نواكشوط-«القدس العربي»: أدت تدوينة نشرها القيادي النقابي الموريتاني المعارض، الساموري ولد بي، وحذر فيها من اندلاع حرب أهلية على غرار ما وقع في راواندا، إلى انتشار قلق عام في موريتانيا ذات الأعراق المتعددة.
وجاءت تدوينة القيادي النقابي المذكور بعد حضوره اجتماعاً عقده وزير الوظيفة العامة مع ثلاثين من رؤساء الاتحادات النقابية لحثهم على المشاركة في مسيرة كبرى سينظمها الحزب الحاكم بعد أيام، كتعبير مدني حضاري عن رفض الجميع- أغلبية ومعارضة- لخطاب الكراهية والعنصرية أياً كان مصدره، ومهما كان دعاته.
وانتقد سيدي محمد ولد محم، وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة، تدوينة القيادي ولد بي، مؤكداً في تغريدة على حسابه: «ما كتبه الساموري ولد بيْ لا يمكن لأي كان تبريره، فلا يجوز لرئيس حزب وقيادي معارض ورئيس نقابة أن يتعاطى مع الشأن الوطني من زاوية شرائحية أو عنصرية، أو أن يكون مُشعل فتنة، وإلا فهو غير جدير بأي من مواقعه وصفاته. مع ذلك أدعوه إلى اعتبارها سقطة عابرة والاعتذار للشعب، كل الشعب، عنها».
وأكد ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين (منبر ينتظم فيه بعض سياسيي هذه المجموعة) في بيان أصدره أمس، أنه «تابع ملابسات ما صدر عن الرئيس الساموري بي رئيس الكونفدرالية الحرة لعمال موريتانيا وعضو مجلس حكماء الميثاق والذي كشف فيه عن وقائع اجتماع دعا له وزير الوظيفة العمومية والشغل، وتخللته تجاوزات وتصريحات خطيرة صادرة عن بعض المشاركين في الاجتماع وبحضور الوزير نفسه».
«إننا، يصيف الميثاق، نستنكــر تحويل الفضاءات العمومية من قبل أي مسؤول عمومي إلى مجرد مقر تابع لحزب معين تتدارس فيها برامجه وتوزع داخل مكاتبها بياناته ومناشيره، بدل اضطلاعه بمصالح المواطنين الموكلة إليه، كما نحذر من التصرفات غير المدروسة التي تحاول التغطية على الواقع البائس الذي يئن تحت وطأته مئات الآلاف من مكــونة «الحراطين» وغيرهم من المهمشين، والذي هو استمرار لما تعرضوا له من التجهيل والاستعباد والنظرة الدونية». وأكــد الميثاق «دعمه لأي جهد وطني جدي وشامل يتسامى على الانتماءات الضيقة ويؤسس لمستقبل الوطن، ودعوته للأطراف النقابية والسياسية والحزبيـة والإعلامية بتوخـي الحذر واليقظـة عبر العمـل المشترك على تحصين الوطن من دعاة الفتن وفضـح الآثار السلبية المتمثّلة في فشل السياسات الحكومية في معالجة الغبن والتهميش الممنهجين اللذين تعاني منهما مكونة «الحراطين».
ودعا الميثاق «للقيام بتحقيق شفاف ونزيـه حول هذه الحادثـة ومعاقبـة الضالعيـن في مراحلها المختلفـة، بما فـي ذلك الوزير نفسـه الذي سمح بحصـول هكذا تصرفات داخل قطاعـه، كما دعا جميع الموريتانيين لعدم الانجرار خلف أي دعوة أو تصرف يهدف إلى المساس بالسلم الأهلي والنظام العام وتحريض المواطنين على بعضهم».
وفي الاتجاه نفسه المعبر عن القلق العام، أعلن منتدى المعارضة الموريتانية «أنها تابعت في الآونة الأخيرة، وبقلق بالغ، تنامي خطابات الكراهية والتحريض التي تستهدف وحدة وتماسك المجتمع وتهدد التعايش والانسجام بين مختلف مكوناته».
«لقد حذرنا مراراً، يضيف المنتدى، من خطورة تجاهل الإشكالات المتعلقة بمسألة التعايش بين مختلف مكونات شعبنا، وطالبنا بإقامة دولة القانون والعدل على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات لتجنيب البلاد مصير بلدان عاشت تجارب مريرة من الاضطراب والتأزم،
وأطلقنا أكثر من مرة نداءات من أجل فتح حوار جدي لمعالجة الإشكالات الكبري وتجلياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، باعتبار ذلك الضامن الوحيد لحماية وحدة واستقرار هذا البلد، لكن النظام اختار منطق التصامم واستمر في سياسة تجاهل المظالم وقضايا الإرث الإنساني، واللعب بها أحياناً لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما يشكل مجازفة خطيرة بمستقبل هذا البلد ووحدته واستقراره».
وتابع المنتدى بيانه قائلاً: «في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى استحقاقات حاسمة في تاريخ البلاد تكرس انتقالاً سلمياً للسلطة يفرضه الدستور، تنطلق مبادرات ودعوات تجاهر بخرق الدستور وانتهاك القانون دون حسيب أو رقيب، وفي الجانب الآخر يتابع الحقوقيون والشيوخ ورجال الأعمال والإعلاميون والنقابيون بسبب آرائهم وتوجهاتهم المعارضة للنظام».
«إننا في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحد، يضيف البيان، نحمل النظام كامل المسؤولية عن هذا الواقع وما آلت إليه الأوضاع بسبب سياساته الفاشلة طيلة عقد من الزمن وعجزه عن معالجة الإشكالات الكبرى التي تهدد الوحدة الوطنية، كما نندد بكل أشكال الشحن والتحريض التي تستهدف لحمة هذا الشعب وتهدد وحدته وانسجامه، ونحذر من تبعات نشر وتوزيع خطابات الكراهية والشحن في وسائط التواصل الاجتماعي وفي الاجتماعات العامة».
ودعت المعارضة في بيانها «للإسراع بإطلاق حوار وطني جامع وجاد لمعالجة الإشكالات الكبرى التي تهدد الوحدة الوطنية بدل الحركات الاستعراضية والمبادرات الشكلية، والابتعاد في هذا السياق عن كل أشكال التوظيف والاستغلال الرخيص لتحقيق مآرب وأجندات خاصة».
يذكر أن شريحة «حراطين موريتانيا» تطرح منذ بداية سبعينيات القرن الماضي مطالب ملحة للإنصاف والمساواة، في مقدمتها قضية الرق ومحو آثاره المتشعبة مع التميز عن العائلات العربية والزنجية التي مارست الرق في الماضي.
وبضغوط من سياسيي مجموعة الحراطين، تم إلغاء العبودية ثلاث مرات في موريتانيا آخرها سنة 1981، ثم صدر قانون يجرم العبودية والممارسات الاستعبادية في شهر آب/أغسطس سنة 2007. وحاول الرئيس الأسبق، معاوية ولد الطايع، احتواء أزمة «الحراطين» التي انفجرت في خضم عهده، حيث عين أفراداً منهم في مسؤوليات كبيرة، غير أن الأزمة لم تحل، بل بقيت مطمورة جمراً تحت الرماد.
ويرى محللون أن هذه المجموعة لاحظت رضوخ الحكم لمطالب «الزنوج» فانبرت هي الأخرى لتنتزع في فترة الاهتزاز السياسي التي تشهدها موريتانيا حالياً حقوقاً لها وتموقعات.
ويتألف المجتمع الموريتاني من القبائل العربية البربرية والقبائل الزنجية، وهي البولار والسوننكي والولوف ومجموعة «الحراطين».
ولا توجد إحصائيات متفق عليها لكل واحدة من هذه المكونات، إذ يدعي العرب أنهم مع «الحراطين» يشكلون الأكثرية، بينما يرى «الحراطين» أنهم يشكلون وحدهم نصف عدد سكان موريتانيا.