تظل كرة القدم مبعث الدهشة والمفاجآت، فبين ليلة وضحاها رحل ماوريسيو بوتشيتينو، أحد أكثر المدربين طلباً عند كبار الأندية، من تدريب توتنهام الانكليزي ليحل مكانه البرتغالي جوزيه مورينيو… هكذا وبهذه السهولة ومن دون شد ولا جذب.
ربما تفاجأ البعض من تسارع الاحداث، رغم ان قبل اقالة الثلاثاء وتعيين الاربعاء، كان مورينيو على دراية عندما صرح انه يفضل تدريب توتنهام على ريال مدريد، رغم عدم وجود أي بوادر لاقالة المدرب الارجنتيني ولا وجود لـ”كيمياء” بين ادارة دانيل ليفي المتحفظة للنادي اللندني وأسلوب مورينيو بالصرف بسخاء على نجومه.
في البداية لا بد من الاشارة الى العمل الرائع الذي قام به بوتشيتينو مع توتنهام منذ 2014 عندما ضمن له الحلول بين الاربعة الاوائل في السنوات الأربع الاخيرة والتأهل الى دوري الابطال، مثلما قاد فريقاً بناه من اعطاء الفرصة لمواهب أكاديمية النادي ولأنصاف النجوم ليصنع منه فريقا رهيباً يلعب كرة جميلة، قاده الى نهائي دوري الأبطال الموسم الماضي مثلما قاده الى نهائي كأس المحترفين ووصافة الدوري والى الدور قبل النهائي لكأس انكلترا مرتين، متحملاً أعباء بناء أستاد جديد كلف أكثر من مليار جنيه استرليني، حرمته من الانفاق أو ضم أي لاعب جديد في أكثر من نافذة انتقال، وهو مدرب يمكن وصفه بأنه مغاير تماما لعقلية مورينيو، الذي لا يملك مهارة بناء الفرق، ودائماً يبحث عن المواهب الجاهزة التي ليست بحاجة الى صقل، وهو ما يتطلب عادة انفاق مئات الملايين كي يحصل على مبتغاه لتتوافر له عوامل النجاح، فخلال عامين ما ادارته مانشستر يونايتد أنفق مورينيو 360 مليون استرليني على ضم لاعبين جدد وباع من المواهب بنحو 75 مليوناً، ليكون خالص ما أنفقه 285 مليوناً، بالمقارنة مع بوتشيتينو الذي أنفق خلال 5 أعوام مع توتنهام 354 مليوناً وباع مواهب بقيمة 245 مليوناً، ليكون صافي ما أنفقه 109 ملايين، فهل سنشهد تحولاً جذرياً في عقلية ليفي في التعامل مع سوق الانتقالات؟
لكن للانصاف، فان بوتشيتينو، رغم أثره الرائع على الفريق، الا انه لم يحرز أي لقب في السنوات الخمس والنصف سنة، في حين أحرز مورينيو ألقاباً مع كل الفرق التي دربها، بدءاً من بورتو ومروراً بتشلسي والانتر وريال مدريد حتى مانشستر يونايتد، ولن نحسب أول عامين من مسيرته التدريبية مع بنفيكا وليريا اللذين لم يحقق معهما أي لقب. فهل أدرك ليفي اليوم انه انتهى من عملية البناء وانه بحاجة الى الانتقال الى مرحلة جديدة، وهي مرحلة تحقيق الألقاب؟
البعض سيعتبر هذا الارتباط بأنه مغامرة جديدة، سيحصل توتنهام “الوسطي” تقليدياً على فرصة احراز الالقاب مع مدرب يدمن التتويج بهوس شديد، لكن البعض الأخير سيشكك بان ليفي لم يحصل على “مورينيو” تشلسي والانتر، الذي اشتهر بأسلوبه الساحر مع لاعبيه حيث لقب بـ”السبيشال وان”، بل حصل على المدرب المتغطرس والمتعجرف والصدامي والذي رحل تحت غيمة من الأزمات والمشاكل والخيبات مع الريال ومن بعده تشلسي وأخيراً مع يونايتد، حيث أشتهر بأسلوب لعب سقيم وعقيم بعقلية دفاعية منفرة، وهو على النقيض تماماً لما اشتهر به توتنهام منذ القدم، عندما كان فريقاً وسطياً مكافحاً، كان دائماً يقدم كرة جميلة مع مجموعة مواهب مثل هودل وأرديليس وفيا في الثمانينات، ووادل وغاسكوين وجينولا وكلينسمان، من بعدهم.
لا يمكن توقع ماذا سيفعل مورينيو خلال السنوات الاربع المقبلة من عقده مع الفريق، لكن قياساً بماضيه، فانه قد ينجح هذا الموسم باعادة الفريق الى الاربعة الأوائل، وقد يحرز معه كأساً محلية الموسم المقبل، قبل أن تدب المشاكل في العام الثالث، ويقال من منصبه، على غرار تجاربه السابقة. فهل هذا الارتباط هو مغامرة جديدة في عالم رحب من الأحلام الوردية، تكون فيه لحظات السعادة كثيرة، أم انها مقامرة خطرة أقبل عليها ليفي ضمن رؤية ضيقة… ضيقة جداً قد تقود الى نهاية مهلكة للطرفين، نهاية اسطورة “السبيشال وان”، ونهاية علاقة توتنهام مع دوري الأبطال!