من سيصدق النخب العربية بعد اليوم؟

حجم الخط
1

من سيكلف نفسه مجرد الاستماع إليهم ناهيك عن الإنصات؟ من يستطيع أن يثق في هذه النخب وفي كلامها الكثير وهرطقاتها التي لا تمل من تردادها؟ من يستطيع، بعد اليوم، أن يتابع مثقفا عربيا يتحدث عن الديمقراطية وعن آلياتها، ويبشر بفردوسها المفقود الذي سيبحثون عنه ويجدونه ثم يقدموه للجميع على مائدة من ذهب بمجرد أن نتابعهم ونسير على هداهم شبراً شبراً وجحراً جحراً، كما تريد الديمقراطية ومشجبها العريض الطويل؟! من سيصدق من رقصوا فرحا وطربا بعد تدخل العسكر والجيش بدباباته وبفرقه الخاصة؟
من سيصدق هذه النخب التي سخرت أقلامها وحناجرها وألسنتها دفاعاً عن كل شيء إلا الديمقراطية؛ وبدعوى تحقيق الديمقراطية وإرادة ‘الشعب’ والجماهير وباقي المساحيق الكلامية والخواتيم الطللية والغزلية والعسكرية وما سواها؟!
لقد سبق لحرب الخليج الثانية، أو عاصفة الصحراء، كما أطلقت عليها السيدة المبجلة أمريكا، أو بالأحرى غزو العراق وتدميره تحت ذريعة امتلاكه للأسلحة الكيماوية والنووية والبيولوجية وكل أسلحة الدمار الشامل، وهو ما زكاه مدير ‘الوكالة الدولية للطاقة النووية’: محمد البرادعي آنذاك.. هذا الديمقراطي الليبرالي قدم ‘وثائق’ وتقارير من مئات الصفحات لأسياده وللعالم أجمعه في إطار خدعة محبوكة ومهندَسَة هندسة متقنة حتى تصدق شعوب العالم تلك الخدعة؛ وتساهم دولها بجزء ممن يفترض أن يحموها ويحموا بلادهم بفيالق من الجنود تحت إمرة أمريكا وقادتها السياسيين والعسكريين.
وتمر سنوات ليعترف البعض ممن آلـمتهم أنفسهم واستيقظت ضمائرهم وتابعوا ما فُعِل بالشعب العراقي الذي تحول ــ هو وأرضه ــ إلى ساحة تجربة لأسلحة جديدة: كيماوية وبيولوجبة ناهيك عن الصواريخ والقذائف التي لم تكن قد جُرِّبت من قبل لتجار السلاح الكبار في العالم.. أولئك الذين يتاجرون بدماء الشعوب حتى يشبعوا نهمهم وغطرستهم وتكبر وتتضخم ثرواتهم.
في ظل هذه الحرب انبرت الأقلام دفاعا عن الأنظمة المستبدة، وعن نظام مبارك السابق، رغم ما تعرض له الكثيرون، من النخبة الصادقة، من سجن وتعذيب وتنكيل وتشويه وما إلى ذلك.. ولكن الكثيرين أيضا سخَّروا أقلامهم وحناجرهم وكل ما أوتوا من أبواق وقوة للدفاع عن أسيادهم وتبرير تدمير إحدى أعرق حضارة في التاريخ البشري مع نهب كنوزها وسرقة مآثرها، دون الحديث عن قهر شعبها بدعاوى كثيرة وفضفاضة أبرزها إزاحة الديكتاتور ونشر الديمقراطية والسماح لـ’الديمقراطيين’ بحكم البلاد حتى يعيدوا توزيع ثرواتها بالعدل و’القسط’، لينعم الشعب بالرفاهية ورغد العيش.. وها هي العراق الآن حالها يدل عليها وأطفالها -الذين كانوا جميعا في المدرسة- يتسولون ويبحثون عن لقمة عيش في مزبلة أو في سوق من الأسواق -التي تكثر فيها التفجيرات بين الحين والآخر- عن دينار أو قشرة خبز يعولون بها باقي إخوتهم الأصغر مع أمهم، بعدما قُتل الآباء وسُحِل الشباب من قِبَل الجيوش الغازية والمافيات الموالية، وتفننت الجنديات الأمريكيات والإنكليزيات في إذلال رجال وشباب هذا العراق.
لقد انكشف الغطاء مرة أخرى عن تلك النخب المنافقة وعن شعاراتها الزائفة؛ حتى طال التشويه النخب الصادقة – وإن كانت لقليلة- وانفرط عقد تلاحمها مع الجماهير والشعوب التي كثيرا ما سارت وراءها وصدقتها، فكيف للشعوب أن تُلدَغ من الجحر مرات ومرات.
وللأسف الشديد تتحدث هذه النخب عن تراجع دورها والأسباب التي أدت إلى ذلك، ليمارس هؤلاء لعبة نفاق جديدة على أنفسهم… فماذا بقي بعد الدرس المصري من كلام؟
سعيد أصيـل

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي - ايران:

    كلام جميل

إشترك في قائمتنا البريدية