وادان (شمال موريتانيا) ـ «القدس العربي»: انطلقت من مدينة وادان (أقصى الشمال الموريتاني) الجمعة، فعاليات النسخة العاشرة من مهرجان المدائن الموريتانية القديمة بحضور الآلاف من رجال العلم والثقافة وعدد كبير من المختصين في الآثار والتاريخ.
وأكد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في كلمة افتتح بها هذا المهرجان الكبير، “أن إطلاق مهرجان المدائن القديمة من مدينة وادان، التي ظلت مصدر إشعاع حضاري ومنارة علمية سامقة والمعبرة في عمرانها وثقافتها عن أصالتنا، يجعل هذه المدينة العريقة عاصمة للثقافة الوطنية ومصدر إلهام للعبقرية الموريتانية”.
“فهذه المدن، يضيف الرئيس الموريتاني، مثلت عبر التاريخ مناطق جذب للعلماء والطلاب ومراكز إشعاع للعلوم الإسلامية والمعارف الإنسانية التي حملها علماؤنا الأجلاء جنوب الصحراء وشمالها وعرفت ساكنتها على مر العصور بالتمسك بتعاليم ديننا الحنيف، دين الوسطية والاعتدال”.
وأعلن المختار ولد داهي، وزير الثقافة الموريتاني في حفل افتتاح المهرجان، “أن ثروة موريتانيا الثقافية تحتاج لوضع مقاربة جديدة، وتكشف عن كنوزها وتنشرها وتقدمها للعالم”.
وأضاف “أن المقاربة الجديدة ستسهم في استقطاب الاستثمار والحد من هجرة السكان، وحماية الحيز الجغرافي من التصحر وزحف الرمال”، مشيراً إلى التوجه نحو المزيد من التنقيب عن الكنوز الأثرية وترميمها، قائلاً: “سنبذل كل اللازم لكشف تلك المناجم التراثية العريقة”، مضيفاً: “ليس من الممكن أن يبقى تاريخنا حبيساً للطمر والنسيان”.
ويتضمن برنامج المهرجان الممتد على خمسة أيام، فعاليات ثقافية وفنية وندوات تاريخية ومعارض للتراث، تعكس، وفقاً لوزارة الثقافة الموريتانية، اهتماماً جديداً بالمدن التاريخية، وحرصاً على انتشالها من الإهمال وإيلائها ما تستحقه من عناية بوصفها الشاهد على عراقة موريتانيا وأصالتها العربية والإسلامية.
وضمت معارض المهرجان أجنحة للكتب والمخطوطات والمصنوعات التقليدية الموريتانية بمختلف أنواعها ومنتوج التعاونيات الزراعية ومنتوجات النخيل.
ونظم المشرفون على تراث المدن القديمة الأربع وهي شنقيط، وودان، وتيشيت وولاته المصنفة تراثاً بشرياً من طرف منظمة اليونيسكو، معارض خاصة بكل مدينة ضمن المهرجان الحالي.
وأظهرت المعارض بما ضمته من قطع تراثية أن هذه المدن شكلت عبر تاريخ موريتانيا مواقع تلاق وتمازج بشري ومراكز تبادل تجاري ومنارات إشعاع علمي وفكري، كما تعاضدت جهود المشرفين على المدن الأربع في تنظيم قرية ثقافية جميلة زاخرة بالمنتوج الثقافي الوطني.
وتشمل نشاطات هذا المهرجان الكبير محاضرات عن تاريخ وثقافة المدينة والتحولات التي شهدتها، ومعارض الصناعات التقليدية، وجلسات الشعر الشعبي، ومسابقات الفروسية والنسيج اليدوي والحكايات القديمة، وعروض اللباس التقليدي والعادات والتقاليد الخاصة بالأفراح الشعبية، إلى جانب مسابقات في تلاوة القرآن والسيرة النبوية، والرماية والكرة الحديدية وسباقات للإبل والفروسية.
وبمناسبة المهرجان، تستضيف ساحات وشوارع وطرقات وادان العبقة بأريج الأصالة والعراقة، أسواقاً ومعارض تجارية وسياحية متنوعة، حيث يعرض الصناع التقليديون الموريتانيون المبدعون التحف الفنية والأثرية، وتنتعش بهذه المناسبة تجارة الخيام والأغطية والقماش والعطور.
ويتضمن برنامج المهرجان السابع للمدن القديمة، محاضرات عديدة ستتناول بالتعريف والنقاش الكيانات السياسية كالممالك والإمبراطوريات التي قامت على أديم أرض موريتانيا عبر مسيرتها التاريخية، والتي شكلت المدن القديمة المندثرة حواضر ملكها ومراكز نفوذها. كما يشمل برنامج المهرجان الممتد على مدى خمسة أيام بلياليها، إظهار المكانة التي حظي بها الفضاء الوطني الموريتاني لحقب طوال من الزمن كإطار لتحولات اقتصادية واجتماعية، مع إبراز الدور المحوري الذي لعبته موريتانيا في تحديد ملامح السيرورة التاريخية للمنطقة الساحلية الصحراوية.
وستتناول ندوات المهرجان الفكرية إظهار الضرورة القصوى والملحة لتطوير المدن الموريتانية القديمة الأربع، وعصرنتها والنهوض بها على الصعد كافة عن طريق تأهيل وتثمين وتوظيف ما تتوفر عليه من تراث علمي ومعماري وفني وأثري، ومن مهارات متأصلة في المجالات الحرفية والفلكلورية، والتي تنم عن عبقرية حقيقية يمكن تحويلها إلى موارد ذات مردودية كبرى ورافعات اقتصادية معتبرة.
وأعلن خلال احتفالية افتتاح المهرجان عن عملية تنشيط للحركة الاقتصادية والتنموية لمدينة وادان وأخواتها، عبر ضخ تمويلات مهمة بلغ مجموعها ثلاثة مليارات أوقية موجهة لإنجاز مشاريع اجتماعية واقتصادية. وظلت مدينة وادان التي تحتضن النسخة العاشرة من المهرجان، واسطة عقد المدن الموريتانية القديمة المصنفة تراثاً عالمياً، حيث كانت تؤمها قوافل التجارة قادمة من الجنوب الشرقي تحمل خيرات إفريقيا السمراء، وتؤمها قوافل من إفريقيا الشمالية في منطقة المغرب العربي في حركة نشطة على ظهور العيس أيام كانت الإبل سفناً تمخر عباب الصحراء .
وتعتبر مدينة “وادان” أثرى المدن الموريتانية القديمة بنفائس المخطوطات بحكم توسطها طريق القوافل وعرفت بعلمائها وأدبائها عبر العصور وأكثر من ذلك بصناعاتها.
وتتصدر مدينة وادان قائمة المدن القديمة المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو وضمن المدن التاريخية والأثرية المهددة بالانقراض.
وتضم مدينة “وادان” مكتبات تزخر بالمخطوطات والمصنفات التي تظهر أن اهتمام علماء موريتانيا لم يكن مقصوراً على العلوم الشرعية واللغوية والإنسانية فحست، وإنما تجاوز ذلك إلى علوم الفلك وعلم الأنواء والحساب والهندسة والطب والبيطرة وغيرها من علوم الطبيعة.
وتقع مدينة وادان شمال شرق موريتانيا على بعد 93 كيلومتراً شمال شرق مدينة شنقيط، وتأسست عام 536 هجرية، حيث تحولت في ظرف سنوات قليلة إلى نقطة لتلاقي القوافل والتجارة خلال القرن الحادي عشر الميلادي. وتنقسم حالياً إلى قسمين، حديث مأهول بالسكان وتقع فيه المباني الإدارية، وآخر قديم يسمى المدينة القديمة والتي يعود تأسيسها إلى القرن السادس الهجري والثاني عشر الميلادي، وتقول جل الروايات التاريخية إن أصل كلمة وادان – رغم أنها تلفظ عموماً «ودان»- هو أن فيها واد من العلم وواد من التمر.
لعبت دوراً أساسياً على صعيد الإشعاع العلمي والديني عبر التاريخ، خاصة في منطقتي المشرق وغرب إفريقيا، غير أن المدينة التاريخية تعرضت لعدة عوامل أدت فيما بعد إلى تناقص إشعاعها العلمي وأفول رخائها الاقتصادي والتجاري، إذ تعرضت لغزو من عدة جيوش، نهبوا المخطوطات وشردوا العلماء، وشهدت فتناً داخلية كبيرة وتوقفت تجارة القوافل بسبب ظهور وسائل مواصلات أكثر سرعة وأمناً.
هذا وعرفت منطقة الصحراء الكبرى التي تشمل موريتانيا، عبر حضارات تعاقبت في حقب مختلفة، وجود مدن تاريخية تدل على عظمة هذه الحضارات، منها على سبيل المثال لا الحصر المدن الأثرية الموريتانية، وهي: أوداغست، وكمبي صالح، وولاته، وتشيت ووادان.
موريتانيا هي دولة المرابطين