جديدة أن اتفاقات التطبيع تشكّل مكسبا سياسيا ومع ذلك فإنها لم تؤد لتحسين الأحوال الاستراتيجية لإسرائيل مقابل التحديات الماثلة أمامها. ويوضح أن التحدي الإقليمي المشترك القادم من إيران كان وما زال محركّا مركزيا في توقيع اتفاقات التطبيع لكن قوة هذا المحرّك تآكلت نتيجة تغيير الولايات المتحدة في سياساتها بعد سقوط دونالد ترامب ونتيجة تراجع استعدادها في منح مردود أمني واقتصادي لدول “اتفاق أبراهام”.
ويضيف “ما زال تشكيل محور تعاون في الشرق الأوسط لصدّ التمدد الإيراني في المنطقة تحديا وهدفا مركزيا ولذا فإن إسرائيل مطالبة باستكمال النواقص في المجال الأمني ودفع اتفاقات التعاون وصولا لـ”ثمار السلام” وذلك من خلال إزالة حواجز بيروقراطية تعيق تطبيق الاتفاقات وتجنيد أوساط استثمارية وشركاء خارجيين لرعاية مبادرات استثمار في مشاريع بنى تحتية تساهم في الازدهار”.
ويستذكر معهد دراسات الأمن القومي أن الاتفاق بين الاحتلال وبين الإمارات معرّف كـ”اتفاق سلام” وصادق عليه الكنيست بينما بقية الاتفاقات مع البحرين والسودان والمغرب تعتبر “إعلان سلام”. ويشير المعهد لتصريحات سابقة للوزير الإماراتي السابق أنور قرقاش قال فيها إن قرار الإمارات بإقامة علاقات مع إسرائيل نمّ عن الدافع بصياغة مستقبل جديد وأفضل للمنطقة وهو قرار ولد من الرغبة بتحريك استراتيجي ورؤية براغماتية جديدة.
ويرى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن التطبيع مع الإمارات يتقدم بسرعة أكبر مقارنة مع تقدم بقية الاتفاقات مع الدول الأخرى، ويؤتي ثمارا بالأساس اقتصادية. ويضيف “للإمارات طابع خاص- عدد سكان قليل وفقدان للمعارضة، موارد كبيرة ونخبة قيادية ملتزمة بخطة استراتيجية طويلة الأمد تشتق منها برامج تطبق بمنهجية.
وترى الإمارات ذاتها منارة للتجدد والتقدم وتعتبر العلاقات مع إسرائيل رافعة لخدمة هذا الهدف. وفعلا فمنذ توقيع اتفاق التطبيع بلغ حجم التجارة المعلن بين إسرائيل وبين الإمارات نحو نصف مليار دولار علاوة على وجود شروط بين الجانبين لبناء سلام حار وقد وقعت اتفاقات تعاون في مجالات الأكاديميا والثقافة/البيئة، الأمن، الغذاء، المياه، الطب والسايبر وغيره لكن هناك شراكات بين حكومتي الطرفين مثل صندوق استثمار مشتركة ما زالت عالقة”.
وقال المعهد إن ترامب كان القوة الدافعة نحو “اتفاقات أبراهام” وإنه في صلب الاتفاقات هيمنت اعتبارات الأمن القومي مع وجود تهديد إيراني في الخلفية مشترك للولايات المتحدة ولإسرائيل ودول الخليج علاوة على اعتبارات اقتصادية، منوها إلى أن مصلحة هذه الدول الأولى ترتبط بالعلاقات مع الولايات المتحدة وللمردود الذي حازت عليه من قبل إدارة ترامب.
ويقول المعهد إن إدارة بايدين صحيح أنها ترفض سياسات ترامب عدا في موضوع التطبيع بين إسرائيل وبين دول عربية ولكن حتى الآن لم يقترح بايدين “جزرا” على دول عربية لقاء استعدادها للتطبيع مع الاحتلال بل إنه غير مستعد لصرف النظر عن قضايا حقوق إنسان داخل هذه الدول كما في السعودية على سبيل المثال. بل أن هناك تقارير عن تجميد نشاطاته في “صندوق أبراهام” التي أقيمت لدفع التعاون الاقتصادي بين إسرائيل وبين دول مشاركة في التطبيع.
وحسب المعهد الإسرائيلي أبقت اتفاقات التطبيع المنظومة الفلسطينية متضررة في عدة جوانب وغير مستعدة للتسليم بالتطبيع قبل تسوية الصراع وترفض السلطة الفلسطينية الإندماج بمبادرات إقليمية في مجالات الاقتصاد والطاقة القائمة على “اتفاقات أبراهام” بل رفضت مقترحات مساعدة من جهة الإمارات. ويعتبر المعهد الإسرائيلي أن أول امتحان جوهري واجه اتفاقات التطبيع تمثّل بعملية “حارس الأسوار” في مايو/ أيار الماضي منوها إلى أنه رغم الانتقادات الشديدة الموجهة لإسرائيل بعد استخدامها قوة مفرطة ضد الفلسطينيين فإن أي واحدة من دول التطبيع الأربع لم تعلق اتفاق التطبيع بل لم يصدر تصريحات عن ساستها ضد إسرائيل.
ويرى المعهد الإسرائيلي أن لإيران مصلحة بدق أسافين بين إسرائيل وبين دول خليجية وأن دولة الاحتلال ودول الخليج متركزة بالخطة النووية الإيرانية وبتهديدات محسوبة على طهران. ويتابع “بخلاف إسرائيل تخشى دول خليجية أيضا من تهديد مباشر يتمثل بتشجيع إيران للسكان الشيعة في كل منها نحو أعمال كيدية وفي المقابل تخشى إيران من تعزيز الحضور الاستخباراتي العملياتي الإسرائيلي في منطقة الخليج. كذلك تشعر دول خليجية أن البعد المرتبط بقوة ردع النابعة من التعاون مع الولايات المتحدة قد تضرر جراء تغير الإدارة الأمريكية ورغبة بايدن بالعودة للاتفاق النووي مع طهران.
ويضيف المعهد “لذا فإن دول الخليج تبغي بناء علاقات موازية مع إيران وتسوية خلافات معها عبر مفاوضات، فيما تطالب طهران أبو ظبي والمنامة بإبطاء وتيرة التطبيع مع إسرائيل والتزام بمنع حضور عسكري إسرائيلي على أراضيهما”.
ويقر المعهد الإسرائيلي أن علاقات التطبيع ضمن “اتفاقات أبراهام” بقيت على مستوى الأنظمة والنخب بينما تبدي الشعوب تحفظا وأحيانا عداء لإسرائيل كما كان في اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن من قبل. ومع ذلك يزعم أن الصورة مختلفة في دول الخليج حيث أن 40% من الشعوب العربية هناك تدعم التطبيع مع إسرائيل رغم الحرب الأخيرة على غزة. ويعتقد المعهد الإسرائيلي أن “اتفاقات أفراهام” ممكن أن تكون “بالون اختبار” بالنسبة لدول عربية وإسلامية أخرى فضلت حتى الآن “الجلوس على السياج” وإرجاء قرارها بالانضمام للتطبيع.
ويرى أن بحال رأت هذه الدول بأن اتفاقات تطبيع مع إسرائيل من شأنها أن تقربّها إلى الولايات المتحدة والفوز بثمار اقتصادية ودبلوماسية فإنها ستجتاز الخطوط وتنضم للتطبيع أما إسرائيل فلها مصلحة بتوسيع وتعميق “دائرة السلام” مثلما أن الإمارات والبحرين أيضا معنيتان بتوسيع هذه الدائرة كي يحظى ما قامتا به من تطبيع بشرعية عربية إسلامية. من هنا يستنتج المعهد الإسرائيلي بضرورة قيام إسرائيل بتجسيد “ثمار السلام” من خلال دفع مشاريع مدنية مشتركة تسهل مشاهدتها وهذا برأيه غير كاف، مشيرا لأهمية المردود الأمريكي كعامل حيوي في صياغة “اتفاقات أفراهام” وفي تعميقها وتوسيعها.
ويقول المعهد إن السعودية واحدة من الدول الهامة في مضمار توسيع الاتفاقات هذه، مؤكدا أن علاقات رسمية بين السعودية وبين إسرائيل من شأنها منح “شرعية” دينية إسلامية والتخفيف على انضمام دول عربية وإسلامية للتطبيع. ويضيف “من هنا تنبع أهمية اتفاق مستقبلي ممكن مع السعودية التي تشهد طبقتها السياسية الحاكمة خلافات حيال سؤال العلاقة بين التطبيع مع إسرائيل وبين القضية الفلسطينية- هل التقدم في المسيرة السياسية الإسرائيلية- الفلسطينية هو شرط للتطبيع مع إسرائيل. كذلك فإن العائلة الحاكمة في السعودية ملتزمة بالمبادرة العربية وطالما أن إسرائيل لا تعترف بمبادئها فإنها ستمتنع عن بناء علاقات تطبيع مع إسرائيل”.
ويرى المعهد أن اتفاقات أفراهام تنطوي على إنجاز إسرائيلي سياسي واضح ومع ذلك فإنها لم تحقق طاقاتها الكامنة لتحسين الحالة الاستراتيجية لإسرائيل وتوفير أجوبة لتحديات تتدافع على عتبتها. ويشدد على أن التهديد الإيراني المشترك كان وما زال دافعا مركزيا للتطبيع لكن تغيرا سلبيا قد طرأ نتيجة استبدال ترامب ببايدن.
ويشير لوجود عدة معيقات أمام توسيع واتفاقات أفراهام وهي: سياسة بايدن الرامية لتقليص قواتها في الشرق الأوسط وتنفي الخيار العسكري ضد إيران وبالتالي تتزايد مخاوف ثقيلة لدى دول الخليج بأن واشنطن لن تمنحها غطاء دفاعيا أمام إيران. إن إحراز اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وبين إيران سيمنح الأخيرة فرصة لزيادة نفوذها وتدخلاتها السلبية في المنطقة- وهذه تحولات ستردع دولا عربية من مجابهتها مباشرة وبالتالي ستبادر لخفض مستوى التطبيع مع إسرائيل.
ويرى المعهد الإسرائيلي أن ضعف المنظومة الفلسطينية والدولة اللبنانية يستبطن تهديدات سيكون من الصعب على دول عربية الانضمام للتطبيع في حالة تصعيد أو نزاع مسلح مع الجانبين الفلسطيني واللبناني. كما يخشى المعهد من دور سلبي لجهات متمردة تعيق التطبيع خاصة من جهة إيران بالأساس بواسطة مساس بخطوط الملاحة البحرية وبمرافق الحياة في دول التطبيع. ويشير لوجود مجال عمل آخر لمعارضي التطبيع هو فرض المقاطعة على شركات تتاجر مع إسرائيل وذلك من خلال التوجه للشارع العربي وسط استغلال للفجوة الكبيرة بين الشعوب وبين الأنظمة الحاكمة في الموقف من إسرائيل. من هنا يوصي المعهد الإسرائيلي بدفع اتفاقات التعاون نحو تجسيد “ثمار السلام” بواسطة إزالة معيقات بيروقراطية وتجنيد مستثمرين علاوة على تغيير الصورة وكأن اتفاقات التطبيع جاءت لمنح إسرائيل أفضلية بالمواجهة مع إيران.
كذلك يرى بضرورة حثّ إسرائيل لإدارة بايدن لدفع اتفاقات إفراهام في ظل مخاوف دول الخليج من إهمال أمريكي لها في المنطقة خاصة أن الدول العربية ترى بإسرائيل عاملا مؤثرا في واشنطن. ويقول المعهد إن إسرائيل بوسعها إقناع البيت الأبيض بأن دعم ورعاية اتفاقات التطبيع من شأنهما تعزيز حالة الاستقرار في الشرق الأوسط ولكنه يحذر في المقابل من أن واشنطن ستطالب عندئذ إسرائيل بالامتناع عن خطوات تبد تسوية الدولتين.
ويرى أيضا أن بمقدور إسرائيل تقديم منظومات دفاعية جوية لدول خليجية لمواجهة صواريخ وطائرات إيرانية مسيرّة، منوها لميل ميزان الرعب بين دول عربية وبين إيران لصالح الأخيرة ولذا فإن منظومات دفاعية كهذه ستعزز مشاعر الأمان والثقة بالنفس لدى دول الخليج. كما يقترح المعهد إشراك دول التطبيع العربية في مساعي تسوية الصراع مع الفلسطينيين رغم احتمالات ضئيلة بتحقق ذلك نظرا لعدم تحمس دول الخليج في الغوص بمستنقع الصراع ونتيجة لوجود مقاطعة فلسطينية.
ويخلص معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب للقول “رغم ذلك على إسرائيل التحرك لدمج الإمارات في تسوية مع غزة وإعادة إعمارها وبرعاية مصرية تعتبرها الإمارات عاملا مركزيا في بناء شبكة أمن إقليمية”.