في الظرف الراهن لا يمكن للمبدع أيا كانت توجهاته وخلفياته، لايمكنه القفز فوق جرح الأمّة والتغاضي عن هذا الشرخ الملم بها، وتخطي ما يحصل لها من تحديات دون التطرق إليه إبداعيا تحديدا إنما يعتبر تقصيرا لايغتفر ونعيقا من برج عاجي وهلاميات تعتم على وضع الإصبع على موطن العلة بغية التشخيص ومن ثم إيجاد الحلول الناجعة.. لم يكن يجري في حسبان ‘ البوعزيزي’ وهو يحرق نفسه كردة فعل على التعسف السلطوي، من موقع مواطن مسحوق مغلوب على أمره كل همه تحصيل كسرة خبز في ظل واقع مرير طفحت علقميته وزاد من بلة طينه الضغط و’ الحكرة ‘ من طرف امرأة في زي مخزني فترآى المشهد ككل وكأنه القطرة التي أفاضت الكأس ومعه روح شاب في عمر الزهور قبل الخبز كان ينشد العدالة والحرية والكرامة .. قلت لا اعتقد أنه كان يجول في خاطره أنه سيصبح الشرارة الأولى لثورة بدأت عظيمة انتقلت عدواها استطرادا إلى بعض الدول التي لاتخفى أسمائها على أحد ، لكن سرعان ما انقلب الربيع الذي هلل له بعض الغيارى ، انقلب إلى خريف بفعل تواطئ خسيس بين أياد داخلية واخرى خارجية واصطدمت آمال الشعوب العربية بعنترية الخونة وقناصة الفرص والمكاسب السياسية والتربع على جثث طلائع الثوار.. وأبى حكم الجنرالات إلا أن يبسط سلطته مجددا ويضع السيوف على الرقاب التي لا ذنب لأصحابها سوى أنهم تمردو سلميا وحضاريا على واقع الذل والهوان… سأعتبر ما سلف توطئة إلى تسلسل منطقي في بضع مواضيع شائكة ومتشابكة سأتناولها محاولا الإيجاز ما استطعت … قد يبدو عنوان المقال أقرب إلى الشاعرية منه إلى ما يلامس واقعنا الإجتماعي والسياسي ، غير أن طرح التسائل الآتي سيزيل اللبس ويفضّ الإشكال إلى حد ما: لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن..؟ سأعيد طرح السؤال بصيغة أخرى أكثر دقة… ماهي الركائز التي اعتمد عليها الآخر في بناء حضارته بغض النظر عن أنها مادية أو ماشابه ذلك وما هي الإمتيازات التي نتوفر عليها ونتاج عدم توظيفها وحسن استغلالها لا أقول تخلفنا وإنما تشردمنا وتمزق صفنا وضاع مجدنا..؟ الجواب في اعتقادي أكبر وأعمق من كون الغرب خلق سوقا اقتصادية مشتركة وسطر أهدافا واضحة وإستراتيجيات مبنية على ما هو علمي فضلا عن تشبع الشخصية بالمواصفات التي تسهل تفجير الطاقات والقدرات البشرية إلخ… والقضية أشد عمقا من أننا لم نستفد بعد من لبنات جاهزة لصنع وحدة وتكتل قادر على مجابهة التحديات، معطيات جاهزة من قبيل اللغة نفسها/ العربية والدين والموقع الجغرافي الواحد.. الرؤية ينبغي أن تكون أوسع وأشمل …والحقيقة أني لست ممن يتنكرون للماضي والهوية وفي ذات الوقت لست ممن ينفتحون بشكل أعمى على كل ما هو دخيل وأجنبي.. بقليل من التأمل في ما يجري في العالم كقرية صغيرة ، من أحدات متضاربة ومصالح متعارضة يبدو المشهد وكانه يشي بحرب باردة بين العديد من الدول .. مثلا الصين واليابان بات يحسب لهما الف حساب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص.. بعد ضربتي هيروشيما ونكزاكي اقترح قصار الرؤية الرد العسكري الفوري خلافا للعقلاء الذين ارتأو أن الإنتقام يتوجب أن يكون مدروسا بعناية وهكذا بدأت تتشكل بوادر الدولة صناعيا إلى أن تحققت القوة المطلوبة في هذا القطاع وغيره وأصبحنا أمام ثورة تكنلوجية مدهشة مكنت من سوق غزت سلعها المنتوج الأمريكي وغيره في عقر الدار.. وهوالمنحى الذي انتهجته الجارة الصفراءالتي يمثل تعدادها ما يربو على ثلث ساكنة الكرة الأرضية بأكملها.. أمريكا تهابهما اليوم وتقيم لهما وزنا أكبر مما هو الحال عليه بشأن باقي الدول.. هؤلاء برغم أن عيونهم صغيرة فإن عقولهم كبيرة لدرجة أنهم تمكنو من توظيف ما يخيل إلينا هباءا ، إلى هياكل آلية وأدوات قدمت خدمة كبيرة للبشرية وتم جني الأموال الطائلة من ورائها.. فعلب السردين الفارغة التي على مرآى ومسمع منا يمارس بها أبناءنا لعبةكرة القدم ، جعل منها هؤلاء أجهزة للمعرفة والترفية الذي نعشقه نحن كأشد ما عشق قيس ليلاه..وبدل أن نغذي فيهم وهم ابرياء بعد، روح الإبتكار، ضللناهم بمهرجانات من طينة موازين والقائمة طويلة، وبرمجنا هم وفق ما يكرس العقلية الإستهلاكية وهذاعين تجليات توريث العجز وتنويم الطاقات الكامنة، وعين الهباء بمعناه القدحي.. شاعر من المغرب