تونس ـ «القدس العربي»: لمهرجان الأغنية التونسية خصوصية باعتباره المناسبة السنوية التي يستعد لها فنانو تونس من مغنين وملحنين وشعراء وعازفين وغيرهم لتقديم آخر إنتاجاتهم الغنائية والفوز بالجوائز التي تفتح لهم أبوابا كانت موصدة. وكم من فنان محلي سطع نجمه انطلاقا من هذا المهرجان العريق الذي يعتبر إحدى العلامات المضيئة في الساحة الفنية التونسية التي تعاني مشاكل عديدة برزت في السنوات الأخيرة.
ودورة هذا العام من المهرجان خاصة بكل المقاييس باعتبارها تزامنت مع الحرب القذرة التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة وهو ما جعل المنظمين يخصصونها للتضامن مع فلسطين وشعبها الجبار الذي يواجه منفردا أعتى القوى في العالم. وأراد المنظمون للمهرجان من خلال تخصيص دورة هذا العام لفلسطين مزيد لفت أنظار العالم، من خلال وسائل الإعلام التي غطت الحدث، لمعاناة الشعب الفلسطيني في غزة على وجه الخصوص وكذلك في الضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة سنة 1948.
لأجلك يا فلسطين
تم افتتاح الدورة الاستثنائية لمهرجان الأغنية التي حملت شعار «لأجلك يا فلسطين» بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي والمكلف بتسيير وزارة الشؤون الثقافية منصف بوكثير وعدد من السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدين بتونس وأهل الثقافة والإعلام. وارتفعت الراية الفلسطينية في ركح قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة بالتزامن مع عرض «كلنا غزة» وهي أوبريت من كلمات فيصل الشريف وألحان لطفي بوشناق وتوزيع منير الغضاب وقع عليها الاختيار لتفتح المهرجان.
وشارك في أوبريت «كلنا غزة» فنانون تونسيون من الصف الأول منهم مهدي عياشي وشهرزاد هلال ومحمد الجبالي وأسماء بن أحمد ومقداد السهيلي وآمنة فاخر وأنيس اللطيّف وألفة بن رمضان ولطفي بوشناق وليلى حجيّج والكورال الوطني لمسرح أوبرا تونس. كما عزفت الفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة المايسترو يوسف بالهاني النشيدين الوطنيين التونسي والفلسطيني في أرجاء قاعة الأوبرا وتم عرض أغنية «لمن يهمه الأمر» للفنان لطفي بوشناق ومغني الراب التونسي «سمارا».
وفاء وحنين
كما غنت ضيفة شرف المهرجان الفنانة اللبنانية أميمة الخليل أغنية «عصفور طل من الشباك» وتحدثت عن علاقتها المتميزة بتونس ومهرجاناتها وعن حبها لفلسطين ودعمها للقضية الفلسطينية وسعادتها بالمشاركة في افتتاح مهرجان الأغنية التونسية في هذه الدورة الاستثنائية المخصصة للمقاومة الفلسطينية.
ولم ينس المهرجان النضال التونسي من أجل الاستقلال ورموزه الذين خلدتهم الأغنية التونسية مثل محمد الدغباجي ومنوبي «الجرجار» وكلاهما تم إعدامه من قبل السلطات الاستعمارية الفرنسية بسبب نضالهما من أجل الحرية والكرامة ولم يشهدا الاستقلال. فالمهرجان يتزامن أيضا مع إحياء تونس لذكرى استقلالها الذي أتى بعد ملحمة طويلة وقاسية من الكفاح والنضال السياسي والمسلح الذي شاركت فيه كل جهات البلاد من دون استثناء وتوج بجلاء آخر جندي فرنسي عن مدينة بنزرت الشمالية.
تسعة أعمال
وأعلن المنظمون خلال الندوة الصحافية التي سبقت المهرجان عن أن تسعة أعمال غنائية تم انتقاؤها لتتنافس على الجوائز في المسابقة الرسمية على أساس استجابتها لمحور المقاومة الذي تقوم عليه هذه الدورة من بين 51 عملا تم تقديمها. ومن بين هذه الأعمال «معليش» من أداء وألحان عز الدين خلفة وكلمات محمد الغزال كثيري وتوزيع محمد حسن السراي، و«تراب» من أداء خليلي الربشني وخليل الباهي وكلمات وألحان وتوزيع قيس الزائري، و«ثاني وطن» من أداء أميمة الحوات ومن كلمات البشير اللقاني وألحان وتوزيع محسن الماطري.
ومن بين الأعمال المنتقاة أيضا «ضد من كان تجنى» أداء مرام بوحبل وكلمات البشير بن حامد وألحان وتوزيع صبري عوني و«أرض الأنبياء» أداء عفيفة العويني وكلمات الجليدي العويني وألحان وتوزيع منير الغضاب، و«زيتون الدار» أداء هيفاء بن عامر وكلمات غادة محمود عبد الله الخليل وألحان محمد علي بن الشيخ وتوزيع أسامة المهيدي. وكذلك «حلفت يمينا» أداء ناجحة جمال وكلمات حنان قم وألحان وتوزيع نزار عبد القادر و«علّي الصوت» أداء وألحان أحمد عنتر وكلمات هشام السالمي وتوزيع أحمد عنتر ومنير الغضاب، و«نشيد الحياة» أداء نادية القصيبي وكلمات رابح المجبري وألحان ياسين بن سعيد وتوزيع منير الغضاب.
وشهد المهرجان استضافة فنانين ملتزمين تونسيين عرفوا بإبداعهم في مجال الفن الملتزم وتربت على أصواتهم أجيال من المثقفين ومن أبناء الجامعة التونسية التي تميزت خلال العقود الماضية بنقاشاتها الفكرية والسياسية العميقة التي كانت تتناول أمهات القضايا في تونس والعالم. ومن بين هؤلاء الفنانين نبراس شمام وفرقة البحث الموسيقي بقابس الشهيرة بعديد الأغاني التي بقيت في الذاكرة التونسية النخبوية على غرار «هيلا هيلا يا مطر» وفرقة أولاد المناجم التي ارتبط اسمها بقوى اليسار التونسي وطلبته، بالإضافة إلى الفنانين جمال قلة ومحمد بحر وصالح حميدات.
انفتاح على الفنون
كما تستضيف هذه الدورة معرضا فنيا للخطاط التشكيلي التونسي عبد الرزاق حمودة بعنوان اقتباسات من الأغاني التونسية واحتفاء بالمقاومة الفلسطينية. ومثلما يدل العنوان فإن المعرض تضمن لوحات مقتبسة من الأغاني التونسية ومن وحي العمل المقاوم في قطاع غزة والذي أبهرت من خلاله سواعد المقاومين الأشاوس العالم بأسره وذلك رغم محدودية الإمكانيات.
واعتبر البعض هذا المزج بين الغناء والموسيقى والشعر والفن التشكيلي أمرا محمودا وبادرة طيبة من المنظمين لإثراء المهرجان والمشهد الثقافي التونسي ككل لما لهذه الفنون من أهمية في تهذيب الذوق العام وفي التعريف بالقضايا العادلة. ويرى هؤلاء أن من الأفضل أن تتكرر هذه المبادرة ومبادرات أخرى هدفها إثراء المهرجان وذلك في الدورات المقبلة حتى يعود إليه ألقه وإشعاعه الذي افتقده خلال السنوات الماضية.
التنظيم أم الإلغاء
ترى الإعلامية التونسية لمياء الشريف المتخصصة في الشأن الثقافي في حديثها لـ«القدس العربي» أن تنظيم مهرجان الأغنية التونسية واستغلال الاهتمام الإعلامي به وضيوفه لحشد الدعم للقضية الفلسطينية أفضل من إلغائه تضامنا مع هذه القضية النبيلة مثلما حصل مع مهرجان أيام قرطاج السينمائية. لقد تم التنظيم في الموعد المحدد، حسب الشريف، وتم التذكير من خلاله بأن لنا إخوة في غزة يعانون الأمرين من آلة حرب همجية قذرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وعبر الحاضرون عن تضامنهم وشعروا بتقصيرهم إزاء إخوانهم في غزة وبعثوا برسائلهم إلى العالم وتم القطع مع التطبيع مع مشاهد الدمار الذي ساد أغلب بلدان العربية في الآونة الأخيرة.
وتضيف محدثتنا قائلة: «أن الفن كأحد رؤى العالم من منظور فلسفي، يجب أن يتماهى مع واقعه ويصور هذا الواقع ويتفاعل معه لا أن يقاطعه بتعلة التضامن وهذا ما حصل في مهرجان الأغنية التونسية الذي انطلق من معاناة غزة وساهم وإن بجهد بسيط في مزيد لفت نظر العالم لها. فالفن مثل الإعلام هو ناقل للواقع وباحث عن تغييره إن كان سيئا، ومثلما لا يجب أن يغيب الإعلام عن نقل معاناة الإنسان أينما وجد لا يجب على الفن أن يغيب ويقاطع كذلك خصوصا مع قضية عادلة ونبيلة وإنسانية مثل القضية الفلسطينية التي هي دون مبالغة قضية التونسيين الأولى التي لا تغيب عنهم حتى في فترات الهدوء».