من هو عبد القدير خان.. أبو القنبلة النووية الباكستانية؟

حجم الخط
1

لندن- “القدس العربي”: توفي عبد القدير خان مهندس البرنامج النووي الباكستاني عن 85 عاما، الأحد.

وتوفي عالم الذرة الباكستاني الذي يعتبره البعض بطلا قوميا لأنه جعل بلاده أول قوة نووية إسلامية في العالم، فيما يعتبره الغرب مسؤولا عن تهريب تكنولوجيا إلى إيران وكوريا الشمالية وليبيا، بعد نقله إلى المستشفى بسبب مشكلات في الرئة.

وكان خان أدخل المستشفى في آب/ أغسطس بعدما ثبتت إصابته بكوفيد-19، ثم أعيد إلى المنزل قبل أن تتدهور حالته صباح الأحد، كما أوضحت المحطة.

ونشر موقع “بي بي سي” تقريرا عن السيرة الذاتية للعالم الباكستاني، فهو بحسب ما تقول دائرة المعارف البريطانية، ولد في الأول من أبريل/ نيسان من عام 1936 لعائلة متواضعة في بوبال بالهند. وخلال طفولته، وتحديدا في 14 أغسطس/ آب من عام 1947 احتفلت باكستان باستقلالها عن بريطانيا، وفي اليوم التالي احتفلت الهند بالاستقلال أيضا عن التاج البريطاني، وذلك بعد أن انسحبت بريطانيا من بلد كانت تعتبره درة تاجها الإمبراطوري، وخلفت وراءها دولتين مستقلتين هما الهند العلمانية ذات الغالبية الهندوسية وباكستان الإسلامية.

بعد خمس سنوات من تقسيم الهند وباكستان إلى دولتين، هاجر خان إلى باكستان عام 1952، وفي عام 1960 تخرج من جامعة كراتشي بدرجة علمية في علم المعادن، قبل أن ينتقل إلى أوروبا لمزيد من الدراسات.

بعد خمس سنوات من تقسيم الهند وباكستان إلى دولتين، هاجر خان إلى باكستان عام 1952، وفي عام 1960 تخرج من جامعة كراتشي بدرجة علمية في علم المعادن، قبل أن ينتقل إلى أوروبا لمزيد من الدراسات.

وعلى مدار العقد التالي، تابع دراساته العليا في الخارج، أولا في برلين الغربية ثم في دلفت بهولندا حيث حصل في عام 1967 على درجة الماجستير في علم المعادن.

وفي عام 1972، حصل “خان” على درجة الدكتوراه في هندسة المعادن من الجامعة الكاثوليكية في لوفين في بلجيكا.

وتزوج في عام 1964 من هندرينا ريترينك، وهي مواطنة بريطانية وُلدت لأبوين هولنديين في جنوب إفريقيا وترعرعت في ما كان يعرف آنذاك بروديسيا (زيمبابوي الآن) قبل أن تنتقل إلى هولندا.

وفي السبعينيات من القرن الماضي، تولى عبد القدير خان وظيفة في مصنع لتخصيب اليورانيوم يديره كونسورتيوم بريطاني هولندي ألماني “أورينكو”.

وقد حصل خان على تصريح أمني منخفض المستوى، ولكن من خلال الإشراف المتراخي، تمكن من الوصول إلى مجموعة كاملة من المعلومات حول تقنية أجهزة الطرد المركزي الفائقة وزار المصنع الهولندي في ألميلو عدة مرات، بحسب ما جاء في تقرير “بي بي سي”.

وكانت إحدى وظائفه ترجمة الوثائق الألمانية الخاصة بأجهزة الطرد المركزي المتقدمة إلى اللغة الهولندية.

وتقول دائرة المعارف البريطانية، إن خان تأثر بشدة بالأحداث في الوطن، خاصة هزيمة باكستان المهينة في حرب قصيرة مع الهند في عام 1971، والخسارة اللاحقة لباكستان الشرقية من خلال إنشاء دولة مستقلة جديدة هي بنغلاديش، واختبار الهند لجهاز تفجير نووي في مايو/ أيار من عام 1974.

في 17 سبتمبر/أيلول من عام 1974، كتب خان رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو، يعرض مساعدته في إعداد قنبلة ذرية.

وفي الرسالة عرض رأيه بأن طريق اليورانيوم إلى القنبلة، باستخدام أجهزة الطرد المركزي للتخصيب،أفضل من مسار البلوتونيوم (الجاري بالفعل في باكستان)، والذي يعتمد على المفاعلات النووية وإعادة المعالجة.

وتقول دائرة المعارف البريطانية، إن بوتو التقى بخان في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1974 وشجعه على بذل كل ما في وسعه لمساعدة باكستان في الوصول إلى القنبلة.

وعلى مدار العام التالي، سرق خان رسومات أجهزة الطرد المركزي وقام بتجميع قائمة بالموردين الأوروبيين بشكل أساسي حتى يتمكن من شراء الأجزاء المكونة لها.

في 15 ديسمبر/كانون الأول من عام 1975 غادر هولندا متوجها إلى باكستان برفقة زوجته وابنتيه وحاملا نسخ مخططه وقائمة الموردين الخاصة به.

وقد عمل خان في البداية مع هيئة الطاقة الذرية الباكستانية، ولكن دبت خلافات مع رئيسها منير أحمد خان.

وفي منتصف عام 1976، وبتوجيه من بوتو، أسس خان مختبر الأبحاث الهندسية لغرض تطوير قدرة تخصيب اليورانيوم. وفي مايو/ أيار من عام 1981، تم تغيير اسم المختبر إلى مختبر أبحاث خان.

وكانت قاعدة عمليات خان في كاهوتا، على بعد 50 كيلومترا جنوب شرق إسلام أباد.

سرق خان رسومات أجهزة الطرد المركزي وقام بتجميع قائمة بالموردين الأوروبيين بشكل أساسي حتى يتمكن من شراء الأجزاء المكونة لها

وطوّر خان هناك نماذج أولية لأجهزة الطرد المركزي بناء على التصميمات الألمانية، واستخدم قائمة الموردين الخاصة به لاستيراد المكونات الأساسية من الشركات السويسرية والهولندية والبريطانية والألمانية، من بين آخرين.

وفي أوائل الثمانينيات، حصلت باكستان من الصين على مخططات لسلاح نووي استخدم تصميم انفجار اليورانيوم الذي اختبره الصينيون بنجاح في عام 1966.

ويعتقد عموما أن الصينيين اختبروا تصميما مشتقا للباكستانيين في 26 مايو/ أيار من عام 1990.

وبعد أن استوفى خان احتياجات باكستان من سلاح اليورانيوم الخاص بها، بدأ في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي إنشاء شركات واجهة في دبي وماليزيا وأماكن أخرى، ومن خلال هذه الكيانات قام ببيع أو تداول أجهزة الطرد المركزي والمكونات والتصميمات والخبرة بشكل سري.

وكان من بين العملاء إيران التي استمرت في بناء مجمع لتخصيب اليورانيوم على أساس النموذج الباكستاني.

وقد زار خان كوريا الشمالية 13 مرة على الأقل، ويشتبه في أنه نقل تكنولوجيا التخصيب إلى ذلك البلد.

وقد طوّر مختبره أيضا صاروخ غوري البالستي الباكستاني بمساعدة الكوريين الشماليين.

كما كان خان مورّدا لبرنامج ليبيا النووي حتى أوقفته الولايات المتحدة في عام 2003.

وتقول “بي بي سي” إن الدكتور خان أصر أثناء عمله، على أن البرنامج ليس له أي غرض عسكري، ولكن بعد اختبارات عام 1998 اعترف قائلا: “لم يكن لدي أي شك في أنني كنت أصنع قنبلة، كان علينا أن نفعل ذلك”.

وتابع العمل على تجارب إطلاق ناجحة لصواريخ غوري الأول والثاني القادرة على حمل رأس نووي.

و كان الدكتور خان يخضع، أثناء تنفيذ برنامجه، أيضا للتحقيق في هولندا لنقله تكنولوجيا التخصيب خلال فترة وجوده في البلاد.

وفي عام 1983، حكمت عليه محكمة أمستردام غيابيا بالسجن لمدة 4 سنوات بتهمة محاولة التجسس، ثم تم إلغاء الحكم في وقت لاحق عند الاستئناف.

أصبحت منشأة الدكتور خان، مختبرات خان للأبحاث في كاهوتا، مختبر الأسلحة النووية الرئيسي في باكستان حيث يتم تخصيب اليورانيوم.

واستمرت تلك المنشأة في إثارة الشكوك الأمريكية، وفرضت واشنطن في عام 2003 عقوبات عليها بسبب نقلها المزعوم لتكنولوجيا الصواريخ من كوريا الشمالية.

في 31 يناير/كانون الثاني من عام 2004، تم القبض على خان لنقل التكنولوجيا النووية إلى دول أخرى.

وفي 4 فبراير/ شباط، قرأ بيانا على التلفزيون الباكستاني يعلن فيه تحمل المسؤولية الكاملة عن عملياته، ويبرأ الجيش والحكومة من أي تورط، وهو ادعاء وجد العديد من الخبراء النوويين أنه من الصعب تصديقه.

ووصف الرئيس الباكستاني برويز مشرف هذا الموقف يوما بأنه أكثر اللحظات إحراجا طوال رئاسته.

في اليوم التالي، أصدر مشرف عفوا عنه لكنه ظل رهن الإقامة الجبرية حتى عام 2009.

كان أحد الوعود الانتخابية الرئيسية التي أطلقها حزب رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف، حزب الرابطة الإسلامية-جناح نواز في عام 2008 هو الإفراج عن العالم خان وإعادته إلى “مكانته المناسبة”.

وقد برز حزب الرابطة الإسلامية-جناح نواز كفائز في المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد التي حصل عليها في الانتخابات النيابية التي شهدتها البلاد آنذاك، وقد ساند ائتلاف الحكومة الوطنية بقيادة حزب الشعب الباكستاني من خلال الجمعية الوطنية أو مجلس النواب.

ولم يقتصر دعم خان على حزب الرابطة الإسلامية-جناح نواز، بل كان يلقى صدى ومساندة من قبل الشعب الباكستاني. فهو في عيون الكثيرين منهم الذي حول بلدا زراعيا من العالم الثالث إلى عضو في نادي النخبة من الدول النووية.

ومنذ إصدار العفو عنه، خرجت السلطات لتعلن أكثر من مرة للملأ، أنها أجرت تحقيقات معمقة وفعالة بقضية خان، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن شبكته في باكستان قد جرى تفكيكها.

كما أعلنت السلطات أيضا أن اعتراف خان كان بمثابة عرض “قال فيه كل ما لديه” ولم يعد هنالك من معلومات جديدة يمكن الكشف عنها بخصوص القضية.

إلا أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومحققين من قبل حكومات غربية واصلوا الطلب إلى السلطات الباكستانية للتمكن من الوصول إلى العالم خان بغية التحدث إليه.

وكانت النتيجة أنه لا الحكومة الباكستانية ولا الدكتور خان قدما تفاصيل كاملة لمشروع الأخير في نشر الأسلحة النووية.

واعتقد مراقبون محليون ودوليون ان أعضاء بارزين من النخبة العسكرية والبيروقراطية في باكستان كانوا متورطين أيضا بقضية انتشار الأسلحة النووية إلى كوريا الشمالية وليبيا وإيران.

حتى أن البعض اعتقد أن “شبكة عبد القدير خان” كانت في الواقع تُدار كجزء من سياسة الحكومة ومن قبل ضباط كبار في الجيش الباكستاني القوي، والذي كان دوما بمثابة الراعي والحافظ لترسانة البلاد النووية وأسرارها.

وكما اعتقد بعض المراقبين أن “شبكة خان” كانت جزءا من وسيلة الجيش لتبادل التكنولوجيا النووية مع بلدان أخرى.

نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن عبد القدير خان في عام 2008 قوله إن الاعترافات التي أدلى بها قبل 4 أعوام عن بيعه أسرارا نووية فُرضت عليه.

وبات أمر إشراف الجيش على كل جزئية من البرنامج النووي في البلاد سرا مفضوحا ومعروفا في باكستان. ويعني هذا أنه لم يكن بالإمكان الإبقاء على شبكة الدكتور خان طي الكتمان بدون علم ومعرفة ضباط الجيش الباكستاني.

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن عبد القدير خان في عام 2008 قوله إن الاعترافات التي أدلى بها قبل 4 أعوام عن بيعه أسرارا نووية فُرضت عليه.

وقال خان لصحيفة الغارديان من منزله في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، حيث حددت إقامته منذ عام 2004 :”لم أفعل ذلك بمطلق حريتي. لقد فرض الأمر علي”.

ورفض خان الكشف عما إذا كان اتخذ ككبش فداء لجنرالات باكستان المتورطين في التجارة النووية. وتشكك دبلوماسيون غربيون ومعلقون محليون وبعض الساسة في إمكانية عمل خان وحده.

وقال خان: “لا أريد الحديث عن ذلك، هذه الأشياء يجب أن تنسى”، مضيفا أنه لن يتعاون مع محققي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.

وصرح خان للغارديان بأن التكنولوجيا النووية التي بيعت لإيران وكوريا الشمالية كانت متاحة بحرية في الغرب.

ونقلت الصحيفة عنه قوله: “كانوا مصدر إمداد لنا ومصدر إمداد لهم… ولكل من يستطيع أن يدفع”.

ومن جانبه، نفى الجيش الباكستاني تقريرا نقل عن العالم النووي عبد القدير خان قوله إن الجيش وجهاز المخابرات التابع له والرئيس برويز مشرف، كانوا يعلمون بأمر بيع مضخات طرد مركزي لكوريا الشمالية.

وقال متحدث عسكري: “أود أن أقول بصفة قاطعة إنه (تقرير) خاطئ وزائف”.

وأضاف قائلا إن خان يسعى زورا لتوريط مشرف وأجهزة المخابرات والجيش في الانتشار النووي.

غير أنه في فبراير/شباط من عام 2009 خففت السلطات الباكستانية القيود على خان، وقالت زوجته حينئذ إن السلطات خففت القيود على العالم النووي وسمحت له بلقاء أصدقائه خارج المنزل حيث حددت إقامته قبل 4 أعوام.

وقالت الزوجة لوكالة رويترز للأنباء في إشارة الى أكاديمية في إسلام أباد كان يرأسها عبد القدير خان في التسعينيات: “هناك تخفيف إلى الحد الذي سُمح له بالذهاب إلى أكاديمية العلوم”.

وأضافت: “لكننا لا نعرف ويتعين علينا الانتظار لمعرفة إذا كان (التخفيف) مجرد مرة واحدة أم أنهم سيسمحون بذلك كقاعدة عامة”.

وفي أغسطس/آب من عام 2009 أمرت المحكمة العليا في مدينة لاهور الباكستانية الحكومة برفع آخر الإجراءات العقابية بحق عبد القدير خان.

وقبل صدور الحكم كان لزاما على عبد القدير خان أن يبلغ السلطات مسبقا بتحركاته.

وقال خان في تصريحات للصحافيين أمام منزله بعد صدور الحكم: “هذا ممتاز إنه أمر يثلج الصدر ويبعث على السرور وأعتقد أن الناس الذين تورطوا في الإساءة إلى سيفهمون الرسالة ويتركوني لشأني لأعيش حياتي الخاصة بسلام كمواطن عادي”.

وأضاف أن محاميه أبلغه بأن قضاة المحكمة أعلنوا بصراحة حريته كمواطن في التحرك دون أي قيود.

وفي السنوات اللاحقة، أطلق الدكتور خان حملة ضد الأمية وأنشأ مؤسسات تعليمية في ميانوالي وكراتشي.

وقال لموقع ياسباكستان دوت كوم: “أنا فخور بعملي لبلدي. لقد منح الباكستانيين شعورا بالفخر والأمن وكان إنجازا علميا عظيما”.

وقد أعرب منتقدو خان، خاصة في الغرب، عن استيائهم من هذه المعاملة المتساهلة لرجل وصفه أحد المراقبين بأنه “أكبر ناشر نووي في كل العصور”.

لكن بالنسبة للعديد من الباكستانيين، يظل خان رمزا للفخر، وبطلا عززت مساهمته الأمن القومي الباكستاني ضد الهند.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول وهران:

    كان رجل عظيم رحمه الله

إشترك في قائمتنا البريدية