يوسي فيرتر
في نهاية الأسبوع، تم إحصاء عشرة قتلى، معظمهم جنود لم يحصلوا على تغريدة أو تطرق من رئيس الحكومة. عرض نتنياهو فيلماً مدته تسع دقائق، هي طويلة بلغة الأفلام. ومضمونه تطاول وحشي وتشويه يثير الاشمئزاز وتحريض إجرامي ضد الجيش و”الشاباك” والشرطة والنيابة العامة. يتضح هذا مما فعله أمس.
الفيلم تناوله هو وحده؛ لم يتطرق إلى انقضاض عشرات المستوطنين على من كان سكرتيره العسكري، قائد المنطقة الوسطى آفي بلوت. هكذا سار الأمر: وزير الدفاع المثير للشفقة، إسرائيل كاتس، صرح أنه لن يكون هناك بعد الآن اعتقالات إدارية لمشبوهين بالإرهاب اليهودي، يعملون ما طلب منهم، ورئيس الحكومة يدعمهم بصمت، بعد أن بارك الكثير من الوزراء هذا التمييز العنصري. بعد ذلك، يتباكون على مذكرات الاعتقال من “لاهاي”.
نص نتنياهو حمل كل علامات التعريف الواضحة من مدرسته: تلاعب ممنهج، أكاذيب، نقل رسائل إجرامية لأبناء عائلة متهم ما، الذي يخاف التحدث عنه (هكذا فعل أيضاً بملفات “الآلاف” فوق منصة الكنيست)، ومحاولة لإشعال القاعدة العنيفة التي هاج ممثلوها في المحكمة ضد جهاز إنفاذ القانون. كل المركبات في الطبخة المعروفة.
ظهوره هذا بث الخوف مما سيأتي. عندما كان نتنياهو يشعر بحبل يلف عنقه، سيجتاز كل الحدود. مثل مجنون ملاحق، وضع يده على مشعل النار وأرسل ألسنة اللهب على كل من يقف أمامه. الخطر الذي يشكله نتنياهو على الديمقراطية في إسرائيل وعلى مؤسسات الدولة أصبح جلياً. ليلة أمس، التقينا بتجسيد آخر له، أخطر مما كان. في خضم الحرب، يشن هجوماً شاملاً على رؤساء الأجهزة التي تدير الحرب، وعلى المسؤولين عن الإنجازات التي يتفاخر بها.
المقام هنا ضيق لإحصاء جميع التشويهات والأكاذيب وأنصاف الحقائق التي نثرها هنا وهناك. بدون الانزلاق إلى تحليل نفسي رخيص، يمكن التساؤل عما يفكر فيه شخص مستعد للكذب بهذه السهولة، بصورة طبيعية كهذه، وهو يطلق النار على ظهر رئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس “الشاباك”، وبالطبع المستشارة القانونية للحكومة والمدعي العام، الذين يرافقون التحقيق مع إيلي فيلدشتاين وشركائه. وضعه النفسي المتفاقم هو مشكلتنا جميعاً.
من أين سنبدأ؟ قال نتنياهو إنه لم يتم التحقيق في أي تسريب باستثناء التسريب الذي تورط فيه رجال مكتبه. هذا كذب: رئيس “الشاباك” السابق يورام كوهين، قال مساء أمس في “قابل الصحافة” بأن الجهاز أجرى 15 تحقيقاً منذ بداية الحرب في تسريب الأسرار، جميعها في الجيش الإسرائيلي وبناء على طلبه. عدد نتنياهو تسريبات سابقة جميعها من أجهزة أمنية، والقاسم المشترك بينها هو هوية المسؤول عنها، أي رئيس الحكومة.
وقال إن الوثيقة التي نشرت في صحيفة “بيلد” الألمانية لا علم له بها، واتهم الاستخبارات العسكرية “أمان” بإخفاء المعلومات عنه لفترة طويلة. كذب: تبين من لائحة الاتهام أن فيلدشتاين كان يملك المعلومات منذ حزيران، وأن الصديق يونتان اوريخ عرف أنها معلومات يجب أن تصل إلى الرئيس. أما الادعاء بأن “أمان” امتنعت بصورة ممنهجة عن إرسال وثائق استخبارية لنتنياهو، فهو ادعاء يثير الاشمئزاز وخطير. هذا هدر دم حقيقي.
ما أسهل الكذب عنده، هذا نعرفه. من حصل على مشاهدة فيلم “أفلام بيبي” رأى بعيونه المتعبة الكاذب الأفضل في التاريخ، وهو يفعل ذلك في كل جملة يقولها، بصورة طبيعية لا يتميز بها إلا الكاذبون المزمنون. أمس، دافع عن العاملين في مكتبه، تم التحقيق معهم جميعاً في القضية. “هم يدفعون الثمن”، تباكى. للتذكير، قبل يومين، نشر بار بيلغ في “هآرتس” أن مقربين، وهما أوريخ وإسرائيل اينهورن، عملا في السابق على بناء حملة إعلامية لقطر، التي كما هو معروف تؤيد حماس وتمولها. ولو حدث ذلك في مكتب نفتالي بينيت لسمعنا من نتنياهو بأن “بينيت موّل حماس”. إضافة إلى حملة بروحية إبليس.
بعد أن أنهى التحريض والتشهير، توجه لما كان مهماً له؛ أن يبث للمتهم فيلدشتاين بأن قلبه معه، فمدحه ومجّده، وجعله بطلاً حقيقياً لإسرائيل. وصرخ بأن الأمر يتعلق بـ “وطني صهيوني!” وكأنه أحد المتظاهرين الذين عملوا باسمه في المحكمة. أي تعاطف هذا الذي يأسر القلب إزاء شخص تنكر له بشكل فظ حتى منذ فترة غير بعيدة، بل ونفى كل علاقة له به وقال بوقاحة (بالأساس، بغباء برهن على ذعره) إن هذا الشاب الذي عمل كمتحدث باسمه في الشؤون الأمنية ليس موظفاً في مكتبه. وعندما أدرك الضرر، تحوّل بشكل كامل وتوجه بشكل مضحك، على أمل أن المديح والتوجه المباشر لأبناء العائلة (الذين لا يهمونه إلا كقشرة ثوم) سيمنع الابن من قول الحقيقة، وربما يصبح شاهداً ملكياً، كما هو التقليد في المكتب الأكثر إجرامية في تاريخ الدولة، بروحية وعلى شكل الزعيم.
مرة تلو الأخرى، توجه إلى “المواطنين الأعزاء”. فقد فاجأهم بالقول إن لائحة الاتهام ضد فيلدشتاين وضد جندي الاحتياط غير موجهة ضدهم – وبالطبع له – بل إلى “معسكر كامل”. كانت هذه رسالة واضحة للمعسكر، كي يقوم ويفعل أي شيء. “هي تستهدف منعه من هزيمة الأعداء”. وألمح بأن النيابة العامة و”الشاباك” يريدون القضاء عليه لمساعدة حماس وحزب الله والأعداء والأشرار الذين هبوا للقضاء علينا. أي “الخونة”. وراح يصف محققي “الشاباك” بـ “ملثمين”، انقضوا على بيت المشبوهين تحت جنح الظلام كما هو سائد في مثل هذه التحقيقات، وكما هو معروف له جيداً. وقال: “هذه المصيدة لم تردعني. ولا أريدها أن تردعكم”.
العيون التي استهدفها فيلم الرعب هذا هي عيون رونين بار. خطوة عنيفة بشكل خاص، لكنها ليست الأولى، في طريق نتنياهو للتخلص من رئيس “الشاباك”. حافظ بار على النزاهة عندما تصرف وفقاً للبروتوكولات والقانون في قضية فيلدشتاين ولم يخضع كي يستطيع نتنياهو التهرب من تقديم شهادته في المحكمة. الآن، يوجه المتهم المذعور ضربة تلو الأخرى، التي مهمتها الرئيسية إعداد الرأي العام لليوم الذي سيحصل فيه بار على كتاب الإقالة، كما فعل مع غالانت. الدكتاتور لم يعد يحسب أي حساب، سواء للاحتجاجات أو الإجراءات القضائية المضادة المحتملة. ولكن يجب عليها الوقوف في طريقه إلى بار، وبعد ذلك إلى المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا.
هآرتس 24/11/2024