نصحوني وأنا أنوي أن أجوب البلاد طولا وعرضا بخريطة طريق.. هناك كلمات تكرهها، رغم أنّها مظلومة ومحايدة وطيبة ومسكينة، تكرهها لا لذاتها فليس للكلمات ذواتٌ وليس للكلمات من صفات فحتى ما نقوله عنها من أنّها جميلة أو قبيحة شيء من أنفسنا لا من أنفس الكلم.
أنا لا أكره من الكلمات إلاّ ما يُحمَّل في محيطي ما لا يحتمل كرهت كلمة «خريطة» من حصة الجغرافيا، ثمّ كرهتها من حصص الحياة الكاذبة. الخريطة في حصّة الجغرافيا ورقة بلاستيكية عريضة منبسطة ذات بعد ثنائيّ، تمثّل عليها بلادي أو بعض البلاد الكبرى، بل العالم بأسره. حين كنت تلميذا، وحين كان الأستاذ يجلب لنا خرائط بعينها لكلّ الدروس، كنت أرى بعيني ما يكسرني: أرى عالما متَّسِع الأطراف على خريطة حدودها ثلث السبّورة، لم أكن أفهم في سنواتي الأولى من رؤية الخرائط ما معنى «تمثيل»، وما معنى أنّنا يمكن أن نرسم الأبعاد الكبيرة على الخرائط الصغيرة.. كان العالم في ذهني عظيمًا جدّا، صحيح أنّه في حكم الغيب، ولكنّه ككلّ غيب عظيمٌ ومُتَرامي الأطراف.
كنت أرى في الخريطة ما يوحي بأنّي فقير.. أنا ما اكتشفت فقري إلاّ من خلال الخرائط التي يعرضها علينا أستاذ، يكثر من الإشارة بيده إلى الآفاق الممتدّة، كأنّه يعرفها بالتفصيل، ونضيع نحن وراء إشارته، فلا نمسك في أذهاننا بلدًا حتى تهرب بنا كلماته إلى بلد جديد يقع تحت مساحة سَبّابته أو إبهامه ثمّ فجأة يضيع.. اكتشفت كم أنا فقير حين حدّثتنا خرائط الفلاحة عن ملايين هكتارات القمح في أمريكا، وعن عشرات المصانع في فرنسا وألمانيا وبلاد كثيرة أخرى وعن صناعات لأشياء كنّا نراها عجيبة كالطائرات، تلك التي كانت علاقتنا بها كرنفاليّة: ننتظر أن تفاجئنا بأن تمرّ فوق سطوحنا فنصطف لتحيّتها.. مصانع الطائرات هنا وهناك على الخريطة.. وأنا لا أملك من الطائرة غير مشهدها الهلامي وهي تمرّ دخانا في السماء. مسكين أستاذ الجغرافيا لقد كان حظّه ممّا يرينا لا يتجاوز إلاّ قليلا حَظّنا.
كان خالي أستاذ جغرافيا رحمة الله عليه، وحين عرفت الجغرافيا بالخرائط بتّ مرتبكا: هل أحبّ الجغرافيا التي تشعرني بالفقر؟ أم أكره خالي الذي يريني بيده القصيرة ما لا يشبع عيني البصيرة؟ كان يقول لنا في الدّرس: «الدّليلُ على أنّ الأرض كُرَوِيَّةٌ (لا منبسطة ودعونا يا أصحاب الهوامش من مسألة صدق استدارتها من عدمه الآن) أنّ البحر يلتحم بالأفق» أقول بيني وبين نفسي: يا خَالُ يا أخا فَريدًا لأمّي، متى عرفتُ البحر ومتى عرفَتْهُ أمّي حتّى نَلَحَمَ به السَّمَاءَ؟ عرفتُ البحر بعدما اقتنعت بأنّ الكرة كرويّة على خريطة مسطحة، اقتنعت لأنّي أحبّ خالي المرحوم ولي ثقة فيه: إنّه يعرف ما لا أعرف؛ هو اقتناع قَبَليٌّ يشبه كثيرا من القَناعات التي كانت لي وأزلتها بإزالة القبليّة التي لم تنفعني لا في حلّي ولا في ترحالي.
ليست الخرائط المسطّحة أولَّ معرفتي بالخرائط.. أذكر أنّي قرأت هذه الكلمة حين كنت أقرأ في مكتبة القرية العموميّة قصص «الأخوين غريم» Grimm العالميّة بحروف عربيّة أجمل من الحروف التي أخُطُّها على كرّاسِي الشّعبيّ، أو يخطها معلّمي بالطباشير، قرأت عن «خريطة الكنز».
ليست الخرائط المسطّحة أولَّ معرفتي بالخرائط.. أذكر أنّي قرأت هذه الكلمة حين كنت أقرأ في مكتبة القرية العموميّة قصص «الأخوين غريم» Grimm العالميّة بحروف عربيّة أجمل من الحروف التي أخُطُّها على كرّاسِي الشّعبيّ، أو يخطها معلّمي بالطباشير، قرأت عن «خريطة الكنز». أنا اكتشفت كلمة «كنز» يومها أيضا. الكنز كلمة غريبة جدّا وبعيدة جدّا عن معجم الفُقراء، الذي ليس فيه إلاّ الـ»فِلْسُ» لا يُثَنّى ولا يُجْمَعُ .. كلمة كنز ربما استعملت في أسر قليلة غير أسرتنا ممّن كان يحلم بأن يجد كنزا؛ لكن لا أمي ولا أبي ولا جدّي ولا جدّتي استعملوا هذه العبارة، إلى أنْ قرأتها في «المكتبة الخضراء».. كم كان الأخوان غريم رائعين حين جمّعا قصصا تُحلّم العالم، تجعلك تجوب العالم بلا خريطة، تحلم وأنت ههنا في الصقيع، بصقيع أجمل، وثلج أجمل، وأميرة نائمة تنتظر من يُوقظها. كانت الأميرة النائمة أميرةً لا نشعر إزاءها بحقد طبقيّ لأنّها كانت جميلة بلا وطن معلوم، بيضاء أبيض من الثلج، حتى في الرسوم لا تفعل شيئا إلاّ أنّها تنامُ وتنتظرُ.. في حكاية الأخوين غريم نوم بلا موت، في حكاية جدّتي موت بلا نوم، خوف أبديّ من أن تنام فلا تستيقظ. لم تكن حياتنا مفيدة للعالم في ذلك الوقت، ولكن كانت يقظتنا كلّ العالم.. لا نطلب من الله إلاّ أن نعيش ويعيش أهلنا بخير، لم نكن نسأل كثيرا في هذه الرقعة الجغرافيّة لمَ نعيش، لم نكن نفعل ولمّا نفْعلْ، ولمَ ترانا نفعل؟ «خريطة الكنز» في الحكايات وُرَيْقَة فيها مؤشرات ومسارات بسيطة… نقفز على صفحات القصّة، لأننا لا نحب التشويق ونكتشف الكنز قبل أن يجده الأبطال. من يومها تعلمنا أن نقفز على خطّية الزمان بالأحلام، أمارس إلى اليوم هذا القفز العالي على الخرائط، ولا كنز لي إلاّ أن أقفز في الخيال على الخرائط.. الكنزُ الذي تعلَّمته من الرسوم يُوضع في صندوق من خشب الأبنونس الفاخر.. الصور تجعله مفتوحا والقلائد والأقراط والسلاسل تخرج منه والجواهر تضيء المكان، وفي ناحية من ذلك المكان وجه البطل الباحث والواجد مأخوذ بما وَجَد متعجّبٌ.. في القصص المصوّرة لا تعرف قيمة الكنز، إلاّ من آثار اكتشافه على وجه البطل.
من الدّهشة التي على الوجوه تعلّمت أنّ الكنز مدهش. تُنْسى الخريطة حين يوجد الكنز، وأنسى أنّ الخريطة مفتاح الكنز حتى أدرس في حصة الجغرافيا الخالية من الكنوز، أنّ لكلّ خريطة مفتاحا، غيرأنّ أستاذ الجغرافيا لا يحدّثنا عن مفتاح للصندوق، الحقيقة أنّه لم يحدثنا عنه أحد من يومها، نحن نحتاج مفتاحا لخريطة الزراعات والصناعات والتجارة في بلدٍ غنيّ.. شيء ما يجعل الخرائط مرتبطة بالفقر والغنى.. خرائط الجغرافيّين مُشَفَّرة أيضا، لكنّ تشفيرها مفتوحٌ للعموم.. لست أدري كيف انتقلنا من خرائط سرّيّة هي خرائط المعادن الثمينة والأملاح إلى خرائط مساراتها ومفاتيحها وثرواتها مكشوفة: الثروات حين تُفتح للعموم ينبغي أن يكون عليها حراسٌ شدادٌ غلاظٌ وبعدها لا يهمّ السرّ وما يخفى.
خريطة جديدة برزت على ساحة التداول اللغوي هي «خريطة الطريق». صنع العالم شبكات عملاقة من الطُّرقات، ربما أحاطت بالقارة الواحدة، وربما عبرت القارات ووضعت كلّ دولة خريطة طرقها، وصار من الممكن أن تتابع الرحلات بمتابعة الخطوط، وتعرف ما هي السبل الأقصر، أو الأجمل والتضاريس التي تعترضك أنت، في هذه الرحلة بطلٌ خارق يبحث عن كنز، ويمرّ بالأهوال لكن تسحب منك أيّ مفاجأة، وتسحب منك نتيجة لذلك صفتك الغَرَائبيّة، التي كانت في الخرافات. أنت ستمرّ بجبال لا وحش فيها، وبغابات ضبابها يمكن أن تبطله كاسحات الضباب ستعترضك أودية وكهوف يمكن أن تتوقف عندها، ولن تجد فيها عفاريتَ الحكايات العجيبة، لا لأنّ العفاريت قد زالتْ، بل لأنّها صارت آدمِيَّةً يمكن أن تقطع طريقك وتسلبك مالك، هذه العفاريت ليست أبطالا، ولكن أنت صرت باسم القانون جبانا، وصار هؤلاء شجعانا بخرقه.. تفكّر أنّه باسم القانون وحتى تمرّ ويكون مسلكك آمنا عليك أن «تنتخب» من في برنامجه وفي «خريطة طريقه الانتخابي» نقطة مهمّة هي، القضاء على الإجرام وقاطعي الطَّريق. اُنْظُرْ إلى العجيب في اللغة: خريطة للطريق تَقْطَعُ الطريقَ على قاطعي الطريق، لتجعل خريطة الطريق آمنة! لكن يظل سؤال محيّرا: أيْن الكنز؟ أهو في جيب قاطع الطريق؟ أم صاحب خريطة الطريق؟ أم في موضع ما من الطريق؟ المؤكّد أنّه ليس في جيب سَالك الطريق إلى اللُّغة.
٭ أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية
عنوان غريب (من خريطة الكنز إلى خريطة الطّريق) وما ورد أسفل منه أغرب عندما يصدر من شخص وضع تحت اسمه لقب (أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية) والأهم هو لماذا؟!
يا د توفيق قريرة، هل سمعت بقول (رُبّ ضارة نافعة)؟!
وصول دلوعة أمه (دونالد ترامب) رغم اعتراف صريح في المناظرات مع هيلاري كلينتون أنه لم يدفع ضرائب لمدة 18 عام، وبدل أن يذهب للسجن، يتم تسليمه كرسي وظيفة الرئيس في نهاية عام 2016،
تعني هناك مشكلة حقيقية في النظام، ويجب نقد النظام، لإيجاد موضع الخلل، حتى يكون هناك إمكانية لإصلاح النظام.
الآن هو أصدر قانون في الشهر الأخير من عام 2019، منع تمويل الجامعات، ومشاريع البحث العلمي بشكل قانوني، لأي جامعة تنتقد الكيان الصهيوني في أمريكا،
هذا يعني الآن فرصة ذهبية لنا، لو أردنا الفوز على أمريكا، في البحث العلمي
The Future in APP, is about
A.I. Communication Coach
A.I. Negotiation Coach
A.I. Management Coach
A.I. Governance Coach
A.I. e-Economy Coach
You can search what’s available on Play store, and how to add your own thumping to the future of this technology?!
Culture of (I) don’t notice or recognize, the existence of Culture of (Other), within the Culture of (We), as Human Family, even in Hell,