يمكن أن نصف الحملة في جنين بأنها حملة تكتيكية ناجحة حققت هدفاً عسكرياً مركزياً: تقليص الأسلحة التي بحوزة المسلحين الفلسطينيين في جنين، وهي إحدى الحملات الأنجح من ناحية سياسية لبنيامين نتنياهو. ليس صدفة أن تكبد عناء الوصول إلى أطراف جنين كي تلتقط له الصور هناك، وأن يظهر حضوره. فالإصلاح قد يزحف ببطء، والاحتجاج أقل إثارة للاهتمام، ولعل صور القتلى الفلسطينيين في جنين تمنحه بضعة أسابيع أو أشهراً أخرى من الاستقرار في حكومته غير المستقرة على نحو خاص. نجح رجاله في أن ينسونا أننا نشهد ارتفاعاً دراماتيكياً في العمليات منذ بداية ولاية حكومة اليمين “بالكامل”، والعملية في تل أبيب أمس مثال آخر على ذلك.
وهذه في واقع الأمر المشكلة الأكبر التي تجلبها معها الحملة في جنين: هي تشكل قرص “أكامول”، في أفضل الأحوال، لمرض صعب عضال. فقد تخفض خطر مخيم اللاجئين جنين من ناحية الوسائل القتالية التي تحت تصرفه، لكن بالتأكيد لن تؤدي إلى تخفيض حقيقي في عدد محاولات العمليات. هذه الحملة ليست “السور الواقي 2″، رغم أن رجال نتنياهو يحاولون تسويقها هكذا. بل ولا تقترب من ذلك. عدد المطلوبين المسلحين الذين قتلوا في المعارك لا يقترب مقارنة بعدد المسلحين الذين كانوا في المخيم.
وهاكم حقيقة مفاجئة لا يعرفها كثير من الجمهور الإسرائيلي – معظم المطلوبين المسلحين فروا من المخيم فور بدء الحملة والهجوم من الجو. عرفوا إلى أين تهب الرياح، ولهذا اختاروا الاختباء سواء في مستشفى المدينة أو في بيوت المواطنين في الأحياء الأخرى خارج المخيم. درس “السور الواقي” وعوه جيداً. الغالبية الساحقة من المسلحين فروا وتركوا الجيش يتصدى لمخيم أشباح.
صحيح أنه لا تزال هناك جيوب مقاومة هنا وهناك، وصحيح أن الجيش ينجح في الكشف عن مختبرات تفجير ومخازن وسائل قتالية، لكن المسلحين لم يعودوا هناك. ومن الإثنين مساء، معظم المواطنين الفلسطينيين هم أيضاً تركوا المخيم. صور العائلات، الآباء والأمهات يفرون مع أبنائهم، كانت مشاهد قاسية، لكن معناها كان واضحاً، فقد قل الخطر على حياة المدنيين، ومعه قل الخطر من فتح جبهة أخرى مع حماس في غزة أو من الشمال.
ومن هنا، ينبغي قول بضع كلمات عن حماس. المنظمة تبعث بأفضل ناطقيها كي تحذر وتهدد برد أليم ضد إسرائيل، برد “يضرب العدو الإسرائيلي كما لم يتوقع”. لكن في السطر الأخير، لا تفعل حماس شيئاً غير الحديث. ومع مراعاة الظروف، فهي ظاهرة غير جديدة لا تذهل سوى الفلسطينيين أنفسهم.
في حملة “حارس الأسوار” 2021 حاولت حماس الاستيلاء على الضفة الغربية والقدس وعرب إسرائيل، ومنذئذ قررت المنظمة الإبقاء على غزة خارج المعركة. وبالفعل، ليس بكل ثمن. وإذا كان عدد القتلى الفلسطينيين أعلى بكثير بين المسلحين أو المدنيين، لربما رأيناها ترد. لكن حقيقة قتل 12 فلسطينيا “فقط” في الحملة حتى الآن، غالبيتهم الساحقة مسلحون، تسمح لحماس بالإبقاء على نفسها خارج المعركة، بينما تحافظ على النبرة المهددة. أو بكلمات أخرى، “أبو علي”.
الجهاد الإسلامي أيضاً، الذي يعتبر أكثر تطرفاً كان حذراً جداً من البدء بإطلاق مكثف للصواريخ نحو إسرائيل، على ما يبدو في ضوء الثمن الذي دفعه في جولة القتال الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي. اعتبار حماس واضح – فهي تريد المحافظة على إنجازاتها الاقتصادية وحقيقة أن غزة بدأت تبني نفسها رويداً رويداً وتخرج من الأنقاض.
ثمة عامل آخر كان حذراً من كسر الأدوات، وهو السلطة الفلسطينية التي وإن كانت أعلنت بأنها “تواصل عدم إجراء التنسيق الأمني” مع إسرائيل، لكن في نفس القدر لا تسارع إلى إلغاء التنسيق المدني والاتفاقات الاقتصادية. يبدو أن الفلسطينيين – السلطة في الضفة، وحماس في غزة – فهموا ما لا تفهمه إسرائيل: هذه ليست حملة عسكرية واسعة وذات مغزى. قد تخدم الأهداف السياسية لبنيامين نتنياهو، غير أنها لشدة الأسف، بعد وقت قصير من خروج الجيش الإسرائيلي من أزقة المخيم، سيعود المسلحون إليها ويستأنفون العمليات من هناك.
آفي يسسخروف
يديعوت أحرونوت 5 /7/2023