قوية هي الصلة بين النص والمنديل، فكلاهما نسج وبصمة خاصة؛ يلتقيان في النقطة التي تربط الشيء بالشيء والملمح بالملمح على رقعة ما وضمن أفق طالع. فتتعدد المسارات والكينونات الخفية. وهو ما يؤدي فيضا إلى تمدد وإغناء الواحد ـ الجسد الذي اختار بقوة ،النص أصلا وشبيها . وليس غريبا، أن يربط أسلافنا النص قديما بالنسيج والنسج. فبهذه البلاغة الخاصة، يعتبرون أكثر إصغاء للنص المحاك لغة وتخييلا، النص الذي لم يقو النقد (ولو بمعناه البلاغي) آنذاك على احتوائه أحيانا ،على الرغم من أن التلقي زمنه تمثل في إصغاء أذن ترى. النص الذي أتحدث عنه هنا، ليس بالهش أو المصاب في مهده، ولا بمخروم الطبقات والتشكيل؛ بل المحاك كسلسلة تكوين ممتد في اللغة والوعي.. الأجمل في المنديل والأنها ملوحة وسابحة باستمرار، وفي آنه مقيمة ولصيقة بأسرارنا الطرية وصمتنا الخلفي. لهذا وذاك، يبدو أن المنديل حفاظ لأسرارنا، مثلما النص أيضا؛ لكن بكيفية إنسانية ما. لماذا إذن لا نربط الصلة بين المنديل والنص في الحياة، مثلما في الكتابة؟ أي أن نلعب بالنص ومعه، مثلما المنديل لتقوية الصلة بالحياة، ولو في أجسادنا عبر وسائط صغيرة قد تسع العالم . أنصتوا وكلامكم، واقرنوا في الصمت الأصل بين النص والمنديل. فالكل حبال، لكن سيان بين حبال أعمدة العالم وحبال النسج الشفيف والرهيف. متى يعترف للنص بنصه وقده أمام الطمس الكاسح، ويبدو أن سلطته لا مكان لها بين سلط المواقع والأركان. النص الذي أتحدث عنه هنا، ذاك المنتسب لنفسه وثقافته، و لا يتأتى ذلك إلا بالتناظر مع الأطر الموازية الكامنة في الذاكرة على امتداداتها، ومنها الذاكرة الجمعية لأن المبدع لا يمكن أن يكتب خارج الثقافة التي ينتمي إليها. وأن هذا الانتماء يقتضي إجهادا نفسيا، لينضح عرقا، كلما تعلق الأمر برؤيا ترقب العالم من زاوية ما أو كما يسميها غالي شكري بالرؤيا المقيدة أو ماتدعوه جوليا كريستيفا في تنظيرها للتناص أي علاقة نص بنصوص أخرى تساهم في صياغته وتركيبه على شكل ما أقول ما تسميه بالمحاورة الواعية لنصوص سابقة. وأظن أنها الخاصية الـتأليفية التي تمنح للنص عمقه وهدوء تشكيله. في هذا السياق يكون المبدع بمثابة شبكة اتصال شديدة التعقيد بين حالات وتجارب ونصوص أيضا. لذا كلما كان التركيز على داخل التجربة كان التناول أقرب إلى الحقيقة المفترضة وإنصاف التاريخ. إنصاف لن يأتي أبدا من الخواء واللامبالاة القاتلة. يقول الشاعر عبد العزيزالمقالح وهو يتناول تجارب بعض الشعراء: ‘فلا كبار ولا صغار في حضرة الشعر والفارق إن وجد فإنما في الشهرة لا في الشعر ذاته’. وقال القاص أحمد بوزفور في أحد اللقاءات الثقافية ما معناه لا ينبغي تصنيف الكتاب إلى كاتب كبير وآخر صغير، بل هناك الكاتب. وأظن أن هذه التصورات العميقة حول المبدع؛ تطرح هذا الأخير في المحك: أي ذاك المبدع الحارس للغته ونسله بكامل العدة الرمزية. ها هنا يمكن الحديث عن النص السلس العابر للنصوص والمرجعيات كخيط رؤيوي شفيف، وعلى قدر كبير من البلور الذاتي. كثيرة هي أشكال تبعية الثقافي، وغياب التقاليد الثقافية، هذا فضلا عن طمس آليات الضبط بمعناها المسؤول التي تحول دون إنصاف النص أوالإعلاء من شأنه. وفي هذا السياق يتم تضخيم الصورة دون مادة، فيقع الترتيب والتعليق، بعيدا عن سلطة النص القاهرة التي تضع النحت الإبداعي في مصاف ‘الخلق’ الإلهي المتأبي على فعل الزمان والمكان. أضع الخلق بين معقوفتين رفعا لكل التباس، وللإبداع خلقه أيضا.