تونس- “القدس العربي”:
قال بن سول، مقرر الأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، إن طلب المدعي العام للجنائية الدولية، كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق قادة من إسرائيل وحماس هو رسالة قوية إلى الدول التي تدعم دولة الاحتلال، معتبرا أن اتهام بعض الدول لكريم خان بممارسة “التكافؤ الأخلاقي” (المساواة بين إسرائيل وحماس) هو عبارة عن “تشويه كاذب ومضلل للعدالة الدولية”.
وكان كريم خان طلب إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، وقادة في حركة حماس، بمن فيهم يحيى السنوار، رئيس الحركة في غزة، ومحمد دياب إبراهيم (الضيف) قائد كتائب القسام الجناح العسكري للحركة، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، للاشتباه في “ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية”.
وقال البروفيسور بن سول، في حوار خاص مع “القدس العربي” إن “طلب إصدار مذكرات الاعتقال هو موضع ترحيب وخطوة نحو المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، والتغلب على الإفلات من العقاب الذي ساد في صراع غزة حتى الآن. وفي حين سعت الدول القوية إلى حماية إسرائيل وإحباط العدالة، فإن المحكمة الدولية المستقلة يمكنها أن ترسل إشارة قوية مفادها أنه لا أحد فوق القانون”.
وأضاف: “وحتى لو لم تتمكن (الجنائية الدولية) من وقف الحرب، فمن المؤكد أنها يمكن أن تعزز الرسالة الضرورية التي مفادها أن الحرب لها حدود ويجب خوضها ضمن القانون وحدود الأخلاق والإنسانية”.
قرار الجنائية الدولية لن يوقف الحرب لكنه يؤكد أن الصراعات يجب خوضها ضمن القانون وحدود الأخلاق والإنسانية
وكانت دول عدة، على غرار ألمانيا وكندا، أشارت إلى أن نص البيان الذي أصدرته الجنائية حول طلب إصدار مذكرتي اعتقال بحق قادة إسرائيل وحماس يعطي انطباعا حول “مساواتها” بين الطرفين في ارتكاب الجرائم، في إشارة إلى مبدأ “التكافؤ الأخلاقي” أو “التكافؤ الكاذب” الذي ساد بعد الحرب الباردة، وهو نوع من المغالطة تستخدم عادة للمقارنة بين حالتين متناقضتين كليا لإقناع المتلقي أنهما “متكافئين منطقيا”.
وعلق بن سول بالقول: “إن المدعي العام لا يساوي بين سلوك إسرائيل وحماس بأي شكل من الأشكال، وحجة “التكافؤ الأخلاقي” هذه هي تشويه كاذب ومضلل للعدالة الدولية. فالمدعي العام يطبق بشكل محايد المعايير الدولية (قانون الجرائم الدولية) -التي وافقت عليها جميع الدول- على الحقائق الموجودة على الأرض في قطاع غزة وإسرائيل. وكل طرف مسؤول عن انتهاكاته وفقا للقانون”.
وأضاف: “وحقيقة أن إسرائيل وحماس تواجهان اتهامات بارتكاب جرائم دولية خطيرة، تعكس وجهة نظر هذه الأطراف، وليس الجنائية الدولية”.
وحول التناقض الكبير بين موقف الشعوب والأنظمة الغربية مما يحدث في غزة، قال بن سول “من المؤسف أن بعض الدول القوية تعتقد- بأنانية- أنها وحلفاءها يجب أن يكونوا فوق القانون الذي تصر على تطبيقه على بلدان أخرى”.
واعتبر أن “مثل هذه الاستثناءات والمصلحة الذاتية تؤدي إلى تآكل ثقة الشعوب في القانون الدولي في جميع أنحاء العالم، وتقوض شرعية النظام القانوني الدولي، وتجعل الدول الأخرى تعتقد أنها يمكنها أيضًا التصرف فوق القانون، وتضعف الجهود التي تبذلها تلك الدول نفسها لنشر حقوق الإنسان والقانون الدولي”.
ومن جهة أخرى، اعتبر بن سول أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة سيساهم في “زيادة” التطرف والإرهاب في العالم.
وأوضح بقوله: “ليس هناك شك في أن الشعور بالظلم والغضب الناجم عن العنف المفرط وغير القانوني في غزة كان وسيستمر في تأجيج التطرف والتعصب المتشدد والإرهاب في مناطق أخرى من العالم”.
الشعور بالظلم والغضب الناجم عن العنف المفرط في غزة سيؤجج التطرف والإرهاب في مناطق أخرى من العالم
واستدرك بالقول: “وهذا ليس تبريرا أو محاولة لإيجاد عذر لمثل هذا النوع من العنف، ولكن استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب- التي وافقت عليها كافة البلدان- تؤكد أن انتهاكات الدول لحقوق الإنسان تشكّل أحد الشروط التي تؤدي إلى المزيد من الإرهاب، ولابد من منعها ووقفها بأي شكل”.
في المقابل اعتبر بن سول أن “النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال أمده كان مصدراً للتوتر والعنف العالميين لأكثر من قرن، أي منذ فترة الانتداب البريطاني في فلسطين. وأعتقد أن الحل السلمي لهذا الصراع ضروري لإزالة مصدر الاحتكاك الذي يسمم العلاقات بين الدول والشعوب في المنطقة والعالم، بما في ذلك أمن الإسرائيليين واليهود أنفسهم”.
وختم بن سول حديثه برسالة إلى كل من حماس وإسرائيل والمجتمع الدولي، قال فيها: “توقفوا عن قتل المدنيين وتجريد الطرف الآخر من إنسانيته. اصنعوا السلام، وقبل ذلك، تمسّكوا بالعدالة والتسامح”.