مع توجه قطار بايدن الدبلوماسي إلى إيران.. كيف تواسي إسرائيل نفسها؟

حجم الخط
0

“إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات فسنتراجع فوراً عن جميع الخطوات التي اتخذناها. ببساطة”. الكلمة المفتاحية في البيان الذي ألقاه وزير الخارجية الإيراني، محمد ظريف، أول أمس، هي في بداية البيان (إذا). في الأيام الأخيرة أجرت الإدارة الأمريكية نقاشات محمومة في هذا الأمر، وبينها وبين الشركاء الأوروبيين الذين وقعوا على الاتفاق النووي مع طهران في 2015. وموقف الرئيس الأمريكي جو بايدن العلني يقول إن العقوبات لن ترفع قبل أن تتوقف إيران عن خرق الاتفاق وتعود إلى الوضع الذي نص عليه الاتفاق في الأصل. وتطالب إيران، من ناحيتها، برفع العقوبات كشرط مسبق لاستئناف المحادثات بين الطرفين.

ما هو حجم المساحة المتبقية للتفاوض بين هذين الموقفين الحازمين، اللذين يفتحان طريق “الدبلوماسية الحذرة”، مثلما وصف بايدن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي؟ الافتراض الأساسي هو أن الطرفين معنيان بإحياء الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في العام 2018. وقد أوضح بايدن، حتى في حملته الانتخابية، بأن هذا ما في نيته، وأنه الموضوع الأول على جدول أعماله السياسي. لم تتوقف إيران في السنتين الأخيرتين عن المطالبة بتطبيق الاتفاق النووي. وقد انتظرت سنة قبل البدء في خرق بنوده. والآن تعلن بأن “كل ما تريده هو أن تطبق الولايات المتحدة التزامها بالاتفاق”.

الجدول الزمني يضغط ويهدد، فقد أعلنت إيران أنها بدءاً من الثلاثاء لن تسمح باستمرار عمل مراقبي الأمم المتحدة في معظم المنشآت النووية، باستثناء نطنز وفوردو، حيث سيستمر التفتيش هناك كالعادة مثلما تعهدت في ملحق الاتفاق. وأوضح الرئيس حسن روحاني بأن المراقبين لن يطردوا من إيران، لكن تجميد عملية الرقابة يعني خرقاً جوهرياً للاتفاق. ولمحاولة تحسين فرص الدبلوماسية، قرر بايدن التراجع عن الطلب الذي وضعه سلفه ترامب أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يقول إنه على خلفية الخروقات الإيرانية يجب إعادة جميع العقوبات الدولية التي فرضت على إيران فوراً. هذا إضافة إلى قرار برفع جزء من قيود الحركة التي فرضت على الدبلوماسيين في البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة.

في موازاة ذلك، وافقت إيران على التباحث مع مدير عام الوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي، حول حل لمشكلة الرقابة. هذه في الحقيقة ليست خطوات دراماتيكية أو اختراقية، لكنها تدل على النية المتبادلة لإيجاد مناخ إيجابي قبل المحادثات. وصل غروسي مساء أمس إلى طهران، لكن ليس واضحاً ما يتوقع أن ينجزه في زيارته. وقد تحدث بحذر عن نيته “إيجاد حل متفق عليه يتساوق مع القانون في إيران”، وتصعب رؤية كيف ستتحول هذه الدائرة إلى مربع.

على كل الأحوال، أوضحت إيران بأنها ستجمد فقط ما تسميه “تفتياًش رضائياً كجزء من إظهار شفافية مشروعها النووي”. هذا البند يسمح بالوصول المفاجئ إلى المنشآت العسكرية غير النووية. وقد تم تضمين هذا البند في بروتوكول أضيف إلى الاتفاق النووي، والذي يوسع بصورة غير مسبوقة قدرة مراقبي الأمم المتحدة على فحص مواقع مشبوهة في إيران.

ضوء أخضر

العملية الأهم هي الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مع نظرائه الفرنسيين والألمان والبريطانيين، التي بحسبها ستوافق الولايات المتحدة على أي وساطة أوروبية تدفع قدماً بالمفاوضات حول الاتفاق النووي بدون شروط مسبقة. بذلك، أعطى بلينكن ضوءاً أخضر علنياً ورسمياً لتحريك الاتصالات. وزارة الخارجية الأمريكية تهربت من الإجابة حول حول ما إذا بدأت اتصالات مباشرة بين ممثلين أمريكيين وإيرانيين، والتقدير أنها جرت بالفعل، ولكنهم ينتظرون الرد الرسمي على استعدادها للانضمام إلى المفاوضات.

إشارة إلى طبيعة الرد المتوقع، جاءت على لسان المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، عليّ ربيعائي، الذي قال إن طهران “على ثقة من أن المبادرة الدبلوماسية ستؤدي إلى الهدف المنشود”. وأضاف بأن “السير إلى الأمام وإلى الخلف على الصعيد الدبلوماسي هو مقدمة لعودة جميع الأطراف إلى التزامها بالاتفاق، بما في ذلك رفع العقوبات في المستقبل القريب”. إذا كانت أقوال ربيعائي تعكس موقفاً إيرانياً متفقاً عليه فيستنتج أن إيران لا تنوي انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية في حزيران القادم، وأنها مستعدة لتسريع المباحثات من أجل استغلال الزخم الذي أوجده بايدن.

في الوقت نفسه، تعرض الرئيس الأمريكي لانتقاد شديد من أعضاء كونغرس من الحزب الجمهوري، الذين قالوا إن بادرات حسن النية التي عرضها هي تنازلات ليس لها مقابل. هذا إضافة إلى الرسالة التي أرسلها إليه 113 عضو كونغرس طلبوا فيها عدم العودة إلى الاتفاق النووي. وقد ردت على الانتقاد شخصية رفيعة في واشنطن، وقالت: “هذه تنازلات تنبع من الفطرة السليمة”. وقد استهدفت إزاحة العقبات من أمام الجهود الدبلوماسية. والسؤال الحاسم هو: كيف سنتوصل إلى أن أي طرف لن يظهر كأنه هو الذي تنازل أولاً.

أحد الاقتراحات هو السير في مسار المفاوضات وتنفيذ عدة خطوات مؤقتة في الوقت نفسه. وثمة اقتراح آخر وهو التوصل إلى تفاهمات كاملة وتنفيذها دفعة واحدة. يتوقع أن يجري نقاش في الأيام القريبة القادمة حول هذه الاقتراحات بين ممثلي الإدارة الأمريكية وممثلي الاتحاد الأوروبي الذين سيقومون بدور الوساطة مع إيران.

       خطوات أخرى

إسرائيل والسعودية والإمارات لا تشارك في هذه النقاشات. ورغم المطالبة بالمشاركة، أو على الأقل أن تكون مراقبة فيها، لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق على ذلك، بالأساس بسبب معارضة إيران انضمام أطراف أخرى لم توقع على الاتفاق الأصلي. تعهدت الولايات المتحدة لإسرائيل بأن تتشاور معها وتبلغها بالاتصالات، لكن حسب علمنا، لا يوجد تعهد أمريكي بإعطاء إسرائيل حق الفيتو على مضمون النقاشات، وبالأحرى على نتائجها.

وقال مصدر دبلوماسي أوروبي للصحيفة بأن “النقاشات تقنية في هذه المرحلة، واستهدفت تمهيد الأرض قبل لقاء مشترك بين مندوبين إيرانيين ومندوبين من الدول التي وقعت على الاتفاق من أجل التوصل إلى اتفاق حول مكان وموعد اللقاء وحول مستوى المشاركين فيه”. مع ذلك، من الواضح أن “النقاشات التقنية” لا يمكن أن تجري بدون تفاهمات واتفاقات مبدئية مسبقة حول مضامين النقاش. “لا يوجد للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أي نية للمس بمصالح إسرائيل أو بمصالح الأصدقاء في الشرق الأوسط. لكننا نعتقد أن الاتفاق النووي يستجيب بصورة مناسبة لمطالب إسرائيل. لذلك، عليها أن تكون معنية بنجاح المفاوضات”، أضاف المصدر.

هذا بالطبع ليس موقف إسرائيل التي عارضت منذ البداية الاتفاق النووي وعملت على إفشاله قبل التوقيع عليه، وكانت من الجهات الأكثر تأثيراً وحزماً على الرئيس ترامب من أجل الانسحاب منه.أما الآن فقد وجدت إسرائيل نفسها في وضع باتت فيه قدرتها على توجيه خطوات بايدن محدودة، ويبقى احتمال الصعود إلى مسار تصادم مع الإدارة الأمريكية غير واقعي. وعلى إسرائيل أن تفترض بأن الرئيس الأمريكي لن يوقف العملية طالما إيران معنية بها.

ربما تتعلق إسرائيل بنافذة الفرص التي عرضها بايدن، والتي بحسبها، يرى أن العودة إلى الاتفاق النووي هي مرحلة واحدة من سلسلة اتفاقات مستقبلية ينوي التوقيع عليها مع إيران، وتتضمن مسألة الصواريخ البالستية ومسألة دعم إيران للإرهاب. هذا الوعد لا يكفي إسرائيل. ولكن يبدو أن تهدئتها غير موجودة في هذه الأثناء على رأس اهتمامات الجالس في الغرفة البيضوية.

بقلمتسفي برئيل

هآرتس 21/2/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية