ومن يسيطر على المنطقة من النيل إلى الفرات بريا وبحريا، يسيطر على الشرق الأوسط الكبير، الممتد من جبال أفغانستان شرقا، والقرن الافريقي وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان جنوبا، إلى جبال وسهول آسيا الصغرى وشرق البحر المتوسط شمالا، ويتمدد غربا عبر المتوسط إلى مضيق جبل طارق وسواحل المغرب على المحيط الأطلنطي. وتمثل منطقة «النيل – الفرات» كتلة أرضية متصلة تربط بين قارات الجزيرة العالمية (افريقيا وآسيا وأوروبا) وتتحكم جيوستراتيجيا في مداخل البحار والمحيطات، التي تفصل الشرق عن الغرب، وهي بوابة العبور إلى السهول المفتوحة بين آسيا وأوروبا عبر آسيا الصغرى، كما أنها من الناحية الحضارية تجمع أصحاب الديانات السماوية الثلاثة. لذلك فإن منطقة «النيل – الفرات» هي «قلب الشرق الأوسط» بلا منازع.
ويمتد الحزام الدفاعي لمنطقة «قلب الشرق الأوسط» من جبال زاغروس بامتداد غرب إيران، ويتحرك إلى الشمال حتى يلتقي محور جبال «طوروس» التي تفصل هضبة الأناضول عن سهول الفرات ودجلة، ويمتد غربا بمحاذاة الحدود التركية مع العراق وسوريا، حتى شمال شرق البحر المتوسط، وهناك يلتقي المحور الدفاعي البحري الممتد من «طرطوس» في الشمال إلى طبرق في الجنوب. ومن طبرق يتجه الحزام الدفاعي برا أو بحرا إلى العلمين ووادي النيل إلى شرق السويس، أو ينحدر جنوبا عبر القرن الافريقي الكبير إلى باب المندب، عبر ليبيا وتشاد والسودان والصومال وجيبوتي، ثم يتصل من جديد بالحزام البحري الجنوبي عند مضيق باب المندب وخليج عدن، إلى البحر العربي وخليج عمان ومضيق هرمز، الذي تطل عليه من الناحية الشرقية جبال زاغروس في إيران، وهي الجبال التي يُروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال عنها «ليت بيننا وبين الفرس جبلا من نار، لا ينفذون إلينا ولا ننفذ إليهم» وكانت العرب تطلق تسمية «جبل النار» على جبال زاغروس.
الأهمية الاستراتيجية لمصر
وطبقا لخريطة الحزام الدفاعي فإن مصر تلعب من الناحية الجيوستراتيجية دورا مركزيا في أي نظام دفاعي للشرق الأوسط، سواء في مواجهة محور «طرطوس – طبرق» البحري في شرق المتوسط، أو محور «الإسكندرونة – العريش» المقابل له برا، أو في مواجهة المحور البري «طبرق – القرن الافريقي الكبير» حيث تمثل «العلمين» منطقة الاتصال، أو الانفصال الاستراتيجي بين طبرق، والمنطقة الممتدة من وادي النيل إلى شرق السويس، وجنوبا إلى القرن الافريقي. وتبرهن معارك «العلمين» في الحرب العالمية الثانية على أهمية موقعها الاستراتيجي في نظام الدفاع الإقليمي. ومن ثم فإن القواعد العسكرية الثلاث الأحدث في مصر «محمد نجيب»
و«3 يوليو» على البحر المتوسط و»برنيس» على البحر الأحمر، تمثل ثلاثة مرتكزات جيوستراتيجية أساسية، لأي نظام دفاعي لحماية «قلب الشرق الأوسط».
خطأ ماكيندر
في نظريته عن المحور الجيوستراتيجي للتاريخ، اعتبر السير هالفورد ماكيندر منطقة الشرق الأدنى «إقليما هامشيا» من الناحية الاستراتيجية، ولم ينتبه إلى دورها المركزي في تقرير مسار تاريخ العالم، منذ إمبراطورية الإسكندر الأكبر حتى إمبراطورية الملكة فيكتوريا، حيث أن كلاً منهما شق طريقه من الغرب إلى الشرق عبر البوابات الاستراتيجية لأراضي وبحار وخلجان الشرق الأوسط. وبسبب الظروف التي وضع فيها ماكيندر نظريته، فإنه وقع أسيرا للنظرة الأوروبية إلى العالم، وانطلق من عدد من الفرضيات التي أدت لتهميش دور «الشرق الأدنى». وكان من أهم تلك الفرضيات أن عملية تكوين الدول الموحدة في أوروبا مثل، النمسا وفرنسا وإنكلترا تمت بفعل قوتين، الأولى هي ضغوط غزوات القبائل الرعوية الآتية من غرب جبال الأورال، وسهول بحر قزوين من الشرق، وهجمات القراصنة من البحار المحيطة بأوروبا من الشمال والغرب والجنوب. وأن انتصارات القوى البحرية العالمية خلال القرون الأربعة التالية لاكتشافات كولومبوس، تحققت عبر المحيطات المفتوحة، وتجنبت المرور عبر الشرق الأوسط. واعتبر ماكيندر أن الأراضي الممتدة من جبال الأورال وبحر قزوين إلى شرق أوروبا، هي قلب العالم ومحور التاريخ، بل إنه اعتبر البحر المتوسط بحيرة أوروبية وأن الحدود الجنوبية لأوروبا هي الصحراء الكبرى، التي تفصل بين الجنسين الأبيض والأسود. وفي تحليله لدور القوى البحرية في العالم تجاهل ماكيندر، الموقع المركزي الذي لعبته الكتلة الأرضية المتصلة الممتدة بين «النيل والفرات» التي تضم مصر وفلسطين وشرق الأردن والعراق، وهي الأراضي التي حرصت بريطانيا على أن تخضعها لسيطرتها بمقتضى اتفاقية سايكس- بيكو. ولم يكن في استطاعة بريطانيا أن تحتفظ بالهند وممتلكاتها في الهند الصينية والمحيط الهادي من دون السيطرة عليها. كما أن ماكيندر الذي مات عام 1947 لم يدرك أن انسحاب بريطانيا من شرق السويس كان بداية غروب شمس الإمبراطورية، ولذلك فإن دراسة المكانة الاستراتيجية للشرق الأوسط في تاريخ العالم تؤدي بنا إلى استخلاص نتائج مختلفة عن تلك التي توصل إليها ماكيندر، وأن الشرق الأوسط هو «محور التاريخ» وليس «إقليما هامشيا».
اعتبر السير هالفورد ماكيندر منطقة الشرق الأدنى «إقليما هامشيا» من الناحية الاستراتيجية، ولم ينتبه إلى دورها المركزي في تقرير مسار تاريخ العالم
انتقال الصراع إلى الفضاء
كذلك فإن نظرية ماكيندر، كما أنها لا تفسر تاريخ الصراع في العالم قبل ظهور القوى البحرية، فإنها لا تقدم كثيرا ينفع في تفسير تاريخ ما بعد انتصار القوى البحرية، الذي سجل انتصار الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، ثم صعود الصين كقوة عالمية رئيسية في القرن الحالي، بما يثبت أن نفوذ القوى البرية في العالم لم ينته بهزيمتها في الحرب العالمية الأولى، أمام القوى البحرية، بل إن تطور تكنولوجيا الحرب وأنظمة التسلح في العالم، وانتقال الصراع من البر إلى البحر، ومن البحر إلى الفضاء، يعني أن تقسيم القوى العالمية إلى «قوى برية» و»قوى بحرية» أصبح تقسيما عفا عليه الزمن وتجاوزته وسائل الصراع لممارسة النفوذ؛ فالصين التي ظلت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية مجرد قوة برية، لا حول لها ولا قوة في صراعات البحار، تحولت في العقود الثلاثة الأخيرة إلى قوة بحرية وصاروخية وجوية وفضائية من الدرجة الأولى، إلى جانب كونها قوة برية. هذه التطورات على المستويين العالمي والإقليمي، تدعونا بقوة لإعادة النظر في نظرية ماكيندر، واستخلاص استنتاجات جديدة تمكننا من فهم وتفسير الصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط حاليا، من حدود العراق مع إيران وتركيا إلى الحدود السورية التركية والتورط الروسي هناك، إلى ليبيا عبر محور «طرطوس- طبرق» حيث تتزاحم قوى كثيرة للاستحواذ على النفوذ، تشمل روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة ودول حلف الأطلنطي الأوروبية. كما تجري مواجهة أخرى بين السعودية وإيران عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. ومن الصعب تفسير هذه الصراعات باستخدام أسباب مباشرة مثل الحاجة إلى النفط، أو حتى تأمين الملاحة، فالولايات المتحدة لم تعد في حاجة لنفط العرب، كما أن روسيا تصدر النفط والغاز للعالم كله. أما تأمين الملاحة فهو مصلحة مشتركة للجميع. ولا يستطيع طرف من أطراف الصراعات الحالية مهما كانت قوته أن يحول المصالح الملاحية إلى صراع صفري، تكون فيه مكاسب طرف خسارة صافية للطرف الآخر. حتى عندما سيطرت بريطانيا على طريق الملاحة عبر البحر الأحمر إلى المحيط الهندي، وكانت الدولة الوحيدة في تاريخ العالم، التي تمتعت بذلك، فإنها لم تستطع أن تحول نفوذها في مصر أو في داخل الدولة العثمانية إلى لعبة صفرية، وإنما ضمنت مع غيرها من القوى الرئيسية في العالم «حق المرور البري» لكل السفن عبر المضائق البحرية. كذلك فإن التهديدات كافة الناشئة في الشرق الأوسط مثل الإرهاب وتهريب السلاح والأشخاص والمخدرات وغيرها لا يمكن التصدي لها بالحرب، ولكن بالتعاون المشترك، بل إن أخطرها، وهو الإرهاب، تم تصنيعه بواسطة دول بعينها.
ويعني ترابط الحروب والصراعات الحالية في داخل الحزام الدفاعي لمنطقة «قلب الشرق الأوسط» أن أيا منها ليس صراعا مستقلا قائما بذاته بين طرفين أو عدة أطراف، يمكن تسويته على حدة، وإنما هي جميعا صراعات مترابطة يحتاج حلها إلى تفاهم يحقق السلام بين دول قلب الشرق الأوسط، ومع الدول المطلة على الحزام الدفاعي، ومع العالم. هذه المنطقة لا يمكن أن تستقر على أساس قواعد اللعبة الصفرية، لأن تلك اللعبة تعني استمرار التوتر والحروب لسنوات مقبلة، وهو خيار يحمل خسائر لكل الأطراف. أما الخيار الثاني فهو أن تتوصل القوى المتصارعة إلى سايكس- بيكو ثانية، يحصل فيها كل طرف على نصيب من الكعكة، وهو خيار ستكون فيه دول قلب الشرق الأوسط العربية هي الضحية. أما الخيار الثالث فإنه لا يتحقق بدون نهوض قوة إقليمية رئيسية بأعباء تأسيس نظام دفاعي يفرض إرادة «قلب الشرق الأوسط» ويضع حدا للأطماع الخارجية، وفقا لصيغة معتدلة، تحقق السلام بين دول المنطقة ومع جيرانها ومع العالم.
كاتب مصري
ملف الشرق الأوسط ملف مغقد جدا , فإيران قادمة وتتقدم فبنشرة الأخبار للقناة الإسرائيلية(iltv)الناطقة بالإنجليزية, اللتي بثت فبل ساعات بحدود السابعة غرينتش من نهار اليوم ,طبعا أول مرة أشاهد بث لنشرة أخبار إسرائيلية في قناة إسرائيلية في حياتي , المهم و قالت المقدمة أن قراصنة معلوماتية إيرانيين(هاكر) تسللو الى مواقع إسرائيلية وإستولو على أسرار تخص الصناعة التكنولوجية الإسرائلية كصناعة الدرون وتكنولوجيا الأقمار الصناعية وبعض الأسرار المتعلقة بالتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية, المهم إيران لها قدم في اليمن واالعراق ولبنان وسوريا ,طبعا أمريكا تراقب ولن تسمح بأي عمل ضد إسرائيل أو تهديد لها ولكن في نفس الوقت تتغاضى عن مشكل السعودية مع الحوثيين ,ربما تريد تليين موقف حليفها الوجودي السعودية من بعض المواقف والتخفيض من تشددها إتجاه إسرائيل,المهم علاقات السعوديةبامريكا تعود ل سنة 1900 …..يتبع
الم يدرك جمال عبد الناصر هذا قبل اكثر من سبعين عاماً ؟؟
يتبع .. حقيقة أدركها عبد الناصر ووأدها السادات باتفاقية كامب ديفيد