فمن يشاهد قناة «الجزيرة» في الفترة الأخيرة، سيقف على الأسماء بسهولة، وبدون الاستعانة بصديق، فهناك من لم يكونوا يظهرون على شاشتها لفترة تجاوزت التسع سنوات، ومنذ الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر، لكنهم الآن يرحبون بالظهور، ويغدون اليها خماصا ليعودوا بطانا.
لقد قلب الدكتور ثروت نافع علينا المواجع، في منشور وجه فيه سؤالا يتجاوز هذه الأسماء إلى الجميع ما نصه: ألم تكن قناة الجزيرة خائنة وعميلة؟ وذلك بمناسبة ظهور من وصفهم بـ «الأصدقاء من الليبراليين واليساريين» الذين قاطعوه بسبب استضافته المستمرة على الجزيرة، وهو يراهم الآن على شاشتها!
لقد عشنا مع الدكتور نافع هذه المحنة، من الذين كانوا يهاجمون «الجزيرة» وكل من يظهر عبرها، باعتبارهم خانوا مصر، وبشكل يوحي كما لو كانت القناة القطرية، تبث إرسالها من تل أبيب، واستمعنا إلى القوم وهم يعلنون عن العروض السخية والمبالغ فيها من القناة، وقالت: هيت لك، فقال الوطني الكبير: معاذ الله. وكأن الاستضافة هي طلب جواسيس للعمل ضد المصالح العليا للبلاد!
كنا نشاهد بعضهم يفخر على شاشات القنوات التلفزيونية المصرية، وبالإعلان في شموخ الزعيم سعد باشا زغلول، أنه رفض الظهور على شاشة «الجزيرة»، وكثيرا ما كانوا يزايدون على من يظهر على شاشتها من تجمع 30 يونيو/حزيران، ليعرضوا وجهة نظرهم، وشاهدت واحدة من هذه المواجهات استخدمت فيها الألفاظ الخشنة، ووصل الأمر إلى حد الدعوة إلى وضع قناة «الجزيرة» على قوائم الإرهاب، وهو ما تحديت أن يفعلوه، رغم تبني إعلام الأجهزة الأمنية لذلك، لأن هذا، وإن كان سيجعلهم مسخرة أمام العالم، نظرا لمكانة «الجزيرة» العالمية، فإنه سيضار منه رجالهم، العاملون فيها، ومن يغذون الشعور الأمني بالفخر، بمعلومات تافهة، تبهر القوم، ومع كل توقيف لأحد العاملين فيها عند عودته لمصر، يقول المحقق في فخر إن «الروتا» تصلهم، وكأنهم أتوا بالذئب من ذيله، وهم لديهم تصورات «خزعبلية»، نسبة للخزعبلات، أن وراء الشاشة يجلس أناس يخططون، ويتكتكون، جلسة قادة الموساد نفسهها في أفلام نادية الجندي، أو مسلسل «دموع في عيون وقحة»، فلاشك أن هذا الاختراق إلى درجة الوصول إلى «الروتا»، يُشعر المخترق بالإنجاز الجبار!
«عنتر شايل سيفه»
لم توضع «الجزيرة» على قوائم الإرهاب، ولكن استمرت محاولة شيطنتها وشيطنة من يظهرون على شاشاتها، الأمر الذي دفع البعض ممن يظهرون من القاهرة ويمثلون رأي السلطة، إلى المبالغة في إثبات الحضور، وعلى قاعدة «عنتر شايل سيفه»، وينشرون أخبارا من نوعية فلان يعنف مذيع قناة «الجزيرة»، وكأن حضور فلان هذا كان رغم إرادة القناة، وكأن فلان هذا في مهمة وطنية، حيث يقف على ثغرة من ثغور الدفاع عن الوطن الحر. وأحدهم كتب ذات مرة، أنه لقن مذيع «الجزيرة مباشر» درسا لا ينساه، مما اضطر المذيع إلى قطع الاتصال، هروبا من قوة الحجة، وسحر البيان، وحدة المواجهة في ساحة الوغى، مع إن القطع من جانبه، ليلحق بموعده مع «الجزيرة» الأم، فقطع من هنا ليظهر هناك، وقد ضمن مكافأة الاستضافة هنا، فليجمع بين الحسنيين!
وكانت «الجزيرة» وفية لشعارها «الرأي والرأي الآخر»، وهذا ما دفعها لاستضافة من يقولون أي كلام من جانب الانقلاب، وهو ما كان مثار اعتراض مني، فليس أي كلام يجوز تمريره، أو أي شخص يصلح للظهور، لكونه فقط يدافع عن موقف سلطة الأمر الواقع، وسألت مع ظهور أكثر من عنصر من هؤلاء؟ هذا هو (الآخر) فأين (الرأي).
فـ «الجزيرة» في كل برامجها وفقراتها عند مناقشة «الحالة المصرية» بالذات تتحول إلى برنامج «الاتجاه المعاكس»، ومع هذا فقد اعتبر كثيرون أن الظهور خيانة للوطن، وإن كانوا يدركون أنه سيسمح لهم تماما بذكر رأيهم مكتملا، وكان اللافت أن أكثر هؤلاء من يدعون وصلا بثورة يناير/كانون الثاني المجيدة، والاتهام من جانب الأبواق الإعلامية لـ «الجزيرة»، أنها وقفت مع هذه الثورة، ويذهب الجنون مداه إلى حد الادعاء أنها وراء الربيع العربي.
وكان من يدعون أنهم من ثوار يناير، قد تملكهم شعور كاذب، أشبه بالحمل الكاذب، أنهم صاروا من أهل الحكم، وعليه فقد استعاروا خطابهم، واعتمدوا تراث السلطة في تخوين من يعارضون من الخارج، أو يظهرون عبر «الجزيرة»، ليعلنوا موقفهم المعارض لـ 30 يونيو/حزيران وما أنتجته من أثار كارثية، مع أن معظمهم من اليسار الذي أسس لفكرة المعارضة من الخارج، ومن باريس، إلى سوريا والعراق وليبيا، في عهد السادات، وأطلقوا محطتين إذاعيتين «مصر العروبة» و»مصر العربية»، واحدة من بغداد والثانية من دمشق، ومنهم من كان يكتب بانتظام في الصحف (المعادية)، حسب وصف النظام لها، وكان السادات في خطبه يقول إنهم يهاجمون مصر في الخارج يا ولاد!
بيد أن هؤلاء الذين عانوا من هذا الاتهام، استدعوه واستخدموه لوصفنا به، عندما اعتقدوا أنهم هم في موقع أنور السادات، وهم من كنت أحذرهم دائما، بأنهم ضيوف على 30 يونيو، لأن لها أصحابها، وفي جدل على إحدى القنوات المصرية، قالت واحدة من المنتمين لنظام مبارك ردا على ادعاء مناضلة تاريخية تنتمي ليناير أنهم من حشدوا الناس ضد الإخوان: أنتم كلكم عشرة أنفار. وأوشكت أن تقول لها: من أنتم؟!
شكوى أستاذ السياسية من الإبعاد:
وقد تخلص أصحاب 30 يونيو من ضيوفهم، وتم التوقف كلية عن استضافتهم في البرامج المختلفة، ولم يبق إلا عبد الحليم قنديل، يستضاف في أحد البرامج، تقريبا مرة في كل أسبوع، في لقاء يفتقد للحرارة. وفي البداية كانت القنوات المحلية قد فتحت أبوابها لهؤلاء فقد شعروا أنهم ليسوا بحاجة للظهور على «الجزيرة»، فما الذي يمنعهم من استعارة خطاب السلطة، ورفض الظهور على القناة القطرية، وإدانة كل من ينتقد مصر عبرها؟!
لقد اشتكى أحدهم، وهو أستاذ للعلوم السياسية، من أنه لم يعد يظهر على القنوات المصرية منذ سنوات، كان في دهشة، تصل للبلادة، ولا أعرف كيف لمثله، مع موقعه الوظيفي وتخصصه، لا يعرف أن ما جرى من طبائع الأمور، وهذه الخيبات المتوالية لمعظم من مارسوا السياسة من المتخصصين في العلوم السياسية، يجعلني على يقين بأنه لابد من إعادة النظر في المقررات الدراسية لهذا التخصص!
ولا شك أن هذا الإبعاد لهذه الطائفة من إعلام الداخل المصري، بدأ بتنصيب السيسي رئيسا، ومع هذا فقد كانوا يرفضون الظهور على شاشة «الجزيرة»، حتى من تحول منهم إلى معارض للمرحلة، خوفا من بطش السلطة، فلم يكن الرفض مرده إلى أنهم يرون أن «الجزيرة» تحارب مصر، أو أن قطر موّلت سد النهضة، فالإمارات من شاركت في التمويل، ولو دعتهم قنواتها للظهور، للبوا ولذهبوا لاستوديوهاتها محلقين ومقصرين!
كان لدى البعض اعتقاد، أنهم يمكن أن يمرروا خطابهم المعارض عبر منصات التواصل لإثبات حضور والسلام، لكن نقل هذا الرأي عبر «الجزيرة» سيكون له ثمن يدفع من لحم الحي، وما حالة المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح ببعيدة، والذي كان اللقاء الذي استضافه فيه مذيع «الجزيرة مباشر» أحمد طه سببا في اعتقاله وإلى الآن!
ومن بين هؤلاء الذين استمر موقفهم من قناة «الجزيرة» حتى بعد أن تبين لهم الرشد من الغي، من دفعوا ثمن مواقفهم لكنهم يدركون أنهم خرجوا من السجن لأن هذه المواقف لم تعلن عبر «الجزيرة»!
إنه الخوف من ردة فعل السلطة، والآن وقد حدثت المصالحة مع قطر، فقد بدأوا في التوافد على شاشتها، فالأمر ليس له علاقة بأن «الجزيرة» خائنة وعميلة، بالشكل الذي دفعهم لمقاطعة ثروت نافع وغيره.
ونحن أمام موسم عودة الطيور المهاجرة، ممن لم يعرفهم الناس سوى من «الجزيرة»، ولم تستضفهم القنوات المصرية إلا لأنهم يظهرون على شاشتها، فهذا موسم الهجرة إلى «الجزيرة»، وقد نفروا اليها خفافا وجميعا، فلم نعد نشاهد ضيوفها القدامى مثل محمود عطية، أول من أدخل للقاموس السياسي المصري منذ ثورة 1952، وصف (فخامة الرئيس) كلما هم بذكر اسم عبد الفتاح السيسي!
لنغنِ مع ليلى مراد «أنا زي ما أنا وأنت بتتغير»!
صحافي من مصر
ليست مشكلة الإعلام المصري بتبعيته للحاكم العسكري ,
إنما بعدم مصداقيته حتى من أتباعه !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
الجزيرة قناة إعلامية أفادت كثيرا الرأي .. و بدون مزايدة !