مقتدى الصدر من التيار المدني إلى «البيت الشيعي!

حجم الخط
5

في الانتخابات العراقية الأخيرة، كان الشعار الرئيسي الذي طرحه «تحالف سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، هو الدولة المدنية، ورغم أن التحالف ضم قوى سياسية متناقضة التوجهات الفكرية، من الشيوعية حتى الشيعية السياسية، إلا أنها كانت تاريخيا تشترك في خريطة اجتماعية متداخلة مع مناطق الجنوب العراقي، والأحياء الشعبية الشيعية في بغداد، كمدينة الصدر، وهكذا فاز «تحالف سائرون» بمقاعده في المناطق الشيعية في العراق، ولم يحصل على أي مقعد في المناطق والمحافظات السنية، رغم أنه فاز بأعلى عدد من المقاعد في العراق.
في انتخابات عام 2018، قدّم مقتدى الصدر نفسه في «لوك» وطني جديد، مرتديا ثوبا براقا من شعارات تتحدث عن الدولة المدنية وهوية المواطنة، وبدأ الكثير من المؤسسات الإعلامية يتحدث عن التيار الصدري كحالة مدنية وطنية، لمجرد انه أطلق شعارات مختلفة عن خطابه الديني المذهبي، منذ بروز الزعيم الشيعي محمد باقر الصدر في سبعينيات القرن الماضي، الذي أعدمه صدام حسين عام 1980، ومن ثم والد مقتدى محمد صادق الصدر في الثمانينيات، الذي اغتيل عام 1999، حتى مرحلة مقتدى الصدر بعد 2003، عندما عاد التيار الصدري ليبرز كممثل لفقراء الشيعة، ومنافس للقوى الشيعية العريقة الأخرى مثل، حزب الدعوة، والمجلس الأعلى، وميليشيات بدر وغيرها، ورغم خصومته معها، إلا أنه أنتج أحد أكثر المجاميع المسلحة انفلاتا وانغماسا في الممارسات الطائفية، من قتل وخطف، وهو «جيش المهدي»، كما أنتج التيار، مجموعة من أبرز قادة الميليشيات الطائفية الموالية لإيران كقيس الخزعلي والكعبي.

قدّم مقتدى الصدر نفسه في «لوك» وطني جديد، مرتديا ثوبا براقا من شعارات تتحدث عن الدولة المدنية وهوية المواطنة

لكن وبسبب خطابه المعتدل الأخير، الذي فسر بأنه معاد لإيران، بدون وجود مواقف رسمية من التيار تعارض صراحة سياسات إيران، سادت حالة من التفاؤل الحذر، من توجهات مقتدى الصدر، تماما كما كان الصدريون وجيش المهدي، ينظر لهم بإعجاب في عدة مناطق سنية بالعراق، بل من قبل الكثير من الشخصيات البعثية العراقية، بوصفهم تيارا عروبيا مقاوما للاحتلال، لدرجة أن صورا لمقتدى الصدر علقت في حي الأعظمية، ومقالات سطرت في مدح مقاومته ووطنيته، في أحد اهم المواقع العراقية البعثية في تلك الفترة بعد 2003 وهو موقع البصرة الإلكتروني.
وكان خيار التحالف والتقارب مع التيار الصدري، هو المشروع المطروح لعدة قوى سياسية عراقية مناوئة للقوى الشيعية الطائفية، منها هيئة علماء المسلمين بزعامة الشيخ حارث الضاري، وتمثل أبرز مرجعية سنية بالعراق، وكان الدكتور صالح المطلك، وهو سياسي علماني عروبي التوجه، يعول كثيرا على تحالف انتخابي كهذا، وقد اجتمع في أبوظبي مع عدة شخصيات عراقية لإنضاج مشروع مع التيار الصدري، بدعم إماراتي، ولم ينتج عن هذا المشروع شيء لأن الصدريين، كانوا يتلاعبون بأطراف إمارتية وسعودية، بإرسال إشارات توحي بأنهم معارضون لنفوذ إيران في العراق، بينما كانت ايران هي وجهة مقتدى الصدر للاعتكاف كلما تأزمت الأمور. إذن؛ يقدم التيار الصدري خطابا إعلاميا متباينا حسب المرحلة، يعرض نفسه بمرحلة ما تيارا عروبيا ومقاوما، ثم ينتج جيش المهدي، وقادة اهم المجموعات المسلحة الطائفية الموالية لايران، ثم قدم نفسه تيارا مدنيا بالانتخابات الأخيرة، ثم عاد مقتدى الصدر ليعلن قبل أيام عن العودة للعمل في»البيت الشيعي» مذيلا بيانه بلقبه الجديد: الإمامي الاثنا عشري مقتدى الصدر.
لقد تابعت عن قرب الاجتماعات الأولى لتأسيس البيت الشيعي، في أعقاب معركة النجف عام 2004، وأذكر أني استمعت لأحاديث بين أحمد الجلبي وقيس الخزعلي في اجتماع سبق الإعلان عن «البيت الشيعي» بالنجف 2004، وكان في غرفة متصلة بمرقد الإمام علي، وازدادت قناعتي يومها بأن القوى الدينية هي التي ستدجن العلمانيين الشيعة، وليس العكس، وبالفعل لم يصل بعدها أي شخص علماني شيعي لموقع بارز في السلطة، إلا عبر بوابة الأحزاب الدينية الشيعية. وهكذا قفز مقتدى مجددا من قارب «المدنية» نحو شاطئ البيت الشيعي، منه انطلق وحوله سيبقى يطوف. ولعل تأييد حزب الله العراقي، وهو أكبر فصيل موال لإيران في العراق، لدعوة مقتدى ترميم البيت الشيعي، توحي بأن مشروع مقتدى الجديد يحظى بدعم وقبول إيران، وكذلك المرجعية الشيعية. وستكون المهمة الأبرز لدعوة مقتدى ترميم البيت الشيعي، هي محاولة لم شمل القوى الشيعية المتنافسة، في تحالف سياسي انتخابي، خصوصا تيار مقتدى والمالكي، وجمع ما فرقته السنوات الأخيرة من تيار الحكيم وبدر إلى عصائب الخزعلي المنشق عن مقتدى، ولعل خلافات البيت الشيعي تمتد لمؤسسة المرجعية، التي هي أيضا كانت تشهد تنافسا وخصومات في كل مرحلة، ففي السبعينيات كانت المراجع الشيعية الكبرى مثل محسن الحكيم ومحمد باقر الصدر والخوئي تحاول رأب الصدع داخل حوزة النجف، وكثيرا ما انعكس الخلاف بين سياسات باقر الصدر والخوئي، والتباين في آراء رجال الحوزة بالعمل السياسي في تنظيم سياسي، على طبيعة عمل حزب الدعوة وتنظيماته السرية آنذاك، حيث انسحب باقر الصدر رسميا من قيادة حزب الدعوة، في الوقت الذي كان ينظر فيه للخوئي من قبل عدة مراجع حوزوية كشخص مقرب من سلطة حزب البعث حينها، وتصاعد التوتر، خصوصا مع حوادث إعدام عارف البصري 1974 وما يعرف بانتفاضة صفر الشيعية 1977، وظلت نزاعات وخلافات المراجع الداخلية مؤثرة حتى في مرحلة محمد صادق الصدر، الذي نال نصيبه من التخوين والاتهام من قبل عدة مراجع شيعية في حوزة قم، بالتناغم مع سياسات صدام بمحاولة خلق مرجعية موالية له، بعد أن سمح بإقامة وإمامة صلاة الجمعة في عهد حكم صدام حسين، وكان حادث اغتيال محمد صادق الصدر 1999 مدبرا على الأغلب من خصومه الشيعة الموالين لإيران، وليس من أجهزة أمن صدام، كما أقرت بذلك عدة قيادات من التيار الصدري نفسه، في أحاديث سابقة أجريتها معهم، ومن هذه الحادثة استعر النزاع بين التيار الصدري وباقي التيارات الشيعية التي كانت تقود المعارضة في الخارج.

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لا ثقة بهؤلاء ولو بعد ألف سنة!

    1. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

      البركة كلها فيك حتى قيام الساعة .

    2. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

      نرجو الله أن يعطيك عمر النبي نوح عليه السلام
      لترى أين تكون الثقة و أهلها .

  2. يقول Zaid:

    لا ثقة بهؤلاء ابداً. تحركهم الشهوه: للسلطه للمال للظهور.
    لم ينتكس بلد أخلاقياً كما حدث على يد هؤلاء.

  3. يقول سامح //الأردن:

    *بدون شك (مقتدى الصدر) حاليا يبقى
    أفضل قادة الشيعة ف العراق..

إشترك في قائمتنا البريدية