من يريد إعادة معركة خليج الخنازير إلى شواطئ الجزائر في 2023

حجم الخط
38

ما أثار انتباهي في بيان وكالة الأنباء الجزائرية، وهي تتكلم عن هروب المناضلة والطبيبة أميرة بوراوي من الجزائر عبر التراب التونسي، هي تلك الإحالة التأريخية غير الموفقة سياسيا، التي قامت بها هذه الوكالة الرسمية، إلى هجوم خليج الخنازير في كوبا، الذي حصل في قمة صعود الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وكوبا في عام 1961، عندما قامت المخابرات الأمريكية بتسليح ودعم مهاجرين من أصول كوبية مناوئين للثورة، وللرئيس فيدال كاسترو، إحالة تاريخية تؤكد الصعوبات التي يجدها الطرف السياسي الرسمي في التعامل مع الزمن السياسي الفعلي، ومع مجمل التحولات السوسيو – سياسية الحاصلة في الجزائر والعالم.
ولعل على رأس هذه التحولات التي يجد الطرف الرسمي الجزائري صعوبة في التعامل معها، هي تلك المرتبطة بالهجرة الجزائرية وحاملي الجنسية المزدوجة من الجزائريين، الذين زاد عددهم وتنوعت بلدان إقاماتهم، صعوبات تظهر على شكل تشنج ومبالغة في التعامل مع الأحداث، كما تظهره حالة مغادرة الطبيبة أميرة بوراوي، الذي كان يمكن التعامل بها كحادث «عادي أو شبه عادي»، قامت به مواطنة جزائرية، تعرضت لمضايقات في بلدها الأم، جعلها تفكر في الهجرة إلى بلد اختارت جنسيته، كما فعل ويفعل ملايين الجزائريين، بعيدا عن هذا التهويل الرسمي الذي وصل إلى حد التهديد بقطع العلاقات مع فرنسا، وظهور بوادر أزمة مع الجارة تونس.

ما يجب أن ينتبه له النظام السياسي الجزائري قبل فوات الأوان، أن الجزائريين في حاجة إلى حريات أكبر سيستمرون في التعبير عنها فرديا وجماعيا بأشكال متنوعة

تهويل ومبالغة تشارك فيها كل مؤسسات النظام، الذي لا يجد أي نوع من أنواع المساعدة من قبل نخبه الأكاديمية الإعلامية والسياسية التي لا تسعفه في الخروج من أزمته، بل تضيف له أحمالا أخرى وهي تروج لخطابه السياسي والإعلامي، من دون نقد وتمحيص، تعبيرا عن استراتيجية تملق انتهازي لنخب فاقدة للشرعية، تقترب أكثر فأكثر من منطق الذباب الإلكتروني.
صعوبات في التعامل مع الهجرة والمهاجرين، كجزء من الصعوبات الأكبر التي يجدها النظام السياسي في التعامل مع التحولات التي كانت وراءها الدولة الوطنية نفسها، ليفشل في تسيير ما أنجزته هذه الدولة الوطنية، كما هو حال انتشار التعليم بكل التوسع في الطموحات والانفتاح على العالم، الذي يميز الأجيال الشابة من الجزائريين، التي لم تعد قادرة على قبول ظروف الحياة التي يقترحها عليه هذا النمط من التسيير السياسي والاجتماعي – الاقتصادي الذي يميز النظام السياسي الجزائري، الذي يأبى التغيير والإصلاح. فمن هي أميرة بوراوي ولماذا غادرت الجزائر في هذا الشكل غير القانوني؟ ولماذا توجهت إلى تونس، ومن ثمة إلى فرنسا، وكيف حصلت على جنسية هذا البلد؟ أسئلة كثيرة يمكن أن تساعدنا في فهم هذه الحالة بعيدا عن كل تهويل وتشنج، أصبح أكثر شيء يميز سلوكيات النظام السياسي، نخبه ومؤسساته وهي تخاطب الجزائريين والعالم الخارجي. أميرة بوراوي طبيبة متخصصة، ابنة أستاذ طب وضابط سام في الجيش الوطني الشعبي، كان في وقت سابق من مساره المهني، مديرا عاما لمستشفى الجيش، عاشت وناضلت كل حياتها في الجزائر، لتكون بذلك أمام إحدى القضايا المهمة ذات العمق السوسيو – سياسي التي تحيل إليها هذه القضية، فشل النظام السياسي في التعامل مع أبنائه، الذي يظهر على شكل «انشقاق»، هذه القوى الاجتماعية التي كان يمكن أن يكسبها ويحافظ عليها كقاعدة له وداعمة لمشاريعه، وهو الحال نفسه الذي ينطبق على قضية أخرى مشابهة تتعلق بالصحافي القاضي إحسان، الذي كان أبوه هو الآخر ضابطا ساميا في الجيش الوطني الشعبي، يقبع الآن في السجن بعد أن وصلت مغامرته المهنية، التي أرادها مستقلة وبنكهة نقدية إلى مداها الأخير -في شكل مؤقت على الأقل – في ظرف الإغلاق الإعلامي والسياسي الذي تعيشه الجزائر. حالتان يمكن تعميمهما على حالات أكثر تؤكد حقيقة يجب على النظام السياسي ومن يفكر له الانتباه لها، بدل شيطنتها والتركيز على الجانب الشخصي فيها. النظام السياسي يفقد قواعده الاجتماعية، وكأنه أصبح معلقا في الهواء، هنا يكمن الخطر، وليس في كيف «حرقت» أميرة من الحدود التونسية – الجزائرية، ومن ساعدها في هذه الحرقة ومن تواطأ معها على هذه الحدود التي بقيت الوحيدة الممكنة أمام الجزائريين، إذا استثنينا البحر الذي يمكن أن يتحول إلى ملاذ أخير أمام هذه النخب المعارضة لمغادرة بلدها، كما توحي بذلك برقية وكالة الأنباء وهي تتحدث عن خليج الخنازير! فأميرة هي ابنة الحدود، أصول عائلتها تعود إلى منطقة سوق أهراس الحدودية، تزوجت في عنابة – وقد حصلت على جنسيتها الفرنسية من أم زوجها الفرنسية، أو الحاصلة هي الأخرى على الجنسية الفرنسية – وعاشت في العاصمة، فما الغريب أن تنتقل ابنة سوق أهراس إلى تونس، بشكل قانوني أو غير قانوني، كما جاء في وقت سابق على لسان الرئيس التونسي بورقيبة، وهو يرد على بومدين الذي لامه على استقبال العقيد طاهر زبيري قائد أركانه الذي حاول الانقلاب عليه في شتاء 1967 «يا سي بومدين اتصلوا بي الجماعة في الليل واخبروني أن شيئا ما يحدث في الجزائر، قلت لهم افتحوا الحدود والذي يأتي استقبلوه، لم أكن أعرف أن سي الطاهر هو الذي، جاء كان يمكن أن تكون أنت».
ما يجب أن ينتبه له النظام السياسي الجزائري قبل فوات الأوان، أن الجزائريين في حاجة إلى حريات أكبر سيستمرون في التعبير عنها فرديا وجماعيا بأشكال متنوعة، وأن هذا التضييق الحاصل هذه السنوات الأخيرة على الجزائريين وهو يصل إلى أرزاقهم، كما حصل مع أميرة الطبيبة المتخصصة التي تعيش حالة بطالة منذ سنوات، سيضعف الجزائر أكثر كبلد ودولة وطنية، ومجتمع، يمكن أن تخسر فيها معركة المهاجرين الاستراتيجية مع الطرف الفرنسي، الذي تمكن من القيام باختراقات كثيرة فيها، ونحن نعيد قراءة الكلام الذي جاء حولهم في برقية وكالة الأنباء غير الموفقة سياسيا، تحول معركة الخنازير إلى واقع فعلي – لا قدر الله ـ الكثير من الجزائريين يرفضونه، وليس إلى إحالة لمحطة تاريخية قديمة لا تعني الجزائريين مباشرة.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الرحيم المغربي .:

    عندما نرى الإعلام الرسمي وما جاوره يستعمل مصطلحات ثقيلة في ميزان الإسقاط التاريخي..والاخلاقي والسياسي…من قبيل خليج الخنازير….ومعاداة الإسلام…والانتماء إلى جنسية معادية للوطن… فإن ذلك يعني بداهة محاولة تهريب مكشوفة للمخاطبين من واقع الأشياء وحقيقة الأمور… إلى نطاقات مرتكزها المزايدة والاقحام وخلط المعاني والألوان….فليست الجزائر بكوبا في بدايةً الستينات…ولا المهاجرين الجزائريين بالمنفيين الكوبيين في تلك المرحلة…ولا النظام السياسي الذي يعترف بصداقته لأمريكا ويستقبل كبار المسؤولين الأمريكيين في وضعية التهديد لهذه الأخيرة..ويسعى إلى نصب الصواريخ التي تهددها كما حصل في عهد كينيدي…!!!! كما أن استعمال سلاح الاتهام بمعاداة الدين على الطريقة الإيرانية هو توجه يقتضي من باب استكمال المشهد وجود ولاية للفقيه ومرشد أعلى.. على الطريقة السالفة تجعل كل من قال لا في وجه الحكم محكوما بالمروق من الملة…!!! وأما الأسوء في كل هذا..فهو التعريض الاتهامي بالجنسية المزدوجة….علما بأن عدد الجزائريين في فرنسا يفوق عدد الفلسطينيين في الذاخل والخارج….وكثير منهم يحملون من معاني التشبت بالوطن والغيرة عليه… الشيء الكثير..

    1. يقول Ahmed:

      اهتم بالمغرب و ما يحدث فيه.

  2. يقول نحضوها بنت سيدي محمد التماتي:

    عندما دخلت فرنسا الى الجزائر سنة 1830 كان اول عمل عظيم قامت به هو تاسيس فرق الزواف, ويحكي اجدادي الكبار انه كان على رئس كل فرقة زوافية جميلة قائد مخلص يسمى جابي بوراوي, وان فرقة مدينتنا يتولاها السيد جابي بوراوي نصر الدين المبجل جدا جدا والحاصل على بركة سيدي المخزاني نفعنا الله ببركته امين

  3. يقول عبد القادر UK:

    مقال يضع النقاط على الحروف. شكرا للكاتب.

  4. يقول أيوب:

    نحن السواد الأعظم من الجزائريين نقف تحية اجلال و اكبار اتجاه القيادة الجزائرية الحكيمة و التي لا تخضع للقوى الكبرى المتغطرسة و المتعجرفة و التي تتصرف مع العرب و الأفارقة كجمهوريات موز تستبيح اراضيهم و تتدخل في شؤونهم كما يحلوا لها ، و لذلك في زمن اليوم نجد الجزائر تعد استثناء وحيد يعجب المخلصين و لا بيروق لأصحاب الجنسية المزدجوجة الذين لهم رجل في بلد أخرى

  5. يقول sayou:

    نحن نريد خليج السلام و العصافير ليس إل…ا

  6. يقول ملاحظ:

    مواطنة جزائرية، تعرضت لمضايقات في بلدها الأم، جعلها تفكر في الهجرة إلى بلد الثاني…….مالعيب في ذلك؟
    ابناء النخبة في الجزائر الجديدة يتعرضون الى المضايقات والتهديد والحصار نفسه الأمر حدث مثل هذا قبل بضع سنيين لما كان بعض حثالة الحزب المنحل يغتالون النخبة المثقفة والمتعلمة التي قادت الجزائر نحو النمو والتطور واليوم الصورة تكرر نفسها …. لذا على الشعب ان يقف صفا واحدا ضد هذا الجحود للانتجيلس الجزائر الجديدة ويحميهم بدمه وروحه من كل مكروه.

  7. يقول صالح/الجزائر:

    2)- من تكون “المناضلة والطبيبة المتخصصة” حتى تهرب من عدالة بلادها ، التي واجهتها بحقائق ازدراء المعلوم من الدين ورئيس البلاد ، وهي تقر بها مادامت مسجلة في موقعها ؟ هل هي أعلا شأنا وقيمة من وزير الدفاع الجزائري السابق الذي استجاب لعدالة غير عدالة بلاده ووقف أمام قاضي التحقيق السويسري على خلفية دعاوى قضائية مفبركة رفعها ضده من اتهموه باطلا بتعذيبهم في تسعينيات القرن الماضي ؟ .
    هناك 45 مليون جزائري وآلاف الضباط وآلاف الصحفيين وآلاف الأطباء .. ، وهؤلاء لا يُختصرون في مجموعة قليلة شاذة تحن إلى أحضان “فافا” . مادامت فرنسا في حاجة لأطباء كان عليها ، وهي التي تحمل جنسيتها ، وتضيق بالجزائر ، الالتحاق بابنها في باريس بهدوء تام دون المساس لا بالدين ولا برئيس الجمهورية ثم الاضطرار ل”الحرقة” المشينة للحدود ، وتترك بقية الجزائريين الذين لا تستهويهم “الديموقراطية” و”حرية التعبير” ولا “حقوق الإنسان” .. التي لم تجدها “السترات الصفراء” حتى في باريس . ولماذا لا يحق لنا التساؤل : ألم يستغل هذان ، في غير وجه حق ، مهنة ومنصب والديهما المحترمين ؟ .

  8. يقول صالح/الجزائر:

    3)- نتمنى الشفاء العاجل لقائد الأركان السابق ، العقيد طاهر زبيري ، الذي فشل في الانقلاب الأحمق والأبله ، في شتاء 1967 ، والذي لا بد أنه كان يعلم ، علم اليقين ، انه لم يكن في
    مأمن ، لا في تونس ولا في غيرها ، لو حاول العبث بمصير الجزائر مثل غيره في إسبانيا وفي ألمانيا .
    المجاهد الأكبر” ، الذي قال : »يا سي بومدين اتصلوا بي الجماعة في الليل واخبروني أن شيئا ما يحدث في الجزائر، قلت لهم افتحوا الحدود والذي يأتي استقبلوه، لم أكن أعرف أن سي الطاهر هو الذي، جاء كان يمكن أن تكون أنت« ، وقال أيضا : “قلنا كليمة بتنا في ظليمة” ، أقال الوزير الأول من منصبه ، بعد “ثورة الخبز” ، التي أدت إلى مقتل عشرات التونسيين بالرصاص (70 قتيل رسميا) ، وحوكم غيابيًا بالسجن ، بعد أن كان قد فر سريا ، قبل صدور الحكم ، إلى فرنسا عبر الحدود الجزائرية ، بدون مساعدة أية مخابرات ، والجزائر بدورها تعاملت مع “المجاهد الأكبر” بالمثل .

  9. يقول صالح/الجزائر:

    4)- أظن أن غالبية الجزائريين يعرفون جيدا هذه “الحريات الكبرى” ، التي ينعم بها العراقيون ، المصريون ، الليبيون ، السوريون ، اليمنيون وغيرهم .. ، وآخر هذه “الحريات” المعظمة ما جاءت في “القدس العربي” ، تحت عنوان : (“لوفيغارو” تكشف: ماكرون يبحث عن خليفة لمحمود عباس) . كما أن “الناس لا يدخلون الجنة وبطونهم خاوية” ، فإنه أولى بهم أن لا ينجذبوا ل”الديموقراطية” ول”حرية التعبير” ، ولبقية بلابلا الغربية ، وبطونهم خاوية . وكالة الأنباء الجزائرية ، التي حجبت مؤقتا موقعها الإلكتروني لتعرضه لسلسلة من “الهجمات السيبرانية” تهدف لاختراقه ، لابد أنها تفرق بين المهاجرين والمهاجرين لأن أغلب عناصر الفريق الوطني لكرة القدم من ذوي الجنسية المزدوجة .

  10. يقول قادة:

    هل المعنية هي مثال لكل الجزاريين و الجزائريات و متي كان التعامل مع المحابرات الاجنبية شئ مسمو ح به و هل كل المناضلين الذين يعملون من اجل الحرية و الدفاع عن البلد هم مثل هذه تحليلل غريب و غير صائب و تريد البحث عن الأعذار فقط و في راي و مهخما تكن المبرارات فان الامر لا يتعلق باحد لا يريد ان يعيش في البلد و الكن لما تتامر مع مخابرات بلهد اخر لاخحط كيف المئات من الشبان الذين ليسوا عملاء هاجروا بطرق سرية و لم نتكلم عنخن و نتمي لهم العيش السعيد و شيعود يوما الي بلدهم و الكن المعنية ستعود يوما مرحب بخا

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية