ثمة أسئلة تبرز إلى الأمام وبقوة بعد أن أسقط الشعب السوري أخيراً نظام الطاغية بشار الأسد؛ وفي مقدمتها هل تشهد ميادين التحرير والتغيير في ساحات غالبية الدول العربية موجة ثانية للربيع العربي وتطيح بالنظم العسكرية الاستبدادية؟ خاصة وأن ظواهر البؤس والحرمان والاستبداد وغياب العدالة والكرامة والمواطنة هي سيدة المشهد حتى اللحظة.
الفساد والإفساد
يلحظ المتابع اشتداد وطأة القبضة الفولاذية للنظم العربية الحاكمة في غالبية الدول العربية منذ عدة عقود خلت، لكن الأخطر أن تلك الدول باتت خلال العقد الأخير تعتمد إلى حد كبير على مليشيات وعصابات طائفية داخلية أو عابرة للحدود بشكل لافت على حساب مؤسسات الدول، ليصبح المواطن العربي أسيرا لمصطلحات عديدة فرضتها تلك النظم، وباتت هي الناظم الوحيد لحركة المجتمعات العربية ونشاطاتها المختلفة، في الوقت الذي تتطلع فيه تلك المجتمعات إلى بناء المؤسسات التي تعبّر عن ديناميكية المجتمع وقدراته وقواه الحقيقية وكفاءاته الكامنة، لتنتشر ظاهرة الفساد والإفساد وتصل إلى أهم سلطة في الدولة المتمثلة بالقضاء، ولتصبح الرشوة سيدة الموقف، وليصبح الحق باطلاً والباطل حقا في غالب الأحيان، لكن الحَكَم والجلاد يبقى في نهاية المطاف سلطة العسكر، العسكر وحدهم، ولتنتشر بعد ذلك ظاهرة الفساد والإفساد والتسلّط في مناحي الحياة كافة في غالبية الدول العربية، مع استمرار تبوؤ تلك النظم ريادة الحياة السياسية والاقتصادية.
تبديد الطاقات
تحكم أقلية من السكان التي تعيش على فتات النظام السياسي القائم بالقسم الأكبر من الدخل القومي لهذه الدولة أو تلك، وكان ذلك مقدمة لتهجير الملايين من الدول العربية باتجاه الغرب وبينهم طاقات علمية وأكاديمية عالية، وبقيت أكثرية المجتمعات العربية عُرضة لتفاقم ظاهرة الفقر المدقع والبطالة والجوع والحرمان،وقد أدى ذلك إلى تحكم أقلية من السكان التي تعيش على فتات النظام السياسي القائم بالقسم الأكبر من الدخل القومي لهذه الدولة أو تلك، وكان ذلك مقدمة لتهجير الملايين من الدول العربية باتجاه الغرب وبينهم طاقات علمية وأكاديمية عالية، وبقيت أكثرية المجتمعات العربية عُرضة لتفاقم ظاهرة الفقر المدقع والبطالة والجوع والحرمان.في مقابل ذلك يتوزع الدخل القومي بشكل أكثر عدالة نسبياً في الدول المتطورة، وبالأرقام ثمة 10 في المائة من سكان الوطن العربي يستحوذون على 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يجعل 90 في المائة من السكان تحت خط الفقر، ويضعف خياراتهم الصحية والتعليمية والترفيهية.
سلطة العسكر
تبوأ العسكر السلطة في غالبية الدول العربية إثر استقلال وهمي قبل أكثر من سبعة عقود خلت، وتبعاً لذلك تمت سطوة العسكر على كافة مقاليد الحياة في غالبية الدول العربية، وتمّ إخضاع المؤسسة العسكرية لتوجهات النظم المستبدة، حيث لم يتم تشكيل الجيوش وصياغة المؤسسة العسكرية بشكل يلبي تطلعات الشعوب العربية وتطورها، ناهيك عن حفظ الأمن والسلم الأهلي، وحماية الأوطان من أي عدو خارجي يتربص بالدول العربية ومقدراتها الوفيرة. وكانت موازنات الجيوش العربية وما زالت عبئاً إضافيا على الشعوب العربية والتنمية المستدامة والتعليم والصحة والرفاه الاقتصادي والاجتماعي. وتشير دراسات إلى أن إجمالي الإنفاق العسكري والأمني التراكمي للبلدان العربية قدِّر بنحو تريليون و(700) مليار دولار خلال فترة ما بين 2002 و2024. ومرد ارتفاع الإنفاق العسكري والأمني لغالبية البلدان العربية ن بغرض دعم عدد أفراد الجيوش والأجهزة الأمنية، وشراء أسلحة ومعدات عسكرية وأمنية، ورفع رواتب العسكريين وأفراد قوات الأمن بمختلف مسمياتها للحفاظ على العروش في الدرجة الأولى.
وتبعاً لذلك، يفوق حجم ما تنفقه الدول العربية وبلدان أخرى في العالم الثالث على المجال العسكري، ما يتم إنفاقه على التنمية الاقتصادية والمجتمعية والبنية التحتية وخلق فرص عمل والتعليم والصحة والبحث العلمي وغير ذلك، ويترجم ذلك بعدم إخضاع الإنفاق على التسلح والأمن لمعايير تراعي ضرورات أن لا يؤثر على متطلبات تنمية مستدامة ومتوازنة، ومعالجة المعضلات الاقتصادية والفقر والعوز والحرمان في الخدمات العامة والرعاية الاجتماعية.
مستقبل محتوم
من نافلة القول أن غالبية الشعوب في الدول العربية ترزح تحت سيف التهجير والفقر والحرمان، فضلاً عن اتساع معدلات الأمية وهجرة مزيد من رأس المال البشري العربي ورؤوس الأموال العربية المالية إلى الدول الغربية كأمريكا والدول الأوروبية التي تتمتع باقتصاديات قوية ومتطورة، في وقت وصلت فيه قيمة الديون الخارجية على الدول العربية خلال العام المنصرم 2023 إلى أكثر من تريليون ونصف التريليون دولار، وكافة تلك المؤشرات البائسة إنما هي زلازل من صناعة النظم العربية المستبدة والمتحكمة برقاب الشعوب العربية ، وتبعاً لذلك ستنطلق موجات ربيع عربي جديدة وشاسعة بعد سقوط نظام الطاغية بشار الأسد أخيراً مطالبة بالعدالة والحرية والكرامة وصولاً إلى إسقاط النظم المستبدة وهذا مستقبل محتوم كنظام الطاغية الهارب بشار الأسد.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا