عمّان- ليث الجنيدي:
تتجه أنظار الساسة والمراقبين صوب رام الله؛ لمعرفة ما ستحمله زيارة استثنائية سيجريها عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، الإثنين، هي الأولى له منذ عام 2017، يلتقي خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وأفاد تلفزيون “المملكة” الرسمي، بأن الملك عبد الله سيلتقي عباس في رام الله الإثنين، فيما نقل عن مصدر لم يسمه، في خبر سابق بأن الزعيمين “سيبحثان خلال الزيارة الجهود الأردنية المستمرة لدعم الشعب الفلسطيني”.
وتأتي هذه الزيارة، بالتزامن مع أخرى يُجريها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل، ويعقد فيها الأخير اجتماعا وزاريا غير مسبوق، من المقرر أن يضم إلى جانبه، نظراءه المصري والإماراتي والبحريني والمغربي والإسرائيلي؛ للمشاركة في ما تُعرف بـ”قمة النقب”.
كما تأتي عقب زيارات متعددة لمسؤولين أمريكيين إلى المنطقة، أبرزهم مساعد وزير الخارجية هادي عمرو، وأيضا بعد قمة شرم الشيخ، الثلاثاء الماضي، التي غاب عنها الأردن، وجمعت رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وعلى الرغم من حالة التهميش التي شهدها الأردن، خلال حقبة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2016 – 2020) تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن إدارة واشنطن الحالية تدرك أهمية دور المملكة، سيما مع حالة الترابط الجيوسياسي والديموغرافي مع الضفة الغربية.
وما سيعزز حضور الأردن، في قضية تعد هي الأبرز على المستويين الإقليمي والعالمي، هو حاجة الولايات المتحدة إلى لاعب رئيسي، يخفف من وطأة مواجهات محتملة بين طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة، وانشغالها في مواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية الروسية.
وإضافة إلى ما سبق، فإن زيارة الملك عبدالله المرتقبة إلى رام الله، يراها مراقبون بأنها تدلل وتشير إلى حدوث انفراجة في مستوى التواصل الأردني الإسرائيلي، بعد سنوات عجاف، مرت خلال فترة إدارة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
ويدعم هذه الانفراجة، لقاء عاهل الأردن مع وزير خارجية تل أبيب يائير لابيد، في العاشر من مارس/ آذار الجاري.
حراك إقليمي ودولي “غير مسبوق”
يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الهاشمية، جمال الشلبي أن “زيارة الملك عبدالله تأتي في سياق حراك إقليمي ودولي متعدد غير مسبوق لم تشهده المنطقة منذ فترة طويلة”.
ويقول: “ما يشي بأن هناك شيئا ما يدور في المنطقة، قد يكون الهدف منه ليس فقط التأكيد على ضرورة عدم انفجار الوضع المتأزم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل ووضع تصورات متعلقة بتحريك عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين المتوقفة من مدة طويلة من ناحية”.
ومن ناحية أخرى فإن الحراك الدائر، حسب الشلبي، يهدف إلى “البحث في إمكانية فتح أفق اندماج سوري في عملية سلام أوسع، تفضى إلى سلام شامل وكامل بين دول المنطقة، لا سيما في ظل قرب التوصل لاتفاق بشأن ملف البرنامج النووي الإيراني، بين إيران والقوى العظمى الممثلة في مجموعة (5+1)”.
ويضيف الشلبي: “لذلك يعد الدور الأردني مهما وضروريا لأي عملية متعلقة بالتهدئة، أو إعادة التفاوض بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أو حتى إطلاق عملية سلام أشمل تضم سوريا، لا سيما وأن الأردن لديه أكبر نسبة من اللاجئين الفلسطينيين تصل إلى 2 مليون لاجئ، ومع وجود أكبر حدود متاخمة مع الكيان الإسرائيلي تصل إلى 450 كم”.
ويشير إلى أن ما يعزز هذا الدور أيضا، هو الوصاية الهاشمية المتعلقة بالقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية التي حظيت بها منذ عام 1924.
ويشدد الأكاديمي الأردني على أهمية “منح الأردن وقيادته الهاشمية اليد الطولى على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في أي اتفاق محتمل لهذه المدينة المقدسة، التي تشكل باستمرار عقبة حقيقية في التوصل إلى سلام عادل، وشامل ومقبول من الجميع لحساسيتها الدينية العميقة لدى العرب والمسلمين”.
ومنذ أبريل/ نيسان 2014، توقفت المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، جراء رفض تل أبيب وقف الاستيطان، والإفراج عن أسرى قدامى، وتنصلها من خيار حل الدولتين.
تطمينات “بثبات” الموقف الأردني
بدوره، يقول بدر الماضي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية الألمانية إن “زيارة الملك الأردني تأتي في ظل الحراك المستمر بالمنطقة والإقليم والعالم تجاه القضية الفلسطينية، والصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي”.
ويرى أن “الزيارة تأتي في خضم زيارات يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي لكل من الإمارات وإسرائيل والبحرين، ولا أعتقد أن هذه الزيارات بعيدة عن أجواء صانع القرار السياسي في الأردن، بل هناك تنسيقا مباشرا مع المملكة، خاصة مع وجود تحفظات لعمان على بعض المحاولات لجعل دورها ثانويا تجاه القضية الفلسطينية”.
ويضيف الماضي: “الملك يريد من زيارته أن يشد عضد وعصب الفلسطينيين، ويبعث بتطمينات أن الأردن سيكون بجانبهم، إذا ما تم محاولة الضغط لقبول وجهة نظر الإسرائيليين كلها، والتي تتبناها للأسف بعض الدول العربية في هذه الأيام”.
ويوضح أن “الأردن لن يقبل بكل ما هو مطلوب، ولن يرفض كل ما هو مطروح، ولكن سيحاول بشكل أو بآخر إجراء نوع من التوافقات التي لا تهضم حق المملكة في أي خطط سلام مستقبلية بالمنطقة”.
ويتابع المختص السياسي: “لذلك ستكون الزيارة مهمة جدا؛ لمحاولة إعادة انتاج الدور الأردني من خلال السلطة الفلسطينية، وليس من خلال الأشقاء، ولا حتى من إسرائيل”.
ومضى ماضي قائلا: “الملك يدرك أن الأمور تتغير، وبأن هناك ضغوطا كبيرة جدا تمارس في المنطقة؛ لمحاولة إنهاء هذا الملف، ولكن الأردن لا يريد أن يُنهى على حسابه، ودور المملكة المستقبلي، وضمن فقط الشروط الإسرائيلية، ولذلك فالزيارة هي لمواجهة أي مشروع يحاول الضغط على الفلسطينيين للقبول بأي شيء”.
تلافي التصعيد
من جانبه يقول حسن الدعجة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسين بن طلال، إن “الزيارة الملكية إلى رام الله، تأتي استكمالا وتعزيزا للجهود الأردنية المبذولة في سبيل إبقاء القضية الفلسطينية كواجهة عالمية رئيسية، بعد أن طغت أحداث كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية”.
ويرى أن “قرب التوصل إلى اتفاق مع إيران بخصوص الملف النووي واجتماعاتها في مدينة فيينا بهذا الخصوص، قد يؤدي إلى تغييرات كثيرة بالوضع الإقليمي القائم، ومنها زيادة النفوذ الإيراني في كل من اليمن ولبنان، إضافة إلى سوريا والعراق وتوسيع مناطق نفوذها”.
ويضيف الدعجة: “على أرض الواقع، هناك أيضا تخوف من الكيان الاسرائيلي ومن أن تندلع أعمال تصعيدية؛ بسبب استفزازاتها في المسجد الأقصى والقدس، خصوصا أنها زادت في الأشهر الأخيرة، وضاعفت الضغط والتنكيل بالأشقاء الفلسطينيين”.
ولذلك تأتي زيارة الملك الأردني “لتخفيف حدة التوتر والضغط على إسرائيل، والسماح للأشقاء الفلسطينيين بالصلاة في المسجد الأقصى طوال أيام رمضان بدون استفزاز” وفق الأكاديمي السياسي.
وتتخوف أوساط رسمية إسرائيلية من تدهور الأوضاع الأمنية مع الفلسطينيين خلال شهر رمضان المقبل؛ خاصة في مدينة القدس المحتلة لا سيما أن الأعياد العبرية تتزامن مع مناسبات فلسطينية، وسط استعداد جماعات استيطانية لاقتحام المسجد الأقصى بأعداد كبيرة.
(الأناضول)
ومن يهتم أو حتى يحس أو يشعر بتحركات وانكسارات العربان…..