تسريبات من هنا ومن هناك، وتصريحات رسمية من قبل الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة حول قرب حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة، كان آخرها تصريحا لنائب رئيس الحكومة للعلاقات الخارجية الدكتور زياد ابو عمرو الذي قال ان حل الأزمة يحتاج إلى 7-10 أيام، ولم يكن تصريح أبو عمرو اليتيم، فسبقه تصريح لرأس الهرم الفلسطيني الرئيس محمود عباس الذي تحدث عن قرب انتهاء الازمة، ولم تكن الحكومة في غزة غائبة عن المشهد، فتحدث شخصياً رئيس الوزراء الدكتور اسماعيل هنية عن قرب انتهاء الازمة، وأن الحكومة تبذل جهوداً لإنهائها.
الشعب الفلسطيني استبشر خيراً، وشهدت مبيعات المولدات وشواحن الطاقة بغزة انخفاضاً ملحوظاً، ولم يدرك الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة أنه كان في سبات عميق وأن ما سبق كان أضغاث احلام، سرعان ما ذهب مع بزوغ فجر يوم جديد.
لا أحد يعلم ما حصل في كواليس زيارة رئيس الحكومة في رام الله د.رامي الحمد الله لقطر، وهل طرح الحمد الله هذا الملف؟ وما هو الرد القطري؟ ومن هي الجهات التي تقف خلف تسريب الأخبار، والتي كان منها أن سفينة تحمل 40 مليون لتر من السولار الصناعي في طريقها لميناء أسدود ثم غزة.
الوزير المتنفذ في حكومة رام الله الدكتور محمود الهباش كتب على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بأن مشكلة كهرباء غزة ليست على أجندة رامي الحمد الله خلال زيارته لقطر، وعلى حركة حماس تحمل المسؤولية، وربما أوصلنا الهباش لبيت القصيد، وهو من يتحمل المسؤولية…؟
ربما العقل الباطن لخصوم حماس وتحديداً من هم خارج القطاع يعتقدون أن استمرار ازمة الكهرباء في غزة سيؤثر على شعبية حركة حماس، وقد يدفع الجماهير للانفجار بوجهها، وطالما الشعب الفلسطيني بالقطاع صابر وصامد ويقبل استمرار حكم حماس فعليه أن يتحمل تبعات سلوكه، وهناك رأي أكثر انسانية يرى بأن العقاب الجماعي لأكثر من مليون ونصف المليون من سكان غزة، هو بمثابة جريمة بحق الانسانية.
وبكل صراحة وشفافية من يتحمل المسؤولية…؟
هناك آراء رسمية وشعبية وفصائلية تحمل حكومة حماس المسؤولية عن أزمة انقطاع التيار الكهربائي، وهذا منطقي إلى حد ما، ولكن الغريب فيه أن من يطرحه هم خصوم حركة حماس، وهم لا يعترفون بشرعية حكمها للقطاع ويعتبرونه انقلاباً على الشرعية، ويستندون الى مبررات موضوعية تقوم على أن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة هي من تتحكم في ادارة شؤون قطاع غزة، وتناسوا أن حكومة هنية أقالها الرئيس محمود عباس، وبذلك من المنظور السياسي فإن المسؤولية يجب أن تتحملها حكومة رام الله، فهي حكومة الرئيس محمود عباس، وهي الجهة التي تتدفق عليها أموال المانحين، وهذه الاموال تأتي للشعب الفلسطيني في جميع أراضي السلطة الفلسطينية، وهنا ينبغي تحمل المسؤولية السياسية بالاضافة للمسئولية الاخلاقية والقانونية، وتسقط تلك المسئولية عن السلطة في رام الله في حالة واحدة فقط، وهي الاعتراف بالحكومة القائمة بقطاع غزة، وحينها مطلوب من المجتمع الدولي أن تتدفق أمواله لحكومة غزة، وتكون مسؤولة عن كل شرائح المجتمع الفلسطيني بالضفة الغربية وغزة.
ولكن ما نتحدث به لا يعني أن الواقع والمنطق لا يلزم الحكومة بغزة في أن تتحمل مسؤولياتها لأنها هي الأخرى تنظر لنفسها بأنها الحكومة الشرعية المنتخبة، وأنها حامية المقاومة، ولذلك يجب أن تتحمل مسؤولياتها تجاه أزمة الكهرباء التي تعصف منذ سنوات على غزة، وان تعزز عوامل الصمود والثبات للشعب الفلسطيني الذي احتضن وما زال يحتضن المشروع المقاوم في فلسطين.
أيا كان المسؤول عن الأزمة، فإن من يكتوي منها هو الشعب الفلسطيني، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته، سواء كانت غزة أم رام الله، وهنا لا أبرئ ساحة الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني، والأونروا، وسفيرها ابن غزة محمد عساف، الذي قد يستطيع أن ينجز في هذا الملف ما لم ينجزه الساسة، وعلى جامعة الدول العربية والاسلامية العمل الجاد على حل تلك الأزمة، وأتمنى من قطر أن تتخذ قراراً جريئاً لايصال الوقود القطري للمحطة دون أي اعتبارات سياسية، فالشعب الفلسطيني لن ينسى الجمــــيل، وما يهمه هو فقط انهاء الأزمة، أتمنى أن تتكاتف الأيادي والجـــهود من كل الأطراف لانهائها وأن تكون مقدمة للمصالحة الوطنية وتوحيد المؤسسات الفلسطينية لأن ما يجري هو انعكاس طبيعي للانقسام البغيض.
حسام الدجني