من هنا نبدأ ومن هنا نعلم

حجم الخط
5

استعرت هذين العنوانين لكتابين مهمين، ونظرتين متباينتين، وحوار سلمي عميق لشيخين من الأزهر، هما الشيخ خالد محمد خالد، والشيخ محمد الغزالي رحمهما الله تعالى. استعرتهما لما لهما من علاقة وثيقة بقضية التعليم في مصر ومناهج التفكير.
تحظى خطة التعليم في الدستور وفي البرامج الانتخابية، لكل من المرشحين، بأولوية كبيرة. وخطة تطوير التعليم وحل مشاكل التعليم والعلم والبحث العلمي هي الأساس المتين الذي تقوم عليه في المستقبل خطة التنمية الوطنية وبناء الانسان، وهذا يستغرق بعض الوقت. ومن الضروري أن تخدم الثقافة وأن يخدم الاعلام، التعليم بالتكامل معه وعدم معارضته، وإلا كنا ـ كما يقول المثل ـ كمن ينفخ في قربة مقطوعة. وهناك كذلك أهمية دور الأسرة والمسجد والكنيسة. تكامل هذه المحاور يعطى للتعليم أهميته وتفوقه وتوازنه.
هناك عدة مواد في الدستور تتعلق بتطوير التعليم أذكرها وأثبتها هنا حتى نرى خطط وبرامج التعليم في ضوئها، وتكون مقياسا للحكم على الأداء في المستقبل. من أهمها المادة (19) التي تنص على أن ‘ التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية.
والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4′ من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها’.
والمادة (20) التي تنص على أن ‘ تلتزم الدولة بتشجيع التعليم الفني والتقني والتدريب المهني وتطويره، والتوسع في أنواعه كافة، وفقا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل’. والمادة (21) التي تنص على أن ‘تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطوير التعليم الجامعي وتكفل مجانيته في جامعات الدولة ومعاهدها، وفقا للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لا تقل عن 2’ من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتعمل الدولة على تشجيع إنشاء الجامعات الأهلية التي لا تستهدف الربح، وتلتزم الدولة بضمان جودة التعليم في الجامعات الخاصة والأهلية، والتزامها بمعايير الجودة العالمية، وإعداد كوادرها من أعضاء هيئات التدريس والباحثين، وتخصيص نسبة كافية من عوائدها لتطوير العملية التعليمية والبحثية’.
والمادة (22) التي تنص على أن ‘المعلمين، وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، الركيزة الأساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية، ومهاراتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه’. والمادة (23) التي تنص على أن ‘ تكفل الدولة حرية البحث العلمي وتشجيع مؤسساته، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية، وبناء اقتصاد المعرفة، وترعى الباحثين والمخترعين، وتخصص له نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 1′ من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. كما تكفل الدولة سبل المساهمة الفعالة للقطاعين الخاص والأهلي وإسهام المصريين في الخارج في نهضة البحث العلمي’.
والمادة (24) التي تنص على أن ‘اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطني بكل مراحله مواد أساسية في التعليم قبل الجامعي الحكومي والخاص، وتعمل الجامعات على تدريس حقوق الإنسان والقيم والأخلاق المهنية للتخصصات العلمية المختلفة’. والمادة (25) التي تنص على أن ‘ تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار، وتلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، وذلك وفق خطة زمنية محددة’.
أقول، إن تحقيق مقتضيات هذه المواد المبينة بالدستور، يخدم بالتأكيد النظام الديمقراطي، وينشر ثقافة التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة واحترام حقوق الانسان وحرياته، ويعين في تقوية الوطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ودينيا مع الأخذ في الاعتبار المادة (2) والمادة (3) من الدستور عن الأديان السماوية الثلاثة. هنا قصة مهمة جدا قرأتها منذ أكثر من ثلاثين سنة، وبالتحديد في سنة 1983. قرأت كتابا مهما للغاية، ترجمه ونشره مكتب التربية العربى لدول الخليج الذي عملت به مستشارا لشؤون المنظمات الدولية لعدة سنوات. كان عنوان الكتاب لافتا للنظر، لأن عنوانه يوحي بغير محتواه: ‘أمة معرضة للخطر’.
كتبت عن هذا الكتاب أو الكتيب أو البرنامج التعليمي عدة مرات، وأذكره هنا مرة أخرى، لأن هذا هو الوقت المناسب في مصر للتطوير التعليمي، ولفهم قصة هذا الكتاب، أضع ذلك بين نظر المرشحين الرئاسيين، لأن نتيجة الانتخابات ليست آخر المشوار لأي منهما في خدمة الوطن. عندما قرأت عنوان الكتاب، قلت في نفسي، هذا الكتاب يتحدث عن الأمة المصرية أو أمة العرب أو أمة المسلمين، ولكن تعجبت كثيرا عند البدء في قراءة الكتاب، حيث كان يتحدث عن أمريكا. أمريكا أمة معرضة للخطر؟ وليست مصر أو اليمن أو الصومال أو ليبيا أو موريتانيا أو غيرها من بلاد العرب. زاد شغفي لأن أعرف السبب، وظهر السبب واضحا في الكتاب، وهو المناهج وضرورة تطويرها لتواكب العصر. لاحظ وزير التعليم الفيدرالي في أمريكا أن طلاب المدارس الثانوية، بدأوا يخسرون في المنافسات الدولية في مادتي الرياضيات والعلوم أمام نظرائهم من اليابان وألمانيا. لم ينم الوزير أمام هذه الظاهرة الخطيرة. كيف لمن يريد أن يتقدم أو يظل في المقدمة أن يخسر طلابه في هذه المواد في المنافسات الدولية؟ أصدر الوزير قراره المهم العاجل لتجاوز تلك المحنة لتظل أمريكا رقم (1) في التعليم. شكَّل الوزير فريقا لبحث تلك الظاهرة من معلمي الروضة (ما قبل التعليم الالزامي)، والابتدائية والثانوية والجامعات والتعليم فوق الجامعي. انتهى التقرير الذي أعده ذلك الفريق، الى أن أمريكا أمة معرضة للخطر، إذا لم تتطور مناهج التعليم في مادتي الرياضيات والطبيعة على الفور.
رجل مسؤول استشعر خطراً، وقام بمهمته وواجبات وظيفته، فأنقذ أمة كانت معرضة للخطر وذلك بالتطوير اللازم للمناهج. لم يغر الفريق الذي أعد التقرير، أن في أمريكا أكثر من ثلاثة آلاف جامعة ولا ألف مركز أبحاث، ولا الجامعات الأولى في العالم مثل هارفارد وجامعة ييل وغيرهما. لم ينافقوا ولم يقولوا لوزير التعليم، لا تخف كل شيء على مايرام.
برامج المرشحين الرئاسيين في مصر بشأن تطوير التعليم تشمل إعداد منظومة تعليمية جديدة تواكب نظم التعليم المتقدمة، وتشمل تلك البرامج إجمالا في هذا الاطار عدة محاور منها: الربط بين احتياجات سوق العمل ومخرجات العملية التعليمية، تطوير المناهج العلمية وطرق تدريسها للطلاب، تنمية مهارات التفكير، ورعاية المتفوقين والموهوبين، وتشمل تلك البرامج كذلك وضع خطة لتطوير الأبنية التعليمية، والاهتمام باللغة العربية، وحماية استقلال الجامعات، وبناء المهارات الشخصية، وحماية حقوق الطلاب، والاهتمام بالتعليم الفني. وهىي كلها تتفق مع مواد الدستور المتعلقة بالتعليم. ويبقى تنفيذ السياسات والاستراتيجيات والبرامج المتضمنة في تلك الرؤى. قد يتفوق برنامج على آخر في ناحية أو محور ما، ولكنهما يتفقان في أن التعليم هو أساس بناء الانسان.
كنت في الثمانينات من القرن العشرين، أمينا لفريق تقويم أداء التعليم والجامعات بالخليج، وكانت محاور التقويم آنئذ تشمل من بين ما تشمل، المناهج والمعلمين والأساتذة والطلاب والأبنية التعليمية والخدمات والتسهيلات، مثل الملاعب والمكتبات والامكانات الفنية والملاعب. ونحن بحاجة الى تقويم آراء في كل شيء وليس في هذا عيب. فالتركة ثقيلة.
التعليم هو الأساس في البناء والتطوير، وأهميته في بناء الانسان، والشخصية ومنهج التفكير والسلوك بادية للعيان، ولو نجحنا في تطوير التعليم لاختفى 50′ على الأقل، من مشاكل وتحديات مصر ومنها حتى مشكلات المرور المزمنة، خصوصا المتعلقة بالسلوك والثقافة العامة.

كاتب مصري

د. كمال الهلباوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. عامر شطا أستاذ طب الأطفال:

    من هنا نبدأ ومن هنا نعلم…….ومن هنا نبدأ خيبة الأمل

  2. يقول A .A:

    لن يحدث أى تقدم فى مصر قبل أت يحكمها أهلها وليس من بيده السلاح .. لاتقدم ياسيدى بدون الديمقراطية التى يموت فى سبيلها شبابنا .. أبناؤنا وبناتنا ..

  3. يقول كمال التونسي:

    ……………!!!!!!!! لا خير في نظام الكفتة الذي يستمد شرعيته من حناجر الراقصات وفتيات الملاهي ….مبروك عليكم ٣٠ سنة ديكاتورية ملتقانا صائفة 2044 والسلام فإلى ذلك الحين

  4. يقول الكروي داود النرويج:

    والله يادكتور هلباوي أني لا أحب أن أقرأ لك
    ولا حتى أحب أن أعلق على ما تكتبه
    ولكني أحببت أن يصل كلامي اليك

    منذ سنين عديده كنت تمدح بالاخوان على قناة المستقله عندما كنت
    على ماأتذكر المتحدث باءسمهم
    والآن ركبت موجة العسكر ضد الاخوان وأصبحت المتحدث باءسمهم
    على التلفزيون المصري

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  5. يقول سالم عواد:

    وهل تطوير العلم والتعليم كان غائبا عن الدساتير السابقه؟!! المشكلة تكمن في التنفيذ !! والتنفيذ لايتم ما دامت الأجهزة الحكومية فاسدة !! ولعلك في هذا المثقال تطلب المستحيل !!!

إشترك في قائمتنا البريدية