«كما أنه ليس كل أصابعك مثل بعضها» كما يقول المثل، فإنه من نافل القول أنه لا يمكن لك، اليوم، وضع كل المستعمرين عبر التاريخ، والذين مرّوا بتاريخ المنطقة، في سلة واحدة. فبعدما خبرنا، ورأيناً، في العقود القليلة الماضية، أنماطاً رثة، ومبتذلة ونطيحة ومتردية وما أكل السبع من «مستعمرين» جدد، فقد صار معنا كل الحق، أن نتكلم عن مستعمر حميد، وآخر خبيث، عن محتل محمود، وآخر ملعون، ونقول «شبوش» و«لولووووش» ويا مرحبا، ويا مرحبا وحيا الله، وسقى الله أيام المستعمر الغربي، إذا ما جرت المقارنة الظالمة، وغير العادلة بين مستعمر رديء متخلف قذر، كالمستعمر الإيراني الذي بات يحتل اليوم أربع عواصم، غمرها بالقمامة والزبالة والأنقاض، وبين مستعمر متنور متحضر راق متطور أنشأ الجسور وأشاد الطرق وبنى المستشفيات والمدارس والجامعات، كالمستعمر الغربي، الفرنسي، والإنكليزي، الذي لا تزال، مآثره، وعمرانه، شاهداً على حقبة زاهية مضيئة مزدهرة من تاريخ شعوب المنطقة، مقارنة، مع حقبة ظلامية، معتمة، قذرة تكابدها شعوب ومدن تلك المدن والبلاد التي تسلط عليها ملالي ومشعوذو قم وطهران، وبات الترحم على تلك الحقب الآفلة، واجباً أخلاقياً، ونوعاً من رد الجميل والعرفان، قبل أن يكون واجباً والتزاماً وطنياً حقيقياً، عند التعريج على حقبة المحتل والمستعمر الإيراني.
لم يحدث في تاريخ البشرية، أن شعباً بات يحن ويتوق إلى الاستعمار القديم كما يفعل الكثير من العرب هذه الأيام. يا الله ما أجمل الاستعمار الغربي مقارنة بالاستخراب الإيراني أو الروسي الحالي، المشهور بالبخل و«الكحتنة» والتقتير. هكذا بدأ كثيرون يصرخون في مواقع التواصل بعد أن ابتلاهم الله بمستخرب إيراني درجة عاشرة مقارنة، ومع الاعتذار سلفاً، مع الاستعمار البريطاني والفرنسي. حتى نوعية الاستعمار قد تدهورت بشكل رهيب في بلادنا. سقى الله أيام المستعمر المتحضر الذي بنى لنا جسوراً وطرقات ووضع لنا قوانين مازلنا نعمل بها حتى اليوم في العديد من الدول العربية. من أجمل وأفضل الطرق في سوريا حتى الآن مثلاً الطرق التي بناها المستعمر الفرنسي، فهي بمثابة قطع فنية صامدة حتى اليوم. ولا زلنا للآن في سوريا نتباهى بمنجزات المستعمر الروماني الذي ترك لنا تحفاً فنية من مسارح وآثار عظيمة منذ مئات السنين. ومن المحزن جداً أنك عندما تسأل سودانياً عن ذلك الجسر الجميل في الخرطوم، فيقول لك هذا بناه المستعمر البريطاني. لم تستطع الدولة السودانية المستقلة المزعومة باختصار أن تبني حتى اليوم شيئاً يحظى بانتباه الزائر للسودان سوى مخلفات الاستعمار البريطاني.
فاشلون حتى بالاستعمار «حديثو العهد بالصنعة» كما يقال، ولا يجيدون حتى طريقة استعمار الشعوب، وكما هم فاشلون في بلدانهم فقد نقلوا التخلف والرثاثة والابتذال والانهيار لبلدان الغير، عكس المستعمر الغربي الذي نقل المدارس والتنوير والتعليم الجامعي والطب والعمران الحديث. ماذا بنى الاستحمار الإيراني حتى الآن في سوريا والعراق واليمن ولبنان؟ لم يبن سوى دور للطم والتطبير لتغيير مذاهب وعقائد أهل المنطقة، وهو ما لم يفعله أي مستعمر غربي على الأطلاق على الأقل في المنطقة العربية. عمليات التشييع الإيرانية، وهي نمط من الاستحمار والاستعمار والتطهير الثقافي، تجتاح المنطقة في وقت تعاني شعوبها أسوأ أنواع الأزمات المعيشية الرهيبة، فتستغلها إيران لنشر خزعبلاتها الطائفية التي لا تصلح لشعوب ما قبل العصر الحجري.
رفع الإيراني شعار تحريرنا من الصهيونية والشيطان الأكبر، فحرر بلادنا من النظافة والحضارة وأعادها إلى مزابل التاريخ
وليت إيران اكتفت بالتشييع، بل راحت تنشر وتبيع وتروج المخدرات على نطاق واسع، وصارت بلداننا أكبر سوق لإنتاج وتصدير وتوزيع المخدرات بالعالم، عبر مافيات محلية مغطاة من نظام البهرزي، لدرجة استدعت مشروع قرار في الخارجية الأمريكية لتدارك ومكافحة الوضع، فقد أدخلت ميليشيات الملالي المخدرات في بعض المناطق السورية وخاصة في الجنوب إلى المدارس الابتدائية، وصار التلاميذ والطلاب من كل الأعمار مدمنين على المخدرات الإيرانية التي تباع بأسعار زهيدة للغاية في السويداء وغيرها لنشرها وتعميمها على نطاق واسع. وقد فعلت طهران وحزب الله الأفاعيل في درعا للسيطرة على المنطقة هناك كي يستخدماها كممر لتصدير المخدرات إلى الخليج العربي.
لم يبق قرية في السويداء لم تدخلها المخدرات الإيرانية، وتقوم ميليشيا حزب الله بالمهمة، خاصة وأنها حولت لبنان إلى أكبر مزرعة مخدرات في المنطقة. يا للعجب، حزب يسمي نفسه حزب الله، وهو مختص في زراعة وبيع وترويج المخدرات عربياً ودولياً. لم ير السوريون من إيران أي مساعدة معيشية خاصة وأنهم يمرون في كارثة معيشية، كل ما تقدمه لهم هي المخدرات الدينية والكابتاغونية.
وفي لبنان فقد نجح المستحمر الإيراني في تحويل بلاد الأرز التي كانوا يسمونها في الماضي سويسرا الشرق إلى مزبلة الشرق بعد أن صارت العاصمة اللبنانية مضرباً للمثل في انتشار أكوام الزبالة في كل مكان. وحدث ولا حرج عن بغداد العاصمة العراقية التي صارت حسب تصنيف الأمم المتحدة أوسخ عاصمة في العالم تحت النفوذ الإيراني، بينما لا يجد العراقي الكهرباء وحبة الدواء والماء النظيف ولا حتى الوقود وهو ثاني أكبر منتج للنفط في العالم. أين تذهب مليارات العراق المبتلى بالاستخراب الإيراني؟ وكذلك لبنان، فهو بات معروفاً مثل العراق كدولة فاشلة عملتها منهارة بلا كهرباء ولا حتى الخبز أحياناً.
والقاسم المشترك الوحيد بين العاصمة اليمنية صنعاء وبقية العواصم التي تسيطر عليها إيران هي المزابل العملاقة في شوارع وساحات اليمن. رفع الإيراني شعار تحريرنا من الصهيونية والشيطان الأكبر، فحرر بلادنا من النظافة والحضارة وأعادها إلى مزابل التاريخ.
يا الله ما أجمل المستعمر القديم. لم نقدر قيمته حتى ابتلانا الله بأسوأ وأحط وأقذر أنواع المستحمر والمستخرب، فحسب «الشرعية الدولية» كما يقول الدكتور غازي عبد الغفور، «من واجبات المُحتل توفير الضروريات والخدمات الرئيسة لمَن هو تحت احتلاله؛ خبز، تعليم، ماء، كهرباء، وقود، بنزين غاز مازوت، دواء، مواصلات الخ، إلا في سوريا، دول الاحتلال همها أولاً وأخيراً مصالحها، ومصالحها فقط، وفي مقدمة هؤلاء روسيا وإيران. لنُسلم ان تعدد الاحتلالات في سوريا من القدر، فيُفترض ان تلتزم دول الاحتلال بواجباتها تجاهنا، ولو بالحدود الدنيا، ويقيناً لن تجنح مخيلتنا بعيداَ لنطمح ان يتعامل معنا المحتل الإيراني كما تعامل ويتعامل الصهاينة مع الجولان السوري وأهله».
كاتب واعلامي سوري
[email protected]
كلام صواب في زمن الخراب
واقع الحال أبدعت يا دكتور فيصل