نحن ببساطة من فعل… فأغنياء البشر أمروا.. وفقراؤهم صمتوا
العالم يحترق.. العالم يغرق.. العالم يمرض.. العالم يقتتل.. العالم يموت، هكذا بات الحال عليه اليوم في كل مكان من العالم، ليس بظلم الخالق والطبيعة، كما يحاول البعض أن يقول، بل بفعل يد الإنسان وإصراره على تدمير ما حوله في سبيل مصالحه.
الأمر ليس ابتلاءً من الله، بل جريمة نكراء تسبب بها البشر، بدءاً من الإيغال في التصنيع والتسليح والاعتداء على البيئة، مروراً بولادة آلة الدمار الشامل التي استحدثتها التقنيات النووية والكيميائية والجرثومية، والتجارب النووية في المحيط الهادئ وغيره، وتفجير قنبلتي هيروشيما ونكازاكي في اليابان، إبان الحرب العالمية الثانية وبانفجار تشرنوبل وتلوث المحيطات والتسونامي بنسخه ومواقعه المتعددة، وصولاً إلى احتراقات الأمازون المتواصلة، وفناء المخلوقات على اختلافها.
البشرية اليوم مطالبة أكثر من ذي قبل بالاعتراف بالكارثة والخطيئة والنكبة والمحرقة، التي تسببت بها، ليس فقط عبر افتعال الكوارث والتأسيس لها فحسب، بل أيضاً بفعل السكوت عليها، وإهمالها، واستمرار عدوانها دونما توقف. وحتى تكون الأمور أكثر دقة، فإن الحديث يجب أن يتمحور حول الدول الصناعية الكبرى، لما سببته حروبها وآلتها العسكرية ومصانعها وسفنها وغواصاتها من اعتداءات آثمة، وصولاً إلى رفض التوقيع على اتفاقات دولية تحمي المحيط والبيئة. إن ما يجري اليوم من احتباس حراري، واضطراب مناخي، وارتفاعٍ وانخفاض كبيرين في درجات الحرارة، وفق معدلات غير مسبوقة، إنما هو بفعل الإنسان وطمعه وإنكاره، وهو ما قاد لولادة بروتوكول «كيوتو» الذي رفضت أمريكا التوقيع عليه، ثم عادت ووافقت، لتعود وتنسحب بقرار من الرئيس المأزوم ترامب، الذي لا بد أن يحاكم دولياً بتهمة الإهمال والقتل العمد. ناهيكم من قمم ومواثيق وتفاهمات ومبادرات لا حصر لها، كلها هدفت لإنقاذ البيئة حتى وصلنا لاستحداث ساعة احتجاجية تضامنية سنوية عرفت بساعة الأرض.
الدول الصناعية مطالبة بتعويض البشرية عبر صندوق دولي لحماية البيئة، برأس مال كبير وإمكانات ومشروعات ضخمة
اليوم يشهد العالم وفي آن واحد عودة متصاعدة لوباء كورونا عبر متحورات لا تنتهي، وحرائق هائلة تمتد من الهند إلى كاليفورنيا، مروراً بتركيا والجزائر واليونان، وفيضانات تتوسع من شرق آسيا مروراً بأوروبا، وصولاً إلى أمريكا اللاتينية، وحروب مستمرة تمتد من أفغانستان، مروراً باليمن وسوريا وليبيا، وصولاً إلى بنما وغيرها ممن لا نعرف عنه من دول ومناطق قتلها الجهل والفقر والحرمان. ولا ننسى حالات الفشل المستفحلة التي راكمها الفساد والوباء والصراع وتحول الدول إلى مساحات الفشل كلبنان وهايتي وغيره.
لقد آن الأوان للبشرية أن تخرج من إطار الحديث عن الغيبيات واتهامها المستدام لفقرائها بأنهم هم من يقفون وراء الجرائم المرتكبة بحق الأرض، ليس لأننا جميعاً لا نعترف بالتقصير، بل لأن هناك فارقا واضحا بين المقصرين الحالمين والكارثيين القتلة. فالكوارث والنكبات إنما جاءت من الدول الصناعية حتماً وهي التي بنت في تاريخها منظومات الأسلحة المختلفة، وقادت الاحتلالات والغزوات والاستعمارات والحروب. وعليه فإن تلك الدول هي المطالبة بتعويض البشرية عبر صندوق دولي لحماية البيئة، برأس مال كبير وإمكانات ومشروعات ضخمة. هم أيضاً مطالبون بالإذعان للاتفاقات الدولية، والسياسات التغييرية الواجبة التي من شأنها أن تجنب البشرية الموت خلال قرن أو يقل من الزمن.
صراعات الأمس وكوارث اليوم، ومغامرات البشرية غداً، لا بد أن تقود إلى مصارحة آدمية بيئية شاملة، وإلا فاتنا قطار الحياة ومات من أعذر ومن أنذر في آن واحد .
كاتب فلسطيني
[email protected]