من اليأس ما قتل

حجم الخط
14

إستعرت هذا العنوان، من تقارير جريدة ‘الوطن’، تلك التقاريرالمعبرة عن المعنى الذي أريد الحديث فيه اليوم. من اليأس ما قتل، ومن الحب ما قتل، ومن الثقة ما قتل، ومن السمع والطاعة ما قتل، ومن الجهل ما قتل، ومن التخلف ما قتل، ومن التعصب ما قتل. هذا العنوان أو الشعار الذي استخدمته الاعلامية سهاد الخضري، لتعبر عن من يقتلون أو يعرضون أنفسهم للقتل نتيجة اليأس من الحياة أو الاصلاح أو التغيير في الوطن مصر، فيفكرون في الهجرة القاتلة في مراكب بدائية قاتلة أو سفن، وما هي سفن، يهربون بها عبر مياه عميقة قاتلة كذلك، بعد أن يكونوا وفروا أو استدانوا مبالغ ضخمة، بعضها يصل الى أربعين الف جنيه مصري.
هذا المبلغ لو استطاع المقترض أن يحسن استثماره في مصر، يمكن أن يدر ربحا أو دخلاً، تقتات به أسرة في ظروف معيشية صعبة، كما هو الواقع في مصر، بدلا من أن تفقد تلك الأسرة عائلها الذي يبحث عن لقمة عيش هنية خارج مصر، إما في ليبيا التي افتقدت الأمن بعد ثورة شعبها، والقضاء على مشروع القذافية الاستبدادي بمساعدة الناتو وأمريكا، وإما في السفر الى الخارج الى أوروبا أو غيرها هرباً من الظروف المعيشية الصعبة في مصر، لظروف قد تكون أسوأ، أو قد تكون أحسن وأفضل، حسب التيسير والظروف والواقع.
السعي لأفضلية الحياة والمعيشة واجب، ولكن تعريض الحياة للخطر بسبب اليأس جريمة، تتنافى مع العقل والحكمة والضرورات الخمس، وهي الحفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وقد يتنافى مع قوله تعالى: ‘ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة’.
صحيح ان الحياة في الغرب الديمقراطي، تتميز بالحريات واحترام القانون، وهذان العنصران مهمان جدا للعمل والمعيشة في الغرب، والخروج من اليأس، لمن جاء من خارج تلك البيئة، أو من بيئة لا تتمتع بالحريات واحترام القانون، ولكن هذه البيئة لم تمنع من أن يقود اليأس بعض الأوروبيين والأمريكان وبعض مواطني الدول الاسكندنافية، من أن يكونوا من أكثر البيئات يأسا وانتحارا وقتلا للنفس، استمتاعا بالقتل للنفس أو للاخرين، رغم أن كل أسباب المعيشة الهنية التي يطمح إليها أهل الشرق موجودة.
هذا المعنى يقودنا الى مناقشة بعض أسباب اليأس القاتل الأخرى في الحياة السياسية، ذلك الذي يؤدي بدوره، إما الى الاستبداد والديكتاتورية، يأسا من القدرة على استخدام مبادئ أو قيم الحكم الرشيد، فيلجأ بعض الحكام الى الاعلانات الدستورية الاستبدادية، مثل الاعلان الدستوري الذي أقدم عليه وأعلنه، الرئيس المعزول مرسي في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، أو أن يؤدي الى الشعور بالتميز عن الاخرين وامتلاك الحقيقة أو السعى لتحقيق الاحلام والأوهام، بأي شكل وبأي طريقة، واستحلال العنف ولو لمرة واحدة وما يصاحبه من دمار لممتلكات الشعب العام، أو الممتلكات الخاصة، كما يحدث في إطار المظاهرات الطلابية الاسلامية، أو في إطار ‘التحالف من أجل الشرعية’، تلك التي تخرج عن إطار السلمية والقانون.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ‘إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق’. وما خالف هذا المبدأ العظيم في المظاهرات الطلابية أو غيرها في مصر، هو من العبث الذي لا علاقة له بالمنطق أو العقل أو السلوك الحسن أو الخلق، الذي جاء في الحديث الشريف.
قد تُخترق هذه المظاهرات، وهو ما يلجأ إليه أهل الوسطية للهروب من المسؤولية، وهذا الاختراق لا يعفي المنظمين أو المخططين لها من الاشتراك في تحمل مسؤولية العنف، الذي يأتي ولو بالاختراق، ولا ينبغي أن يعفيهم من تحمل تلك المسؤولية الناجمة عن الأضرار الناتجة عن العنف المصاحب لتلك المظاهرات، ومن ذلك الأضرار المادية، ومن هذا العنف حرق الابواب أو المباني في أي منشأة تعليمية، ومن ذلك حبس رئيس الجامعة ومن معه في مكاتبهم وتقييد حرياتهم، أو عمل أي عدوان على المباني، ونزع الطوب والبلاط والرخام من الارصفة وتكسيره لاستخدامه في المظاهرات ضد الشرطة والجيش أو المعارضين، أو استخدام الخرطوش أو كل ما يؤذي أو يضر المجتمع، ولو كان قولا أو شعارا مما يتنافى مع الخلق والاعراف الكريمة.
أعود الى السيناريو الثالث المزعج، الذي ندعو الله تعالى ألا يقع في مصر أو تتعرض له، وهو سيناريو الفوضى الذي حذرت منه منذ اذار/مارس 2013. سيناريو الفوضى قاتل، لأنه يثير الفتنة، ويؤجج الكراهية في المجتمع، ويعرض حياة الوطن والمواطنين للخطر، بلا سبب مقبول أو جريمة تحتاج الى عقاب، ويدمر قدرات وإمكانات الدولة أو جزءاً منها، ويعرض المنشآت حتى الحيوية منها للخطر، ويفتح الباب أمام التدخل الاجنبي بطريق غير مباشر أو بالوكالة أو مباشرة. هذا هو ما رأيناه في الصومال بمجرد توفير الاسلحة للطرفين المتصارعين، ومنها الاسلحة الفتاكة أو البرامج الاعلامية التي تؤجج حالة الصراع، وهو أيضا ما رأيناه في أفغانستان منذ أن بدأ الجهاد في أواخر السبعينيات حتى اليوم، وفي كل من الدولتين هناك من يموت جوعاً أو لعدم وجود المياه الصالحة للشرب، وهو كذلك ما رأيناه في العراق على مدى سنوات عديدة دمرت فيها معظم قدرات العراق، وكله طبعا لصالح إسرائيل والثروات المعدنية لصالح الأمريكان. وما نراه اليوم في سورية من دمار ومساومات لا يستفيد منها أيضا إلا إسرائيل، ومن ذلك تدمير الأسلحة الكيميائية أو غيرها في المستقبل. وهكذا تطورت قضية فلسطين وانتشرت حالتها مع اختلاف واحد وهو الاحتلال الصهيوني الاسرائيلي لارض فلسطين ومدنها وقراها، والمستفيد في كل الحالات الاخرى هو الكيان الصهيوني ومشروعه الخبيث.
هناك من يريد، بل ويسعى الى إحداث هذا المسلسل أو السيناريو، بعلم أو عن جهل، ونحن نعرف جميعا الحكمة التي تقول ‘من عمل أو قال في غير علم كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح’.
هناك في مصر اليوم من يشجع أو يتعاطف مع التحالف الذي يسمى ‘من أجل الشرعية’، والفرق الفكري والفقهي بين الشركاء فيه كبير، يصل الى حد التكفير وحدّ ‘قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار’، وسيتحمل الاخوان وحدهم وأساسا، نتائج الانحراف عن حدود الوسطية والسلمية، لأنهم دعوا أو شاركوا أو سكتوا أو قبلوا هذا النهج.
الدفع اليوم من أعضاء ذلك التحالف المسمى من أجل الشرعية نحو المظاهرات والتظاهر أو الاعتصام، يسير نحو ذلك السيناريو الثالث المزعج، سيناريو الفوضى، خصوصا الاستعدادات والمظاهرات، التي تعمق الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، ومنها الاستعدادات ليوم محاكمة الرئيس المعزول في 4/11/2013. وقد شاهدنا من قبل شيئا من العنف الضار الذي أخشاه، شاهدناه في أولى أيام جلسات الرئيس المخلوع أو المتنحي، ثم خفتت أو انتهت تلك الموجة، لأنشغال جزء كبير من الشعب ومؤسسات الدولة بمحاكمات قيادات الاخوان، ومحاكمة الرئيس المعزول حاليا. قد يكون بعض الشر أهون من بعض، وأسوأ الشر هو الذي يؤدي الى الفوضى ويؤدي بدوره الى تدمير قدرات الدولة أو الوطن، أو يؤدي الى احتلالها المباشر أو غير المباشر.
يميل بعضهم الى منع المحكمة من أن تنعقد، أو المحاكمة من أن تتم أصلا، وإن حدث هذا فسيجلب مزيدا من الضرر والضرار، وإن تأجلت مشاهدة ذلك، ومن حق المعارضين لمحاكمة مرسي أن يرفعوا ما شاءوا من الشعارات السلمية، وليس لهم الحق في تعطيل المحاكمة أو السعي لإلغائها، كما فعلوا من قبل بمحاصرة المحكمة الدستورية العليا ومحاصرة مدينة الانتاج الاعلامي في عهد مرسي، الذي لم يقل كلمة واحدة ضد ذلك المسعى، ولم يعاقب المسيئين في ذلك الأمر، رغم أنهم عبَّروا في شعاراتهم المسيئة عن نية القتل، حيث هتفوا وقالوا: يا مرسي إدينا إشارة، نجيبهم لك في شيكارة’. وهذه الشعارات والمواقف جلبت كثيرا من الضرر على الحكم والحكومة والاخوان، لأنهم لم يقرأوا الواقع ولم يفهموه، فقامت معارضات للنظام والرئيس المعزول والإخوان هتفت كثيراً: ‘يسقط يسقط حكم المرشد’، ثم كانت تلك الشعارات والمواقف مما عجّل بظهور معارضة شعبية للاخوان.
ولقد كان أحدثها وآخرها حركة ‘تمرد’، التي سعت لعزل مرسي وأدركته بثورة 30 يونيو وبمعاونة من القوات المسلحة، كما كان في ثورة 25 يناير. لا أقول هي القشة التي قصمت ظهر البعير، ولكنها الثورة التي أطاحت بالمعزول وبالاخوان.

‘ كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الامارات:

    والله يا شيخ كلامك من ذهب وصحيح وبارك الله في صحتك وفي قلمك الشريف .
    أنا أعرف أن ّ بعض المتعصبين لجماعة ( الإخوان ) لن يعجبهم كلامك :
    الرزين الحكيم وسوف يهاجموك وينتقدوك …وكله يا شيخ :
    في ميزان حسناتك إن شاء الله .
    ( الفوضى والعنف ) …أيا كان مرتكبيها …تسبب دمارا للبلد :
    وتأخيرا لنهضته وتعطيلا لإقتصاده …؟؟؟
    يجب وضع مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية والحزبية البغيضة .
    شكرا .

  2. يقول موسى غضيان العطاونه:

    الأستاذ الكريم أجاد الوصف وذكرنا بالوقائع وحذرنا من الوقوع فيما لاتحمد عقباه ويعود بالكوارث على مصر ومحيطها العربي الكبير وهذا أمر حسن وجيد ومقبول . ثم عدد سلبيات حكم الرئيس المعزول ولم يتحدث عن إيجابية واحدة له وهذا شأنه ولكن السؤال : ألا توجد ولوسيئة واحدة لحكم العسكر الآن ؟ وهل عند الأستاذ الكريم الجُرأة في أن يعددها ؟ وإذا لم تكن لحكم العسكرسلبيات فهل نفهم بأنه حكم ملائكي خالي من العيوب والنقص ؟
    الأمانة العلمية في السرد تستوجب ذلك , أم أن جانب العسكرإما مؤيدا وإما
    قص اللسان !

  3. يقول د. عامر شطا أستاذ طب الأطفال:

    ومن النفاق ما قتل, ومن الرياء ما قتل, ومن الغلّ والحقد والتمادى فى الخصومة ما قتل. . “فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض”. فى الوقت الذى تحدثنا فيه بلا ملل أو كلل عن الرئيس مرسى ونواقصه وبأسلوب لا يخلو من الشماتة والتشفى كانت قوات الانقلاب تقبض على بنات صغار ونساء متظاهرات وتسجنهن باهانة وانتقام وخسة لم تعرفها مصر من ذى قبل حتى فى عهد مبارك والعادلى فهل هذه النزعة الانتقامية محصّنة فى دستوركم الجديد؟ الا تعتريكم حٌمرة الخجل فى اللجنة المسماة بلجنة الخمسين؟ ابشر فدولة الظلم ساعة ولن تدوم: “سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ , بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ , إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ , يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ , إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ”.سيذهب فرعون وبصحبته هامان واثق ان دم الشهيدات الطاهرات فى رابعة والمنصورة وبنى سويف وغيرهن لن يذهب سدًى. والله لم اكن يوما من جماعة الاخوان او غيرها ولكن الله ارانى الحق من الباطل, والله غالب على أمره

  4. يقول عبد الكريم البيضاوي.:

    نسيت كذلك ياأستاذ أن العنوان مستعاركذلك من أغنية محمد عبد الوهاب ” جفنه علم الغزل … “ومن الحب ماقتل …”

  5. يقول الطيب:

    قل واكتب ما تريد، فهذا حقك، ولكن قبل ذلك احترام الذات هو أغلى من كل متع الحياة، لا تستهين بالآخرين اعتمادا على ما تملكه من قوة، فأنت بالأمس غير اليوم، وعدا الله يعلم ما تكون، طبعا هذا لمن يؤمن بوجود الله.

  6. يقول يحي:

    ما شاء الله ذاكرتك قويه يادكتور هلباوي تذكرت الاعلان الدستوري للرئيس في نوفيمبر 2012 لكنك نسيت مجازر الحرس ورابعه والنهضه وابو زعبل ونسيت الاف المعتقلين من الشباب والشياب والنساء والاطفال.
    هداك الله واعادك الى جادة الصواب قبل ان ياتي يوم تندم فيه ولا ينفع الندم
    وانت تعلم ان خير الاعمال خواتيمها.ق

  7. يقول ام عبدالرحمن:

    نختلف مع الدكتور كمال الهلباوي تماماً .. .. لم نسمع بدولة في العالم نهضت بالقمع وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات .. حقوق الانسان وحفظ كرامته وحمايته من القتل والتعذيب والسجن .. ما يحدث في مصر الان يتناقض مع الحرية والكرامة .. الا يتفق معي د الهلباوي ان ما يجري في مصر يجب ان يتبرأ منه كل إنسان شريف له ذرة من الانسانية والآدمية في ظل هذه الحالة الانقلابية القمعية

  8. يقول احمد محمود:

    تعودنا علي هجوم د الهلباوي علي اخوته بالأمس والذي كان يدافع عنهم وينطق باسمهم .. مهما كانت خصومة الدكتور الكريم بأخوته فيجب ان لا تصل درجة الخصومة للفجور ورؤية كل ما يفعلونه اسود .. الاخوان كفكرة لها وما عليها .. الممارسة يحاسب عليها البشر اما الفكرة تبقي .. الظلامية التي يتعامل بها الدكتور ترتد عليه قبل اي شئ .. لم نسمع منه كلمة واحدة ينتقد فيها الانقلابين وممارساتهم القمعية .. المواجهة التي حدثت في ٣٠ يونيو وصفتها صحيفة اللموند الفرنسية في ذاك اليوم بيوم الحسم والمواجهة بين مصر الاسلامية ومصر العلمانية .. انتصرت العلمانية بدعم الجنرالات .. هذه هي الحقيقة التي يجب ان يعترف بها الجميع .. فهل خصومة دكتور الهلباوي مع اخوته تجعله يقف مع مصر العلمانية؟؟ سؤال برئ ارجو من الدكتور الإجابة

  9. يقول مريم:

    ان اختلاف وجهات النظر بين الناس امر طبيعي لان الله خلق كل واحد منا بقدرات معينة ، ومن الانصاف احترام اراء الاخرين ومراجعتها لعلها تكون صائبة ، والعرب بصفة عامة في عصرنا هذا خاصة ؛ كل واحد يتعصب لرأيه ويتنكر لاراء الاخرين وهذا ماسبب الفوضى والقتل وسفك الدماء والتي نحن في غنى عنها ، وياحبذا لو اننا نستمع لكل الاراء ونراجعها و نستفيد من كل ما نراه في صالح امتنا .
    مريم

  10. يقول fg:

    جهابذه أم سحرة فرعون؟
    هذا سؤال يفرض نفسه بخصوص أشخاص كثر من مصر الشقيقه و لكن بعض الناس أصبحت لدى الشعوب قناعة بأن هؤلاء الأشخاص ليسول سوى كهنة والأيام كانت خير برهان و ققد سقطة ورقة التوت عن كثيرين و يبقى السؤال يدور فى أذهن الكثيرين وهل هذا أو ذاك يبحث عبر كلامه فى المنطق والدين تبرير موقفه أمام نفسه أم تسويقها للناس؟؟

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية