نواكشوط- “القدس العربي”:
أعلنت المعارضة الموريتانية المنضوية بأحزابها ونقاباتها وشخصياتها المرجعية في التحالف الانتخابي للمعارضة الديمقراطية، أمس عن عزمها مقاضاة المطالبين بتعديل الدستور الموريتاني المحصن من أجل السماح للرئيس محمد ولد عبد العزيز بالترشح بعد انتهاء آخر ولايتيه الرئاسيتين في يونيو 2019.
وجاءت هذه المقاضاة ردا على مهرجان ضخم نظمه أطر ومنتخبو ولاية الترارزة (جنوب البلاد)، وأعلنوا خلاله عن “تمسكهم بمحمد ولد عبد العزيز وأنه هو خيارهم ومرشحهم للاستحقاقات الرئاسية” المقررة عام 2019، داعين في بيان نشروه حول الموضوع “للتعبئة الشاملة من أجل إسماع صوت المواطن تحت قبة البرلمان حتى يتم تعديل الدستور طبقا لإرادة الشعب بإلغاء تحديد المأموريات”.
وأكد أنصار الرئيس في مهرجانهم الذي أثار المعارضة “أنه إذا كان من حق فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يعلن عدم رغبته في مأمورية ثالثة، فإنه من حق الشعب الموريتاني الوفي أن يحرص على مواصلة فخامته قيادة سفينة التغيير البناء حتى تكتمل المنجزات وتكون البلاد جاهزة للتناوب على السلطة”.
ولم ترق هذه المطالبة للتحالف الانتخابي للمعارضة الديمقراطية، الذي أكد في بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه “أنه رفض بقوة وحزم الانقلاب على الشرعية، ويحمل رأس النظام الحالي مسؤولية ما قد ينجم عنه من فتن وقلاقل عصفت ببلدان قادها إصرار قادتها على التمسك بالسلطة إلى الخراب والدمار”.
ودعت المعارضة الموريتانية “إلى الوقف الفوري لما سمته التظاهرات الهزلية، لما تمثله من انحراف خطير في مسار البلد، وما تحمله من دعوات التفرقة وإذكاء للجهوية والقبلية والخصوصيات المدمرة، ويضع كل من يساهمون في تنظيمها أمام مسؤولياتهم التاريخية وما يترتب عليها من ضلوع في المساس بمصالح الوطن والشعب، وترسيخ عادات التزلف والتملق ومقايضة المصالح الشخصية الضيقة بالمصالح الوطنية السامية”.
وأكد تحالف المعارضة “أنه سيتصدى بكل الوسائل، لمحاولة الانقلاب على الشرعية الدستورية والعمل بحزم على إفشالها، داعيا “كافة القوى الوطنية وكافة أطياف الشعب الموريتاني، وجميع الغيورين على مصالح البلد ومستقبله، للوقوف صفا واحدا في وجه هذا المنزلق الخطير الذي يحاول رأس النظام الحالي أن يجر نحوه البلد من أجل الاستمرار في التحكم في مصير البلاد والعباد”.
وأضاف: “في الوقت الذي يجب أن تتجه فيه البلاد نحو تنظيم انتخابات رئاسية توافقية حرة وشفافة تكرس التناوب السلمي والديمقراطي على السلطة في نهاية آخر مأمورية يسمح بها الدستور لرئيس الدولة الحالي، وفي الوقت الذي يجب أن يعمل فيه الجميع على خلق مناخ سياسي يعيد الثقة بين الفرقاء السياسيين لتهيئة هذا الاستحقاق المفصلي بالنسبة لمستقبل البلد في ظروف مرضية، وبعد أن صرح رئيس الدولة نفسه مرارا بعدم ترشحه لمأمورية ثالثة مؤكدا أن الحديث عنها يشكل تهديدا لاستقرار البلد ستتصدى له الدولة بكل قوة، يطالعنا النظام بتحريك وتنظيم وتشجيع مبادرات تدعو إلى خرق الدستور، يقودها أساطين السلطة، وتحشد لها الجموع من كل ولايات الوطن، ويفتح لها قصر المؤتمرات، وتغطيها وتروج لها وسائل الإعلام العمومية”.
وتابع البيان: “إن هذه التصرفات، التي يجرمها القانون وتمجها الأخلاق، تعبر بوضوح عن عقلية رأس النظام الحالي، الذي ظل يعتبر البلد غنيمة يتصرف فيها على هواه وحسب إرادته؛ إنها تشكل محاولة لاستمرار حقبة مظلمة من تاريخ هذا البلد، تميزت بنهب خيراته وتضاعف مديونيته والالتفاف على إرادة شعبه واحتقاره وإفقاره وطحنه بغلاء الأسعار والضرائب وسوء الخدمات الصحية والتعليمية، والتغول والثراء الفاحش لرأس النظام وحاشيته”.
وزادت المعارضة: “إن تنظيم هذه المبادرات في هذا الظرف بالذات لا يشكل انقلابا صريحا على الشرعية فحسب، بل يشكل كذلك تهديدا مباشرا للاستقرار، وجرا للبلاد نحو المجهول، وتحديا لمشاعر وطموحات الأغلبية الساحقة من الموريتانيين الذين يتطلعون إلى بناء دولة المؤسسات والديمقراطية والعدل والمواطنة”.
وضمن ردود الفعل الرافضة للتمديد للرئيس، أعلنت مؤسسة المعارضة الديمقراطية (مؤسسة دستورية يقودها الإسلاميون)، في بيان نشرته أمس عن “رفضها الشديد لكل فعل أو دعوة لمخالفة الدستور وانتهاك أحكامه، وبخاصة ما يتعلق بمواد المأموريات المغلقة والغير قابلة للتعديل”.
وأضافت: “الخطير في دعوات التمديد هذه المرة، هو أنها جاءت بمبادرة من مجموعات محلية وجهوية وليست من طرف أشخاص معزولين، وتمت بتنسيق ومباركة من نافذين في السلطة، بينهم وزراء ومنتخبون ومسؤولون سامون، واستخدمت فيها مرافق ومؤسسات عمومية (قصر المؤتمرات الدولي؛ قناة الموريتانية)، دون أن يصدر أي رفض أو تنديد من أي جهة رسمية، لا تنفيذية ولا قضائية”.
وطالبت مؤسسة المعارضة “الحكومة الموريتانية بتحمل مسؤوليتها في حماية الدستور والقوانين، وإيقاف المبادرات المطالبة بتعديل الدستور ومتابعة المسؤولين عنها تخطيطا وتنسيقا وتنفيذا”.
وحذرت مؤسسة المعارضة “الرئيس الموريتاني من الاستماع للمبادرات الداعية لانتهاك الدستور ولعدم الوفاء بالقسم الدستوري، كما دعته لموقف حاسم يقطع الشك باليقين، فالسماح بهذه المبادرات أو السكوت عنها من أعلى هرم في السلطة، أدنى حالاته أن يكون دعما غير مباشر، وهو مخالفة صريحة لترتيبات المادة (29) من الدستور”.
ودعت مؤسسة المعارضة “قوى الشعب الحية من أحزاب سياسية وحركات شبابية وفاعلي مجتمع مدني وإعلاميين ومدونين إلى التنسيق الفعال من أجل الوقوف الحازم في وجه هذه الدعوات وفضح أصحابها سواءً المبادرين بها أو الداعمين له”؛ كما دعت “العقلاء في صفوف النظام إلى الوعي بخطورة وحساسية المرحلة التي تمر بها البلاد وأن يدركوا أن أمن الوطن واستقراره ومصلحته المشتركة أولى بالحفظ والرعاية من مصالح الأشخاص”.
يذكر أن المادة (28) من الدستور الموريتاني تنص على أنه “يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة” وتحدد المادة (29) طبيعة قسم الرئيس بالتالي: “وأقسم بالله العظيم ألا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور”، وهي مواد صريحة وحاسمة ومحصنة.