لحظة تركيز نظري، وأنا أتمعن في صورة الضابط الإسرائيلي يحدّق مذهولاً في فتحة «نفق الحرية» الذي حفره المناضل زكريا الزبيدي، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وخمسة من مناضلي «الجهاد الإسلامي» ومكّنهم من التحرر من زنازين معتقل جلبوَع، الى فضاء الحرية، عادت بي الذاكرة الى مناسبة بعيدة، الى أيام انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، في شباط/فبراير 1983، إثر خروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت، بعد صمود أُسطوري، على مدى ثلاثة أشهر، في وجه جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي.
يومها كان أحد ضيوف دورة المجلس الوطني، الصحافي والكاتب الإسرائيلي المعتدل، أمنون كابليوك، الذي كان قد زارنا قبل ذلك في بيروت، اثناء الحصار، (بعد زيارة أوري أفنيري الشهيرة بأسبوع) وأجري مقابلة مع الأخ أبو عمار، (رفضت صحيفة «عل همشمار» التي كان يعمل فيها، نشر المقابلة، فاستقال منها وانضم لصحيفة «يديعوت أحرونوت»). وبعد ذلك كان كابليوك أول من كتب تحقيقاً صحافياً مفصّلاً عن «مجزرة صبرا وشاتيلا» ثم أصدر هذا التحقيق في كتيّب ترجم الى تسع لغات، منها اللغة العربية.
عرض عليّ أمنون كابليوك يومها، أن نُصدر، هو وأنا، كتاباً مشتركاً، كل واحد منّا يكتب نصف الكتاب، يشرح فيه رأيه في موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وافقت، من حيث المبدأ، وسألته: ماذا ستكون الجملة الأولى التي تبدأ فيها نصف الكتاب؟، قال: ستكون الجملة الأولى: «متى سينزل الفلسطينيون عن الشجرة العالية التي تسلقوها الى الأرض، أرض الواقع؟». وعندها سألني: وانت، ماذا ستكون جملتك الأولى في الكتاب؟. قلت له: ستكون «متى سيصعد الإسرائيليون من الحفرة العميقة التي ألقوا بأنفسهم فيها الى الأرض، أرض الواقع».
بعد لحظات صمت، وابتسامة، قال لي أمنون كابليوك: خيرٌ لنا أن أسحب اقتراحي، لأن صعود إسرائيل من قاع الحفرة، ونزول الفلسطينيين من قمة الشجرة، يعني التقاءهما على أرض الواقع، وهذا سيقود الى «إنهاء الصراع» في حين أن سياسة إسرائيل، منذ أيام دافيد بن غوريون الى الآن، (آن ذلك التاريخ) هي «إدارة الصراع» فقط، وليس «إنهاء الصراع» بأي شكل. فإنهاء الصراع، في نظر واضعي السياسة الإسرائيلية، سيقود الى تفكّك إسرائيل وزوالها». قلت له: «لكن تفكّك إسرائيل، في شكلها الحالي، وزوالها، لا يعني زوال يهود إسرئيل، وإنما يعني الوصول الى السلام، والى وضع جديد يقوم على أساس من التعايش والهدوء والاستقرار». وكان رده: «القيادات الإسرائيلية الحالية، والسابقة، ترى في إسرائيل، في شكلها الحالي، تحقيقاً للحلم الصهيوني، وهي بذلك الهدف الأسمى، الذي يتقدم على كل هدف آخر».
مع تعذر استمرار إسرائيل في اعتماد مبدأ «إدارة الصراع» في نهاية العقد الثامن من القرن الماضي، بفعل الإنتفاضة الأولى، المباركة، تم جرّ إسرائيل، (بقرار من الرئيس الأمريكي، جورج بوش الأب، ووزير خارجيته، جيمس بيكر) الى «مؤتمر مدريد» وبعد ذلك الى «اتفاقية أوسلو». لكنها نجحت في التحلّل من كل الإلتزامات المترتبة على تلك الإتفاقية خلال اقل من سنتين من اعتمادها، وعادت الى سياسة «إدارة الصراع».
نشهد هذه الأيام تطوراً جديداً في السياسة الإسرائيلية، هو تحايل و«تشاطر» تحت عنوان «تقليص الصراع» الذي يحتوي على بنود «السلام الاقتصادي»؛ و«التخفيف» من التّضييق على الفلسطينيين في مناطق السُّلطة؛ و«تقليل» عدد الحواجز في الضفة الفلسطينية؛ و«تسهيلات» على صعيد الحركة التجارية من استيراد وتصدير بين الضفة والقطاع، ومنهما الى دول الجوار؛ وما الى ذلك من خطوات ليست أكثر من فُتات تافه، لا يرقى الى الحد الأدنى من الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني.
نشهد هذه الأيام تطوراً جديداً في السياسة الإسرائيلية، هو تحايل و«تشاطر» تحت عنوان «تقليص الصراع» الذي يحتوي على بنود «السلام الاقتصادي»؛ و«التخفيف» من التّضييق على الفلسطينيين في مناطق السُّلطة
تعبير «تقليص الصراع» ليس جديداً في الصحافة الإسرائيلية. لكنه لم يكن مبادرة سياسية إسرائيلية معلنة إلا في الفترة الأخيرة، وتحديداً: منذ تشكيل حكومة إسرائيل الحالية، حيث ورد هذا التعبير في خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، في جلسة الكنيست، (البرلمان الإسرائيلي) للتصويت على نيل حكومته الثقة، يوم 13 حزيران/يونيو الماضي، وذلك عندما تحدث في خطابه عن أن «الصراع مع الفلسطينيين ليس صراع حدود، وهو بالتالي لن يختفي، ولكن الهدوء سيؤدي الى خطوات على الصعيد الاقتصادي، والى تقليل الاحتكاك، والى تقليص الصراع».
كان من الممكن ان لا يلفت استخدام بينيت لتعبير «تقليص الصراع» أي انتباه خاص، لولا كشف مصادر إعلام إسرائيلية، أن بينيت يتواصل بشكل دائم ومكثّف مع د. ميخا غودمان، مؤلف كتاب «مِلكود 67» (أي «مصيدة 67») والذي يعتبر «نبي» فكرة وتعبير «تقليص الصراع» الذي أورده في مقال له بعنوان «ثماني خطوات لتقليص الصراع» في مجلة «ليبيرال» الشهرية الإسرائيلية، في عدد شهر آذار/مارس 2019، وقال فيه: «فشل اليسار (في إسرائيل) في محاولته إنهاء الإحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بينما فشل اليمين (في إسرائيل) في تطبيق فكرة إسرائيل الكبرى، ولذلك فإنه يجب علينا، بدل الحديث عن إنهاء الصراع، أو استمرار الوضع الراهن، أن نبحث عن طرق لـ«تقليص الصراع».
في أعقاب هذا المقال تم تشكيل عدد من الإسرائيليين لمجموعة باسم «مبادرة تقليص الصراع» والتي يحاول أعضاؤها الدفع باتجاه إقرار خطوات محدّدة، مثل «تسهيلات العبور على جسر اللنبي، وتبسيط منح تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، وزيادة استقلالية الفلسطينيين في مجالات الطاقة، مثل استيراد النفط من الأردن، وإقامة حقول إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، والسماح بالتنقيب واستخراج الغاز مقابل ساحل غزّة» وما الى ذلك من تسهيلات مشابهة.
هذه الحقائق تشير الى أن حكومة بينيت، (أو على الأقل أعضاء الأحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة فيها، مثل الحزبين برئاسة افيغدور ليبرمان وجدعون ساعر، وربما حزب «كحول لفان» برئاسة بيني غانتس ايضاً) تعتبر «تقليص الصراع» مبادرة سياسية، وقد لا نخطئ إذا اعتقدنا أن بينيت قدّمها وعرضها على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وإدارته، في زيارته مؤخّرا الى واشنطن، بل وأن للأمر علاقة ما بالقمة الثلاثية في القاهرة في الأسبوع الماضي، التي جمعت الرئيسين عبد الفتاح السيسي ومحمود عباس والملك الأردني، عبدالله الثاني.
مجمل هذه التطورات تستدعي مبادرة فلسطينية صريحة، تتعامل مع الإسرائيليين بصراحة ووضوح، تحت عنوان: «حل الدولتين» الذي نسعى الى تحقيقه، هو في نظرنا، ليس «الحلّ» وإنما هو خطوة أولى من ثلاث خطوات توصلنا نحن والإسرائيليين الى «الحل» بأل التعريف، وبعد إنجاز خطوة «حل دولتين لشعبين» سنعمل على إنجاز الخطوة الثانية، وهي «إقامة كونفدرالية فلسطينية إسرائيلية» وفور إنجاز هذه الخطوة نبدأ السعي لإنجاز الخطوة الثالثة والأخيرة: خطوة إقامة الدولة الواحدة، من النهر الى البحر لجميع من هم مواطنون في إسرائيل ولجميع الفلسطينيين على أرض فلسطين وفي دول اللجوء والشتات.
بهذه المبادرة، نتعامل مع الإسرائيليين مباشرة، بصراحة وصدق ووضوح، من فوق رأس حكومتهم وقيادات أحزابهم اليمينية العنصرية. فالإسرائيليون ليسوا أغبياءً، ومحاولة استغبائهم، بأن نحاول إقناعهم أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على 22٪ من أرض فلسطين، هي «الحل النهائي» للقضية الفلسطينية، لم تنجح، وليس في الأُفق المنظور، (حتى ولا البعيد) ما يشير إلى إمكانية اقتناع الإسرائيليين بأن الشعب الفلسطيني، لا بأجياله السابقة، ولا بجيله الحالي، ولا بأجياله المقبلة، سيقبل بالتنازل عن أي من حقوقه الطبيعية المشروعة.
يعرف الإسرائيليون أنه من الطبيعي والمنطقي، والبديهي أيضاً، إنعدام وجود احتمال تبخّر أو ذَوَبان سبعة ملايين فلسطيني يقيمون على أرض فلسطين، ومثلهم في دول اللجوء والشتات. ويعرف الفلسطينيون أنه من الطبيعي والمنطقي، والبديهي أيضاً، إنعدام وجود احتمال تبخّر أو ذَوَبان سبعة ملايين يهودي يقيمون في إسرائيل. ولا بديل عن «حل حقيقي ينهي الصراع» وتنتهي معه خرافة أوهام تخوف اليهود من إلقائهم في البحر، وينتهي معه الظلم الذي لحق بالفلسطينيين: ظلم التمييز العنصري داخل «الخط الأخضر» وظلم الاحتلال والاستعمار والحصار في مناطق السلطة، وظلم القاء نصف أبناء الشعب الفلسطيني في «صحراء» اللجوء والمنافي.
كاتب فلسطيني
استمتع بشكل كبير في كل مره اقرأ ما يكتبه الصديق الكبير عماد شقور ،لكون مقالاته تلك تتطرق في الصميم وبجرأه ملفته للقضايا الملحه للمسأله الفلسطينيه ،ولكن حبذا لو كثف من نشر مقالاته بشكل اكبر .
ياسيدي : اسرائيل لن تنصاع إلا للمقاومة القوية.أما النظريات والتحليلات والتسميات إدارة الصراع وانهاء الصراع وتقليص الصراع ..
للاستهلاك.ولا تقنع أحدا.انظروا جميع الشعوب حررت نفسها بالبندقية لا بتقليص الصراع.والله لو بعد ألف سنة لن تاخذوا من
اسرائيل : اليمين أو اليسار شيئا بالحوار والمفاوضات والنظريات ، لن تـأخذوا حقكم إلا بالبندقية.كفانا تنظير.
الظاهر أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي سوف يستمر إلى أجل غير مسمى .. قد يمتد إلى عشرات السنين أو ربما إلى آلاف السنين دون تحقيق أي نتيجة ،لأن الإحتلال الإسرائيلي مثله مثل أي إحتلال سابق ،ليس في مقدوره إنهاء وجود الشعب الفلسطيني مهما بلغ مستوى بطشه و قوته ، إنها إرادة الإنسان في الحرية و الوجود ،و يوم بعد يوم يزداد ظلم إسرائيل ،مصادرة الأراضي و بناء المستوطنات و تهجير الفلسطينيين و تهديم منازلهم و قطع أشجارهم . هذه التصرفات في الحقيقة هي المصدر الوحيد الذي يهدد أمن إسرائيل ،،، و ليست الجيوش العربية كما يزعمون و لا الشعب الفلسطيني يمثل خطراً و لا إيران أيضاً كما تُرّوج إسرائيل ، و بدل محاولة إسرائيل البحث عن حل يُرضي جميع الأطراف قفزت فجأة من النافذة و راحت تركض وراء أحلام التطبيع و إحياء مشروع “علاء الدين” ،، هناك حل واحد أوحد ،هو الحوار مع الفلسطينيين و التطبيع مع الفلسطينيين ، التطبيع مع منظمة التحرير و حماس و كتائب القسام و كل الفصائل بدون إستثناء ، و ذلك بالبحث عن دول وسطاء ثقة للوصول إلى تفاهم مع هذه الفصائل ، و إيقاف الإستيطان و إعادة الأرض إليهم ، الأرض مقابل السلام حيث لا أرض و لا سلام نالها الشعب الفلسطيني اليوم .
الحقيقة ان المناضل الزبيدي لم يشارك في حفر النفق فضلا عن التخطيط للهرب، ذلك انه لم يعلم بأمر النفق إلا بعد الانتهاء من حفره، وهذا لا ينقص من قدر ه شيئا، لكن أن يتم تصديره وكأنه المخطط والمنفذ ففيه إساءة للأسرى الخمسة الذين خططوا وحفروا وأنجزوا. الموضوعية مطلوبة.