نواكشوط – «القدس العربي»: نفضت أسفار وكتب التاريخ وحمي وطيس جدل كبير مشتد هذه الأيام في موريتانيا حول أصول قبيلة صنهاجة أكبر قبائل الصحراء الكبرى، وحول ما إذا كان أصلها حميري أم بربري وحول أدوارها التاريخية.
وبدأت شرارة هذا الجدل عندما دوّن الوزير سيدي محمد ولد محم، عن الموضوع مؤكداً «أن البحث لقبائل صنهاجة عن نسب حميري، فيه الكثير من التعسف والقفز على الأدوات المعاصرة لقراءة التاريخ».
وقال: «لست أدري ما الذي ينقص صنهاجة لتبحث عنه في حمير، فقد قدمت قبائل صنهاجة بعد الإسلام الكثير الكثير لهذا الدين وللغة العربية، وأوصلتهما إلى حيث لم تصل العرب العرباء مطلقاً. وانتساب صنهاجة لحمير تنفيه أبسط نظرة إلى حقائق تاريخية، أهمها أن منشأ حمير يعود إلى 115 سنة قبل الميلاد، فلا وجود لمسمى حمير قبل هذا التاريخ، بينما كانت القبائل البربرية أو الأمازيغية (ومنها صنهاجة) على هذه الأرض قبل ما يزيد على 5000 سنة، وهو ما يشهد به خط «التيفيناغ» المنقوش بجبال آدرار ومناطق عديدة من هذه البلاد، وهو الخط الذي يعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد وقبل وجود حمير التي ورثت من السبئيين خط المسند، بل وقبل وجود الخط الفينيقي بأكثر من 2000 سنة».
وأضاف: «مما يظهر أن صنهاجة أعرق وأرسخ قدماً في التاريخ والحضارة من حمير وإلى اليوم، وإن كانت حمير أكثر حظاً من حيث اهتمام المؤرخين القدامى بحكم قربها من المناطق التي شكلت مهداً للعديد من الديانات والحضارات، بينما ظلت صنهاجة في منتبذها القصي رغم تأثرها الكبير بما دار شرقا، إذ يرى بعض المؤرخين أن صنهاجة أو بعض قبائلها اعتنقت اليهودية في فترة من الفترات، وكذلك المسيحية لاحقاً».
وتابع ولد محم: «قد أتفهم إصرار بعض بيوت صنهاجة أو غيرهم على ربط نسبهم بنسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو بنسب بعض أصحابه مهاجرين أو أنصاراً، لما يحمله من دلالة تاريخية واجتماعية على عدم أهميته شرعاً، لأن كل الناس في نظر الشرع لآدم وآدم من تراب، لكني لا أفهم هذا الجري المضني وراء حميرية صنهاجة وهي أغنى ما يكون عنها، خصوصاً إذا ما أدركنا أن التقدم العلمي اليوم يوفر لنا من الأدوات ذات القيمة العالية لقراءة التاريخ ما يغني عن روايات ومرويات قد لا تجد ما يعضدها، أو تحركها دوافع كان المغلوب فيها مضطراً أو مختاراً مولعاً بالتماهي والذوبان في الغالب».وانتضى المفكر الموريتاني الدكتور السالم بن ديدي عبود، قلمه للرد على الوزير ولد محم قائلاً: «نعم… معالي الوزير سيدى محمد ولد محم حفظكم والله ورعاكم، ما كان ينبغي للتابعي عبيد بن شرية الجرهمي المتوفى 67هـ ، في كتابه «أخبار الملوك» أن يبحث لصنهاجة عن نسب حميري ويتعسفه ويقفز على رأيكم الكريم (انظر الصفحة 421، و42) وكذلك نقول للتابعي الآخر وهب بن منبه المتوفى 114 للهجرة: ما كان أغناك في كتابك «التيجان في ملوك حمير» الطبعة الأولى 1347هـ تحقيق مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، عن التعسف والقفز؛ ولعل المؤرخ النسابة محمد بن السائب الكلبي المتوفى 204هـ ، يضيف الدكتور ديدي عبود، في إثباته لحميرية صنهاجة تعسف عفا الله عنه، حيث يقول في كتابه «نسب معد واليمن الكبير»: «وأقام من حمير في البربر صُنهاجة وكتامة» انظر ج2/ص548 طبعة عالم الكتب».
وقال: «أما العلامة النسابة أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني المتوفى 334هـ في كتابه «الإكليل في أنساب حمير وأيامها» فقد تفنن في التعسف والقفز، حيث يقول: «إن لمتونة فخذ من صنهاجة، وصنهاجة فخذ من عبد شمس بن وائل بن حمير، وأن الملك إفريقش لما خرج غازياً نحو بلاد المغرب وأرض إفريقية وهي مشتقة من اسمه وخلف بها من قبائلها وزعمائها صنهاجة» (انظر الأنيس المطرب، لعلي ابن أبي زرع ص/75).وعاد الوزير ولد محم ليتدارك، في رد على الدكتور عبود، قائلاً: «لم يكن ولن يكون هدفي الدخول في نقاش أو جدل تاريخي حول حميرية صنهاجة من عدمها، لقناعتي بأن صنهاجة نسب قائم بذاته، وفعل إيجابي على هذه الأرض الممتدة من جنوب أوروبا حتى أدغال إفريقيا، ومنذ آلاف السنين، لا تُشرفه حميريته ولا تحط منه بربريته، وقد حسم ابن خلدون كل جدل حول الموضوع حين قال إن بربرية صنهاجة محل إجماع بين كل المحققين من نسابة البربر، ومحل خلاف بين نسابة العرب، بل كانت الفكرة الأساس مما كتبت هي أن الحميرية ليست غاية، فالعروبة لمن يريدها ليست نسباً لدى أغلب منظريها، وإلا فقريش نسباً هي من ولد إسماعيل ابن إبراهيم ولا خلاف في أنهما آراميان من حران أو أور».
وأضاف: «لم أتجاوز حين قلت إن الشرع لا يولي أهمية كبيرة لذلك، إذ كل الناس لآدم وآدم من تراب، وكون الشرع حرص على حفظ النسب وجعله أحد مقاصده فليس بهدف التفاضل مطلقاً ولا إعطاء أفضلية لنسب على آخر أو لعرق على عرق أبداً، والنصوص القطعية الورود قطعية الدلالة في ذلك عديدة ومتنوعة».«أما الرواة والنسابة الذين استظهر بعض الإخوة برواياتهم، يضيف ولد محم، فأغلبهم لا يُعتد بما نسب إليه، كعبيد بن شرية الذي يشكك العديد من المؤرخين في نسبة كتاب «أخبار الملوك» إليه أصلاً بغض النظر عن صحة مضامينه، والثابت أن كل كتبه إن ثبت وجودها فقد ضاعت ولم تصلنا، وكذلك وهب بن منبه الذي لو أخذنا بروايته لكان لزاماً علينا استيعاب هذا السيل الدافق من الإسرائيليات الذي ملأ به وهب بن منبه تاريخ وتراث المسلمين، دون أن أنسى البقية من الذين رووا عنهما، والذين ينسبون الناس في القرن السابع الميلادي حتى يصلوهم بآدم كالكلبي والطبري وابن الأثير، وهو ما يستخلص منه القطع بظنية هذه الروايات كُلا، والجزم بعدم قطعيتها كُلا، ويبقى وجود صنهاجة على هذه الأرض ولمّا تطأها قدم عربي، وفي محيط بربري صرف حقيقة وأصلاً لا يرتفعان إلا بدليل قطعي».
وفي هذا الخضم، انتقد مدونون موريتانيون كبار، الانشغال بالأنساب في القرن الحادي والعشرين، وكان من أبرزهم المفكر الإسلامي محمد جميل منصور الذي دخل في معمعان النقاش ليكتب: «أحبتي، سواء من العرب كنتم أومن الأمازيغ، أفارقة أو من أصول آسيوية، بيضاً أو حمراً أو سوداً، يرجع نسبكم يقيناً أو تقديراً، ظناً أو شكاً، إلى العرب أو الزنج أو البربر أو من عاصرهم أو سبقهم أو لحق بهم من ذوي السلطان الأصغر أو الأكبر؛ كل هذا لا يهم إلا عند المؤرخين والإنثربولوجيين وعلماء الاجتماع؛ فالذي يهمنا نحن هو أن التقوى هي معيار الفضل عند الله، والصلاح والالتزام والفائدة والخدمة هي معايير الفضل عند الناس، انتهى».
الخلاصة أن جيناتنا خليط من الأمازيغ والأفارقة والعرب والأروبيين وحتى شيئ من الأتراك …في النهاية نحن بشر ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا …يعني لا يوجد شعب صحراوي يوجد فقط حدود خلفها الإستعمار وهناك للأسف من لازال يقدسها