منذ إطلاقها في العام 2019 سحرت أغنية «القدس بيتي» الجنوب أفريقية الكثيرين حول العالم، شوهدت ملايين المرات، خصوصاً وهي تتحوّل إلى تحدٍّ عالمي راقص. عند كل تصميم راقص جديد كان السحر يعود. ومع أنها انطلقت من معنى ديني مسيحي، كان جميلاً أن ذلك لم يظهر، وبالعكس، باتت الأغنية وكلماتها قادرة على أن تضمّ الجميع، حتى ألدّ الأعداء خصومة: «القدس بيتي، احرسيني، امش معي، لا تتركيني وحدي، مكاني في القدس، مملكتي في القدس» .
كان للفلسطينيين نسختهم الخاصة من الرقصة والأغنية، بمشاركة مؤثرة من المقدسيين من أصل أفريقي. رقَصَ هؤلاء إلى جانب الجدار العنصري الفاصل، وفوق ركام البيوت المدمرة، في جنين، وغزة، وبيت لحم، وكانت المسافة من تلك الأمكنة إلى القدس تسجّل دائماً على الشاشة، للتذكير على أهمية المدينة ورمزيتها بالنسبة للنضال الفلسطيني.
النسخة الأحدث جاءت منذ أيام مع انقضاء العام 2021، جاءت أقرب إلى هدية العيد، رقصة مؤثرة من مكان مفاجئ، هو مخيم شاتيلا، الأكثر اكتظاظاً بالفقر واللاجئين والمخيلة المنكوبة بحروب وحصارات ومجازر.
ها إن أغنية “جيروساليما” الجنوب أفريقية تحيا من جديد في قلب مخيم شاتيلا،.. يبقى أن يحيا الناس.
من المخيم اتخذت كلمات الأغنية معاني جديدة، أرادت أن تقول، أكثر من أن القدس بيتي: مكاني ليس هنا، مملكتي ليست هنا.
الرقصات جاءت من فوق خزانات المياه، على أسطحة البيوت العشوائية، لصق ألواح التوتياء، تحت شبكة الأسلاك الهاتفية والكهربائية، مع تركيز على تفاعل الناس من شرفات حنونة وباسمة، أو العابرين في الأزقة الضيقة. الفقر، والكوفيات، إشارات النصر، والشعارات على الحيطان، وأحذية الراقصين البسيطة، أتت كلها لتقول، إلى جانب أن المخيم ليس مكاناً نهائياً وقدرياً، إن الفن ممكنٌ في أكثر المناطق فقراً، ربما عليه أن يذهب دائماً إلى هناك. وهو ليس حكراً على المحترفين، فبإمكان العاديين أن يرقصوا بقلوب مليئة بالفرح.
ها إن الأغنية الجنوب أفريقية تحيا من جديد في قلب مخيم شاتيلا، يبقى أن يحيا الناس.
تضج الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام بخبر اعتزال المخرج السينمائي المصري داود عبد السيد، صاحب الفيلم البديع «الكيت كات» إلى جانب أكثر من عشرة أفلام بين روائي وتسجيلي. الخبر حاز تضامناً كبيراً مع المخرج اللامع، واستدعى مقابلات معه، وإثارة لأسئلة السينما والثقافة في البلاد. عبد السيد لم يتحدث عن اعتزال احتجاجيّ، فقد أكّد أنه اعتزل بحكم الأمر الواقع، هو تقريباً يقول إنه اعتزل بحكم اليأس. قال إن «هذا الجو غير صالح لصناعة السينما، هو صالح فقط لتربية الدواجن» . تحدث عن «السينما النظيفة» تلك الجنة التي أرادها المنتجون للأسرة بكاملها، من دون إزعاج أحد، من دون أي خرق لأي نوع من المحرمات الرقابية، أي ببساطة سينما من غير أسئلة، للتسلية، للترويح عن النفس، سينما للتهريج. يتحدث عبد السيد عن سينما «المولات» بديلاً عن سينما الحارات المصرية، سينما المولات التي تستحيل اليوم على عائلات الطبقة الوسطى.
داود عبدالسيد: «هذا الجو غير صالح لصناعة السينما، هو صالح فقط لتربية الدواجن»
تحدث عن مهازل الرقابة وكيفية تعاملها مع النص ومع الكاتب أو المخرج، ومن جهة عن التمويل الأجنبي، الذي رغم أنه لا يلزمك بأجندة ما، إلا أنه سيجعل من فيلمك للنخبة لا للجمهور.
إنه تَضامنٌ محكم إذاً لن يفضي، بغياب الحريات، إلا إلى الاعتزال وإقفال باب الإبداع واليأس (ثبت أننا محكومون بيأس لا أمل بالشفاء منه).
لسان حال صاحب فيلم «أرض الخوف» هو لسان حال كل المبدعين الجادين في البلاد العربية، فمن الواضح أن الأسباب ذاتها موزعة هنا وهناك بتضامن قلّ نظيره. قبضة السلطة وأجهزتها الأمنية على السينما لا ترحم، وإن فلت منها فيلم لن يكون إلا على مقاس الرقابة، يستحيل أن يخرج من بين أسنانها فيلم دسم.
إنْ وَصَلَنا فيلم من هناك يبدو أن علينا تفحّصه جيداً، أن ندقّق في فترة الصلاحية، المكونات، وإن كان هناك فخاخ محتملة،.. يصعب أن تخرج من بين أيدي هكذا أنظمة غير الوجبات المسمومة.
إنْ وَصَلَنا فيلم من هناك يبدو أن علينا تفحّصه جيداً، أن ندقّق في فترة الصلاحية، المكونات، وإن كان هناك فخاخ محتملة،.. يصعب أن تخرج من بين أيدي هكذا أنظمة غير الوجبات المسمومة.
رفضَ رافع الأثقال الإيراني أمير أسد الله زاده ارتداء قميص يحمل صورة قائد «فيلق القدس» السابق قاسم سليماني، المصنف كإرهابي من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. رفضَ زاده الامتثال لمطلب ممثل النظام الإيراني في الاتحاد الدولي لرفع الأثقال، فـ «واجه تهديدات بأنه سيتعرض وعائلته للكثير من المشكلات عند عودته إلى إيران، ويعامَل كشخص ضد النظام، فضلاً عن أن حياته ستكون معرضة للخطر».
هكذا حسم زاده أمره وقرر السعي للحصول على حق اللجوء في النرويج، هرباً من الإعدام أو التعذيب في إيران.
يحدث هذا بالضبط في وقت يصدح المنشد العراقي سلوان الناصري مخاطباً سليماني في أنشودة مشغولة لمناسبة الذكرى الثانية لاغتياله:«أنت العراق».
الناصري يجهد في الفيديو، والأغنية، لتقديس سليماني، وبالطبع فإن لخاتمه حصة كبيرة من المشهد، هناك سعي حثيث لأسطرة الرجل، إن لم نقل وضعه في مصاف الأنبياء.
يحدث كل ذلك أمام أعيننا، نحن الذين شهدنا أي مجازر ارتكبها سليماني باسم القدس بحق السوريين والفلسطينيين، كما نشهد في الوقت ذاته كيف تصنع الأسطورة، الكذبة.
لا ندري أي حقيقة ستنتصر في النهاية، كذبة العراقي سلوان الناصري أم رفض زاده المحفوف بالتهديد بحكم الإعدام.
يصف الممثل الأردني إياد نصار، في مقابلة على قناة مصرية، حال الدراما التلفزيونية اليوم: «أنا شايف أنه فيه مغازلة للسائد، عايز تعمل مشروع يعجب الناس قول اللي بيقولوه عالفيسبوك!» ويوضح «سحر دراما زمان أنها كانت سابقة الشارع، وبالتالي كانت الدراما والسينما تسهم في تطوير ذائقتهم» . المفاجئ في كلام الممثل النجم ليس حال الدراما التلفزيونية، فجميعنا نعرف إلى أي حال وصل الانحطاط، بل النظر إلى السائد الفيسبوكي على أنه قادر على التحكّم إلى هذا الحدّ بالذائقة الفنية والأدبية! كذلك اعتُبر سابقاً متحكِّماً سياسياً، وقادراً على تشكيل وعي واتجاه وأن يقود مظاهرات عارمة!
آليات التفاعل على فيسبوك جعلت النفاق بأوضح ما يكون، وحوّلت عدداً كبيراً من الكتّاب إلى مهرّجين، حتى لو لم يرتدوا قلنسوة وقناعاً وأرديةً ملونة.
أكيد ليست المشكلة في فيسبوك نفسه، فهو في النهاية ليس سوى قناة تواصل، دعنا نرَ من يدفع الأموال ليحدّد اتجاهات، ويبني جيوشاً الكترونية، ويطلق صفحات مزورة، وحملات مغرضة. صحيح أن كيفية وآليات التفاعل على فيسبوك جعلت النفاق بأوضح ما يكون، وحوّلت عدداً كبيراً من الكتّاب إلى مهرّجين، حتى لو لم يرتدوا قلنسوة وقناعاً وأرديةً ملونة، ولاهثين لتلبية ما يطلبه الجمهور، لكنها مشاكل موجودة بوفرة على الأرض قبل أن تتموضع في الفضاء الأزرق، لكنه (فيسبوك) في النهاية ليس قدراً غامضاً، ولا مؤامرة كونية. فيسبوك هو نحن جميعاً وقد انتقلنا بقضّنا وقضيضنا من أديم الأرض إلى الفضاء الأزرق.
كاتب فلسطيني سوري
شكراً للمواضيع المتنوعه!
جذب القارئ فن!! ولا حول ولا قوة الا بالله