إدلب – دمشق – «القدس العربي”» ووكالات: تسارعت أمس الخميس وتيرة العمليات العسكرية شمال سوريا وشرقها ووسطها، وكل منها لها دوافعها بوجود لاعبين دوليين عديدين في سوريا وكل له أهدافه وأطماعه.
ففي وسط سويا، دوّت انفجارات ضخمة غامضة، أمس الخميس، في محيط الكلية الحربية في مدينة حمص وقتلت العشرات (المرصد السوري لحقوق الانسان تحدث عن أكثر من مئة قتيل بينهم ضباط ومدنيون)، خلال دورة وحفل تخريج ضباط، بحضور وزير الدفاع السوري، علي محمود عباس.
تزامناً، شنت الطائرات الحربية والمسيرة التركية، أمس، غارات على مناطق شمال شرقي سوريا استهدفت أكثر من 15 موقعاً وسقط خلالها قتلى وجرحى وتسببت بدمار في المواقع المستهدفة.
هجوم حمص: 100 قتيل
وقُتل أكثر من مئة شخص الخميس في هجوم بطائرات بدون طيار استهدف الكلية العسكرية في وسط سوريا أثناء حفل تخريج ضباط، وفق حصيلة نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأدّى الهجوم على الكلية العسكرية في حمص، والذي اتّهم الجيش السوري “تنظيمات إرهابية” بالوقوف وراءه، إلى سقوط “أكثر من مئة قتيل، أكثر من نصفهم من الضباط الخريجين إضافة الى 14 مدنياً على الأقل”. كما أصيب 125 آخرون على الأقل بجروح، وفق المرصد.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم. وتستخدم الفصائل الجهادية التي تسيطر على جزء من الأراضي السورية أحيانا طائرات مسلّحة بدون طيار لاستهداف مواقع عسكرية.
واتهم الجيش السوري في بيان “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة” بالوقوف خلف الاستهداف “عبر مسيرات تحمل ذخائر متفجرة وذلك بعد انتهاء الحفل مباشرة، ما أسفر عن ارتقاء عدد من الشهداء من مدنيين وعسكريين ووقوع عشرات الجرحى”، من دون تحديد أي حصيلة.
وأضاف أن “القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة تعتبر هذا العمل الإرهابي الجبان عملاً إجرامياً غير مسبوق، وتؤكد أنها سترد بكل قوة وحزم على تلك التنظيمات الإرهابية أينما وجدت”.
واستعادت القوات الحكومية، بعد قتال عنيف في أيار/مايو 2017، السيطرة الكاملة على مدينة حمص بعدما شكلت معقلا للفصائل المعارضة إثر اندلاع النزاع عام 2011.
ونددت وزارة الخارجية من جهتها بـ”الجريمة النكراء”، مطالبة “الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة هذا العمل الإرهابي الجبان”.
وأعلنت الحكومة الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام بدءاً من الجمعة.
وفي وقت لاحق أمس الخميس، أفاد المرصد وشهود عيان عن قصف مدفعي نفذته القوات الحكومية على مدن عدة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل متحالفة معها في محافظة إدلب (شمال غرب).
وتسبب القصف وفق المرصد بمقتل أربعة مدنيين.
مصادر عسكرية خاصة قالت لـ “القدس العربي” إنه لا وجود أي دليل مادي على أرض الحدث يحدد نوع الاستهداف، ولا توجد أدلة أو شظايا أو شهود. لذلك، واستناداً إلى طبيعة المنطقة العسكرية، اعتبر المتحدث أن ما جرى هو “تصفية داخلية بين أذرع النظام” لاسيما وأنه “ليس لاي دولة مصلحة بضرب عرض عسكري، كما أن قوى المعارضة وحتى القاعدة ليس لها القدرة بالوصول لتلك المنطقة، فضلاً عن أن التفتيش الذي يحصل للمكان قبل العرض بنحو 24 ساعة لا يمكن لأحد اختراقه”. وقال: الأمر خيانة ضمن قوى الأمن المشرفة على أمن الكلية والعرض العسكري بشكل مباشر.
مغادرة وزير الدفاع قبل التفجيرات؟!
مصادر في حكومة النظام أكدت لوكالة سبوتنيك الروسية أن وزير الدفاع اللواء علي محمود عباس غادر حرم الكلية الحربية بحمص قبل وقوع الهجوم بـ 21 دقيقة. وقالت الوكالة “سبوتنيك” إن سيارات الإسعاف وصلت إلى موقع الانفجار وبدأت بنقل المصابين إلى مشفى حمص العسكري. كما نقلت الوكالة عن مصدر طبي في مدينة حمص تأكيده إصابة عدد كبير من طلاب الكلية الحربية من جراء الهجوم.
صفحات إعلامية موالية، قالت إن ما حدث في الكلية الحربية في حمص هو “استهداف لطائرة مسيرة محملة بقنابل عنقودية على ساحة القادسية في الكلية الحربية، مما أدى لإصابات وقتلى من اهالي الطلاب والطلاب الخريجين والضباط المشرفين على حفل التخرج، وبعض العساكر التابعين للكلية الحربية”
ونعت مصادر موالية عددا من الضباط الذين قضوا في تفجير الكلية الحربية، أبرزهم، العميد المتقاعد حيدر محمد كنوج والعميد الركن باسم إبراهيم حلاق، وغيرهم.
وبينما اعتبرته وزارة الدفاع لدى النظام السوري “عملاً إجرامياً غير مسبوق، ونؤكد على الرد بكل قوة وحزم” شكك المرصد السوري برواية النظام وهوية التنظيمات التي استهدفت الكلية الحربية في حمص وقال إن الميليشيات الإيرانية تمتلك مسيرات وتنشط بالمنطقة أيضاً.
من جهته، اعتبر رجل الأعمال السوري فراس طلاس ونجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس، في منشور عبر صفحته الشخصية، أن الهجوم عبارة عن رسالة داخلية، وكتب طلاس: قيام طائرة مسيرة مجهولة بقصف منصة التخرج في الكلية الحربية في حمص الآن، هي رسالة داخلية بين النظام وحلفائه (روسيا وإيران) مؤكداً أن الهجوم وقع “فور مغادرة وزير الدفاع السوري”.
الباحث السياسي محمد منير الفقير عقب على الحادثة، حيث قال: حادثة الكلية الحربية بحمص قبل قليل كحادثة المدفعية قبل 45 عاماً (بغض النظر عمن يقف وراء حادثة الحربية اليوم) تطرح سؤالا مهما على الطائفة العلوية، هل ستسمحون للنظام للمرة الألف بتوظيف هذه الحادثة لحشدكم خلفه واستمراركم بضخ الدم والقتلى واجترار الجوع والحزن والفقر واستعداء بقية السوريين، مدلول الحادثة اليوم خطير ومهم كون الكلية الحربية هي المركز الرسمي الأهم والأكبر تاريخياً لتجنيد الطائفة في مفاصل النظام الرئيسية. وأضاف: كعادته، النظام المجرم ينتقم من المدنيين في إدلب وريفها.
المحامي عبد الناصر حوشان، عقّب باقتضاب، يقول: “توقيت مُريب وفي عقر دار التشبيح والإجرام وفي عمق قوة النظام العسكريّة، تظهر مُسيّرة وتستهدف حفل تخرّج زبانيّة نظام اسد في الكليّة الحربيّة في حمص وتفتك بأكثر من 54 واحد منهم حتى الآن”.
يفضحه بيان قيادة ما يسمّى الجيش والقوات المسلحة يتهم فيه الفصائل في الشمال ويهدد بعمليّة عسكرية في الشمال. وأضاف: الريبة في تزامن هذا الهجوم مع نيّة تركيا في القيام بعمليّة عسكريّة ضد العصابات الانفصالية شرق الفرات ردّاً على العمل الإرهابي الذي وقع في انقرة منذ أيام.
وجزم قائلاً: ثلاثة فقط هم من يقفوا وراء هذا الهجوم النظام أو روسيا أو إيران.
مجزرة إدلب
وفي أول رد انتقامي على الهجوم الذي ضرب الكلية الحربية في مدينة حمص، صعّدت قوات النظام من هجماتها المدفعية والصاروخية على مناطق شمال غربي سوريا، وارتكبت مجزرة في ريف حلب الغربي راح ضحيتها 5 مدنيين من عائلة واحدة وإصابة شقيقتهم بجروح.
وقالت منظمة الخوذ البيضاء، إن قوات النظام ارتكبت مجزرة في ريف حلب الغربي راح ضحيتها 5 مدنيين من عائلة واحدة، كما أصيب شقيقتهم بجروح، في تصعيد جديد يهدد حياة المدنيين ويمنعهم من الاستقرار ويزيد مأساة السكان بعد أكثر من 12 عام من حياة الحرب والتهجير.
ووفقا لبيان الدفاع المدني السوري، فإن قصفا صاروخيا استهدف منزلاً على أطراف بلد كفرنوران في ريف حلب الغربي تقطنه عائلة من النازحين من قرية عين جارة في الريف نفسه ما أدى لمقتل 5 من أفراد العائلة (امرأة مسنة مقعدة وابنيها وابنتيها) وإصابة شقيقتهم، بعد منتصف الليل، اليوم الخميس 5 تشرين الأول.
وجاءت المجزرة بعد أقل من 12 ساعةً من مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بينهم رضيعة وطفلتان وامرأتان وشاب، جراء قصف صاروخي لقوات النظام استهدف منازل المدنيين والمسجد الكبير وسور ملعب المدرسة الريفية في مدينة سرمين في ريف إدلب الشرقي، يوم أمس الأربعاء 4 تشرين الأول في الوقت الذي تتعرض فيه قرى ريف إدلب الشرقي لحملة قصف ممنهج من قوات النظام يقوّض الاستقرار في المنطقة ويفرض حالة من الرعب والخوف من موجات نزوح.
وقتل شاب وعمه وأصيب والد الشاب ورجل آخر يعملون بتربية الأغنام في الأراضي الزراعية إثر قصف مدفعي لقوات النظام وروسيا استهدفهم على أطراف منطقة تقع بين الأتارب و كفرنوران غربي حلب ، مساء يوم الأربعاء 26 تموز، تلاه استهداف آخر لقوات النظام نفس المكان بصاروخ حراري موجه بعد ساعة على الهجوم الأول منتصف ليلة اليوم الخميس 27 تموز، ما تسبب باحتراق سيارة لذوي ضحايا الهجوم الأول أثناء عملهم على تفقد المكان، وإخلاء سيارة وأغنام منه.
كما استهدفت قوات النظام سيارة لأحد المزارعين بصاروخين موجهين، في المنطقة الزراعية على الطريق الواصل بين مدينة الأتارب وقرية كفرنوران في ريف حلب الغربي، مساء يوم الثلاثاء 15 آب، كانت قد رصدتها قبل أن يركنها المزارع وتسببت هجمات عدة للنظام مؤخراً بمقتل 63 مدنياً بينهم 11 طفلاً و6 نساء، وإصابة 280 مدنياً بينهم 96 طفلاً و41 امرأة.
واعتبرت المنظمة أن استهداف المدنيين المتعمد بالقذائف والصواريخ الموجهة هو جزء من سياسة نشر الرعب والقتل بين المدنيين، ويشكل خطراً كبيراً على المدنيين القاطنين في المناطق القريبة من خطوط التماس، ويجبرهم على النزوح مجدداً نحو المخيمات ويحرمهم من مصادر رزقهم.
قصف تركي لـ15 موقعاً
شرقاً، قالت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في بيان صحافي، إن تركيا شنت منذ صباح أمس “سلسلة اعتداءات على مناطقنا بأكثر من 15 مسيّرة اخترقت أجواء شمال شرقي سوريا، واستهدفت مجدداً العديد من النقاط والبنى التحتية والمنشآت الخدمية ومحطات الوقود والنفط ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى، كما طال عدوانها المناطق الآهلة بالمدنيين “.
وأعلن البيان مقتل ستة من عناصر الأمن الداخلي التابع لـ”قسد” وشخصين استهدفتهم مسيرة، إضافة إلى إصابة ثلاثة أشخاص آخرين. ودعا بيان قسد “أبناء مناطق شمال سوريا من كافة المكونات بضرورة التكاتف والوحدة والإصرار على خيارهم في حماية مناطقهم وإعلاء الصوت لوقف العدوان التركي”.
وتشهد مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة “قسد” استهدافاً شبه يومي من قبل الطائرات المسيرة التركية، ويأتي التصعيد في القصف على شمال سوريا بعد التفجير الذي وقع قرب وزارة الداخلية التركية في العاصمة التركية أنقرة قبل أيام.