لوس أنجليس – «القدس العربي» علق النجم العالمي روبرت ريدفورد على العملية الارهابية التي أدت الى مقتل عدد من صحافيي مجلة «شارلي إيبدو» في باريس، في مؤتمر افتتاح مهرجان صندانس الذي أسسه قبل 31 عاما، قائلا «أظن أن هناك هجوما على حرية التعبير في أماكن مختلفة كثيرة، وذلك ليس محصورا بباريس.
وأضاف كان حدثا حزينا وصادما، ولكن أشعر أنه كان دعوة للاستيقاظ. نحن هنا نؤمن بالتنوع، وحرية التعبير أمر اساسي بالنسبة لنا، كما هو واضح من افلامنا. التي سوف تزعج بعض الناس، ولكن هذا ليس خطأ. هذه هي التنوعية التي تعرض لنا أشياء من أماكن مختلفة ومن وجهات نظر مختلفة. وحرية التعبير في خطر في مجالات كثيرة، ونحن من ناحيتنا هنا سوف نعمل كل ما بوسعنا لابقائها على الحياة».
وبالفعل فان كثيرا من أفلام «مهرجان صندانس» تتناول مواضيع سياسية، اجتماعية ودينية مثيرة للجدل واستفزازية عادة تتفادها هوليوود.
ولكن ريدفورد يؤكد ان تأسيس صندانس لم يكن تمردا على هوليوود وإنما تعبئة فجوة خلقها منهج انتاج الافلام الدارج في هوليوود، التي توقفت عن صنع أفلام جوهرية ذات ميزانيات ضئيلة، وركزت على انتاج الأفلام الضخمة المدججة بالمؤثرات الخاصة، التي تجذب الأجيال الشابة لصالات السينما.
«هوليوود دائما تلاحق المال وبحق. ولهدا قمت بتأسيس «صندانس» لكي نركز على الأفلام المستقلة، وهي الأفلام الصغيرة المتنوعة. ببساطة أردت أن أضع الحياة في شيء كان على حافة الهلاك».
واختار ريدفورد مدينة بارك سيتي الجبلية مركزا للمهرجان بدلا من مدينة كبرى مثل لوس انجليس أو نيويورك لكي يمزج فن السينما مع الطبيعة الخلابة بعيدا عن إزعاج المدن الكبرى: «السبب الاول هو انه كان مستحيلا تمويل مشروع من هذا النوع في مدينة كبيرة، والسبب الثاني هو أنني كنت أظن أن الطبيعة سوف تمنح صانعي الأفلام الحرية، والأمان والإلهام».
ولكن ريدفورد يعترف ان صنع الافلام تغير جذريا في الاعوام الأخيرة وانه يواجه منافسة قوية من الافلام والمسلسلات التلفزيونية التي أصبحت تتفوق مضمونا وإبداعا: «التلفزيون اصبح سينما. الفرق بينهما اختفى وسبب ذلك هو أن الفيلم الدارج ينكمش. صعب هذه الأيام لفنان أن يجد منفذا الى صناعة الأفلام. والأن هناك تشابها بين السينما المستقلة والتلفزيون من ناحية نوعية الفنانين والمضامين والابتكار». فعلا فقدا تم ادراج مسلسلات تلفزيونية هذا العام في برنامج المهرجان مثل مسلسلي «كيف ترقص في اوهايو» و»حيوانات» الذين سوف تعرض حلقاتها الستة بالكامل. ووصف ريدفود هذا التطور «بتغيير جذري في عالم السينما المستقلة».
يذكر أن فيلم يقوم ببطولته ريدفور وهو «مشي في الأحراش» يشترك في المهرجان، ولكن النجم الهوليوود البالغ 78 من عمره ينكر أنه كان وراء اختياره، مؤكدا أنه لا يتدخل في قرارات اختيار األام المهرجان.
وتنبع أهمية مهرجان «صندانس» من كونه الأكبر عالميا للسينما المستقلة، وقاعدة انطلاق لأفلام غير هوليوودية ذات ميزانيات ضئيلة غالبا تكون الاولى أو الثانية لمخرجيها. فكثير من المخرجين الذين حضروه بأفلامهم الاولى، تحولوا من مجهولين الى نجوم سينما عالميين، مثل كوانتين تارنتينو، ستيفين سودوبرغ، دافيد او راسل و ريتشاد لينكلاتر.
الافلام التي اشتركت في مهرجان عام 2014، ترددت في مهرجانات لاحقة مثل برلين، كانّ، فينيسا، برلين، لندن وغيرها، وما زالت بعضها تتصدر عناوين الصحف لنيلها جوائز سينمائية مهمة مثل فيلم الافتتاح والفائز بجائزة الجمهور والتحكيم «سوط» وهو فيلم المخرج الشاب داميان غزال الطويل الاول «سوط»، الذي رشح مؤخرا لجوائز اوسكار دهي فئة أفضل فيلم وافضل ممثل مساعد، وفيلم المخرج ريتشارد لينكلاتر «الصبا» الذي حصد كل الجوائز السينمائية ومن أهمها جائزة «غلودن غلوب» لافضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثلة مساعدة، كما يُتوقع ان يقتنص جوائز أوسكار مشابهة الشهر المقبل. لا عجب اذا أن 4105 أفلام طويلة من الولايات المتحدة وخارجها (وهذا يشكل ارتفاعا قدره 50 فيلما عن عدد الأفلام التي عُرضت العام الماضي) و 8000 فيلم قصير قدمت للمهرجان للمعاينة في مرحلة الاختيار، آملة أن تشترك فيه هذا العام. وفي الشهر الماضي أعلن المهرجان عن اختيار 188 فيلما طويلا منها 103 أفلام تعرض لأول مرة.
الغريب هو أن الأفلام الأمريكية الـ18 التي تتنافس في مسابقة الافلام الطويلة الروائية هي الأكثر تجاريا اذ يقوم ببطولتها نجوم هوليووديون ويخرجها مخرجون معروفون. ولكن مدير المهرجان، جون كوبر، يؤكد أنه رغم مظهرها التجاري فهي تتسم بطابع مستقل ومعبأة بروح السينما المستقلة. ومن ضمن هذه الافلام: «أخر الأيام في الصحراء» من بطولة ايان ماكريغير ويدور حول علاقة المسيح مع ربه والشيطان، والفيلم الرومانسي «بروكلين» الذي تلعب فيه ساويرس رونان دور مهاجرة ايرلندية في امريكا و»ّأنا فرانك» من بطولة جيمس فرانكو الذي يجسد دور صحافي مثلي يتنكر لمثليته ليصير قسيسا. ويقوم فرانكو ايضا ببطولة فيلم «قصة حقيقية» الذي يحكي قصة متهم بالقتل يسرق هوية صحافي يعمل في صحيفة «نيويورك تايمز».
كما افتتح المهرجان فيلم «الارض الغريبة» من بطولة النجمة نيكول كيدمان، وغاي بيرس وهيوغو ويفينغ ومن اخراج ماثيو باركر، وهو يدور حول زوجين تتأزم علاقتهما ويشرفان على الانفصال في أعقاب اختفاء ولديهاما المراهقين في الصحراء الأسترالية، ويجبران عندئذ على مواجهة لغز مصير ولديهما.
واضح من الأفلام المذكورة اعلاه ان ما يميز أفلام مهرجان «صندانس» ليس رخص انتاجها وحسب وانما المواضيع المثيرة للجدل والاستفزازية التي تتناولها، منها السياسية والاجتماعية والتاريخية، مثل الفيلم الوثائقي «توضيح: السيانتولوجيا وسجن الايمان» الذي يكشف عن خبايا كنيسة السيانتولوجيا من خلال لقاءات مع اعضاء سابقين. أو «شاك نوريس مقابل الشيوعية» الذي يدور حول شعبية نجم أفلام الكاريتيه في رومانيا في الثمانينيات، أو «وولفباك» عن مجموعة اخوة مراهقين محبوسين في شقة في نيويورك ومشاهدة الأفلام هو رابطهم الوحيد للعالم الخارجي. وهناك أيضا «اهلا في ليث» عن بيض عنصريين يحاولون السيطرة على بلد صغيرة و»مطلوب فتيات حاميات» عن استدراج فتيات صغيرا للعمل في الأفلام الإباحية و»ساحة الصيد» الذي يكشف عن ظاهرة الإغتصابات الجنسية المنتشرة في الجامعات الامريكية، و»سر مفتوح» عن الاستغلال الجنسي للممثلين الذكور في هوليوود، و»3/12 دقيقة» عن الاحداث العنصرية التي وقعت مؤخرا في مدينة فيرغسون، و»خوف» الذي يعالج سياسة مناوئة الارهاب.
ويشترك في مسابقة الروائي الدولي 12 فيلما عالميا آتية من بريطانيا، كندا، البرازيل، ليتوانيا، واوكرانيا وسواها. و13 فيلما اخرى تتنافس في مسابقة الوثائقي العالمي. للأسف هناك غياب تام للافلام العربية. ويذكر أن فيلما سوريا وهو «الخروج من حمص»، فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان العام الماضي.
حسام عاصي