الخرطوم-“القدس العربي”: طالب تجمع الدراميين السودانيين بمقاطعة مهرجان البقعة المسرحي، الذي ينطلق في السابع والعشرين من هذا الشهر في المسرح القومي في أم درمان تزامنا مع اليوم العالمي للمسرح بمشاركات محلية وخارجية.
ويشهد السودان احتجاجات واسعة وبصورة شبه يومية منذ ثلاثة أشهر. وقال مراقبون إن الاحتجاجات شلّت الحياة العامة وأوقفت النشاط الثقافي المحدود في ولاية الخرطوم.
وقال تجمع الدراميين (وهو كيان غير حكومي) في بيان له أن المهرجان يجيء في وقت ينتفض فيه شعب السودان وأضاف “قاطعوا مهرجان البقعة المسرحي، ومهرجان 17 مارس المسرحي، لا لإقامة الأعراس الزائفة فوق مآتم شهداء الشعب السوداني وعلى حساب انتفاضته”.
وجاء في البيان الذي استبق افتتاح المهرجان بأيام أن “تجمُّع الدراميين السودانيين ظل ومنذ تاريخ انضمامه لركب الثورة، ومحضه التأييد التام لإعلان الحرية والتغيير، ظل منخرطا مع كافة أطياف الشعب السوداني في العمل من أجل مستقبل أفضل تعززه الحرية والكرامة والسيادة”.
وأضاف أن الدراميين خرجوا ملبين لنداءات تجمع المهنيين بوصفه البوصلة التي تؤشر على وجهة الطموح في إنجاح الثورة، مشاركين بالوقفات الاحتجاجية، وبالتواجد الفعلي في كافة الفعاليات والمواكب الثورية. حيث تعرّض عدد مقدر منهم للاعتقالات والمحاكمات الجائرة التي يلجأ إليها النظام لترهيب المحتجين السلميين.
ويبرر التجمع الدرامي دعوته إلى مقاطعة المهرجان بعاملين؛ أولا: اعتراضه على ما سماه إقامة أعراس تهريج مسرحي فوق مآتم شهداء ثوار الشعب السوداني. وثانياً: اعتقاده في وجود سوء قصد وراء تنظيم هذه المهرجانات في وقت ظلت فيه الحركة المسرحية السودانية كاسدة وخاملة طوال سنوات الإنقاذ العجاف. ويقول التجمع إن مغزى هذه المهرجانات المسرحية هو تغبيش الحقائق، بخلق انطباع زائف أن كل شيء يمضي على ما يرام، وأن نار الانتفاضة السودانية قد خمدت جذوتها، وأن الفنانين المسرحيين يمارسون حرياتهم في التعبير الفني كاملة غير منقوصة.
ودعا تجمع الدراميين السودانين للوقوف ضد ما وصفه “بالتزييف المترصد، والمضي في طريق الانتفاضة بما يفتح الطريق أمام حرية حقيقية للتعبير، ولتوفير مناخ معافى تزدهر فيه كل ألوان الثقافة والفنون والإبداع”.
ويؤيّد المخرج والناقد ربيع يوسف خطوة المقاطعة ويورد أسبابا عديدة لتأييده ويرى أن “المقاطعة تنطلق من موقع حماية الثورة من محاولات نكرانها بأي فعل جماهيري يوهم بطبيعية الأوضاع، لأن المهرجانات عموما حالة من التجمع، ومهرجان البقعة تحديدا تجمع كرنفالي وسياسي أكثر من كونه حالة مسرحية”.
ويضيف لـ”القدس العربي” أن السلطة هي الوحيدة التي تنكر وجود الثورة وهي الوحيدة أيضا التي تعمل على خلق حشود موازية لحشود الثورة وعليه فإن دعوة الناس تهدف ليشاركوا في مهرجان يمكن أن يحشدوا له (مغلوبين) على أمرهم ليخاطبهم مسؤولون في إفتتاح وختام المهرجان، وهي دعوة تتسق وخطاب السلطة وموقفها من الثورة”.
ويقول ربيع إن صاحب شركة المهرجان علي مهدي، يستهدف أصلا مسرحيين مغلوبين إما لقلة وعيهم ولجهلهم وإما مغلوبين اقتصاديا ومهنيا وعاجزين عن تقديم أنفسهم بعيدا عن مهرجانه، ويضيف أن مهدي يستهدف مثل هؤلاء ومعهم الانتهازيين ليضمن مشاركتهم في مهرجانه.
وهو يدحض دعوة من يقول بأن المهرجان عمل ثقافي وهو مثل الأعمال الأخرى المستمرة رغم الاحتجاجات ويقول “هذه الدعوة غير دقيقة وغير أمينة، فأولا المشاركة في مهرجان البقعة تحديدا، ليست عملا يجني منه المسرحيون مالا يكفيهم لإنتاج عروضهم ناهيك عن كونه يوفر لهم مالا لمعاشهم، فكل المشتغلين في مسرحنا يعلمون أن المشاركة في مهرجان البقعة سخرة تكسب صاحب المهرجان ملايين من رعاة المهرجان”.
ويرفض ربيع يوسف الحديث عن أن المبدع مكانه معروف ويقول: “أما القول أن المسرحي منبره الخشبة فحديث ماكر يتجاهل الثورة التي يجب أن تجعل الشارع والميادين الحرة الثائرة هي المنبر المقدس للمسرحي”.
ويقلّل علي مهدي رئيس مسرح البقعة الذي يقيم المهرجان من دعاوى المقاطعة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وأماكن تجمع الدراميين ويقول إن المهرجان يمضي دون أي مقاطعة ويقترب من نهايته بنجاح، في دورته العشرين.
ويقول لـ “القدس العربي” إن المراحل الأولية للمهرجان انتهت وتبقت اللمسات الأخيرة حيث قدم 67 نصا اختير منها 30 عرضا تنافست العروض في ثلاث ولايات ليصل 14 عرضا للمرحلة النهائية”. ويضيف أن 270 فنانا شاركوا في المراحل السابقة ويشارك 180 مبدعا في المرحلة الأخيرة.
ويقول إن العروض الأولية أقيمت في مناطق مختلفة في كسلا، شرقي السودان وفي الدويم في ولاية النيل الأبيض والعاصمة الخرطوم. ويضيف أنه، ولأول مرة تتم المشاركة في ختام المهرجان بأربعة عشر عرضا، عشرة منها من ولاية الخرطوم. إضافة لخمسة عروض خارجية منها عرض فرنسي جزائري مشترك وعرض سعودي وعرض مصري.
وحسب مهدي فإن المهرجان خلق تأثيرا كبيرا على كافة المستويات محليا وإقليميا ودوليا ويضيف: “أقيمت كل الدورات السابقة في فضاء حر وديمقراطي دون تدخل من أي جهة، وتأتي عشرينية المهرجان هذا العام في ظروف سياسية واقتصادية خاصة، ومعروف أن الفنون وخاصة المسرح له دور كبير في الوحدة الوطنية وتوحيد الوجدان”.
ويشهد المهرجان هذا العام مؤتمرا بعنوان “المسرح والتراث” تقدم فيه أوراق من الكاتب والمؤلف المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد، والسعودية مريم الغامدي، إضافة لأوراق يقدمها مسرحيون سودانيون، واختير الممثل والكاتب السر قدور ليكون شخصية المهرجان لهذا العام.
ويجيء المهرجان شراكة مع وزارة الثقافة والسياحة في ولاية الخرطوم والتي أعلن مديرها عماد الدين ابراهيم دعمهم التام للمهرجان. وأشار لدى لقائه برئيس المهرجان لمواصلة دعمهم للمهرجان في هذ العام مضيفا أن “المسرح أبو الفنون وهو ماعون فني جامع وله تأثيره على المجتمع” وأضاف أن الوزارة “وزارة مبدعين وإننا في خدمة المبدعين” مشيراً للشراكة المستمرة مع المهرجان في كل نسخه السابقة.