نواكشوط ـ «القدس العربي»: انتهز الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز الموقوف منذ أشهر على ذمة التحقيق في قضايا فساد، الجدل المشتعل في موريتانيا حالياً حول إجازة البرلمان لقانون حماية الرموز، فوجه أمس في رسالة إلى الشعب انتقادات شديدة لنظام الرئيس الغزواني.
وسارع المختار ولد داهي، وزير الثقافة الناطق باسم الحكومة، للرد على رسالة الرئيس السابق مؤكداً في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، “أنه لا يستغرب من تهجم ولد عبد العزيز على قانون يحمي الرموز الوطنية، لأن فترة الرئيس السابق شهدت دوساً غير مسبوق على الرموز الوطنية والدينية والمرجعية”.
واعتبر ولد عبد العزيز في رسالته التي نشرها بعد صمت طويل “أن قانون الرموز الذي اقترحته الحكومة وصادق عليه البرلمان، يشكل انتكاسة حقيقية للمكتسبات الديمقراطية تنضاف لسابقاتها”، مبرزاً “أن قانون الرموز سينسف حرية الانتقاد وحرية التعبير وحرية النشر وحق المعارضة، وهو أخطر قانون تمت المصادقة عليه منذ اعتماد النظام الديمقراطي في موريتانيا”.
وقال: “يجسد هذا القانون ويفعل سلسلة الانتهاكات المتكررة للدستور التي دأب عليها هذا النظام منذ استلامه للسلطة، حيث تم الاعتداء على كافة المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي في البلد من فصل بين السلطات ومن حريات فردية وجماعية؛ وتم تدمير حقل الصحافة الحرة من خلال اعتماد سياسة الترهيب بالتهديد المباشر والترغيب من خلال شراء المواقع والذمم من أموال الدولة”.
“وهكذا، يضيف ولد عبد العزيز، تم تدجين القنوات التلفزيونية والإذاعات الحرة والمواقع الإلكترونية التي كانت مفتوحة أمام أعتى وأشد المعارضين والتي منعتْ من تغطية المؤتمرات الصحافية التي كنت أنظم لفضح خطط المفسدين وتلاعبهم بمصالح الشعب”.
وقال “إن الحريات التي طالما دافعنا عنها بكل قوة هي صمام أمان النظام الديمقراطي الذي نسعى إلى ترسيخه في وطننا وهي مفتاح الرقي والتقدم، ولم يكن دفاعنا عن الحريات من دون ثمن، تحملناه أثناء مقامنا في السلطة واليوم نتحمله من داخل السجن؛ وإن هذا القانون الخطير ليؤسس لإرهاب الدولة وللقمع السياسي الذي نتعرض له ويتعرض له مئات الشباب الأحرار وقادة الرأي الذين تم اعتقالهم وسجنهم لأنهم عبروا عن رأي يعارض الحكومة ولا يروق للرمز الرئيس”.
وأضاف: “لفت انتباهي الزج عن قصد بالمقدسات الدينية إلى جانب الرموز الوطنية في هذا القانون، وبالرغم من أنه تم الإبقاء على العقوبات الأشد المقررة في القوانين الأخرى، فإن هذا القانون الذي أقر، بعد تلك القوانين يلغي كافة الأحكام السابقة المخالفة له، وهو ما جعلني أتساءل هل فعلاً تم أخذ كل التدابير اللازمة من تشاور مع أهل التخصص من قضاة وقانونيين وخصوصاً رأي علماء الشريعة الذين تقع عليهم مسؤولية ومهمة السهر على حماية المقدسات الدينية”.
وتحدث ولد عبد العزيز في رسالته عن حالته قائلاً: “أنا أخاطبكم من السجن الذي تمت إحالتي إليه في الحقيقة لمعارضتي الصريحة لهذا النظام ولرفضي لما آلت إليه الأوضاع في بلدي منذ خمسة أشهر ومن دون محاكمة، أدعوكم إلى رفض هذا القانون شكلاً ومضموناً لما يشكل من خطر على الوطن ولما سيترتب عليه من فساد ومن استخدام تعسفي وغاشم للسلطة ومن خنق لكل أصوات النقد والاحتجاج، كما أطالبكم بالطعن كتابياً فرادى وجماعات أمام المجلس الدستوري ضد هذا القانون غير الدستوري ونقضه”.
وشدد المختار ولد داهي، وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة، في رده على رسالة الرئيس السابق، التأكيد على “أن الحريات لم تكن مصانة في عهد الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز”.
وقال: “لم يكن القانون مطبقاً في عشرية الرئيس السابق”، مشيراً إلى “أن عدم تطبيق النظام السابق للقانون تضرر منه السياسيون والصحافيون والمواطنون العاديون”.
وتابع رده على الرئيس السابق قائلاً: “جرت العادة أن ينسحب السياسيون الذين يواجهون تهم فساد خطيرة من المشهد السياسي ليتفرغوا للدفاع عن أنفسهم”.
ويواجه ولد عبد العزيز، الموقوف منذ عدة أشهر على ذمة التحقيق، قائمة من التهم بينها غسيل الأموال، والثراء غير المشروع، والفساد، خلال فترة حكمه لموريتانيا التي دامت من 2009 حتى 2019.
ويدافع الرئيس السابق عن نفسه مدعوماً بفريقين من المحامين، أحدهما موريتاني والآخر فرنسي، رافضاً التهم الموجهة إليه، ومؤكداً أنه لم يتورط في أي عمليات فساد خلال عشر سنوات قضاها حاكماً لموريتانيا، ومعتبراً أن التهم الموجهة إليه هي في حقيقتها “تصفية حسابات سياسية”.
ويدعي الرئيس السابق ومحاموه “أن المادة 93 من الدستور تحميه من المساءلة أمام القضاء العادي، عن أفعاله في فترة حكمه وأنه لا يمكن أن يحاكم إلا أمام محكمة العدل السامية وبتهمة واحدة هي الخيانة العظمى”.