أفرز حدث مونديال كأس العالم بنسخته العربية 2022، الذي تستضيفه دولة قطر لأول مرة عن العالم العربي والإسلامي، العديد من الظواهر التي كانت مخفية في قعر الواقع الاجتماعي والسياسي لبعض البلدان والأنظمة، عبر بعضها عن امتعاضه منذ لحظة فوز قطر باستضافة هذا الحدث قبل أكثر من عقد، وجند كل وسائله الإعلامية وأقلامه، ليكشف عن عمق وترسخ مكانة الاستعلاء عند بعض الأنظمة الغربية، وكمية الدونية والاحتقار عند البعض العربي المتماهي مع حملات الشيطنة التي تتهكم على قدرة دولة عربية بتنظيم هكذا حدث، تارةً بصغر مساحتها وكثرة أموالها، وأخرى باستحضار ملف حقوق العمال والإنسان داخل قطر إلى التهكم بطريقة عنصرية وساخرة لكثرة المساجد فيها.
الاستعلاء الغربي
مسألة العنصرية والاستعلاء الغربي على الآخر، ليست مسألة جامدة، فهي ككل الظواهر الاجتماعية التي تخضع لتحولات داخلها كبنية اجتماعية سياسية واقتصادية.
وإحدى أهم الظواهر التي أفرزتها استضافة قطر للمونديال انتشار الهجمة والتشويه على نطاق واسع في صحف وقنوات إعلامية غربية، والانتقال من التشكيك بعدم القدرة على الاستضافة والتنظيم الى محاولة استيعاب النجاح والتخطيط المُبهر للعقل والإرادة العربية، ووضعهما في إطار من النمطية السخيفة التي طالما وسم بها العربي، من دون الاعتراف بقدرة التوظيف والتخطيط والتنفيذ والنجاح الذي تسير عليه الدولة ومشاريعها التنموية.
بعض العناصر الأساسية في مزاج معاداة استضافة قطر للمونديال على وجه خاص هي معاداة حضور العرب والمسلمين على الخريطة العالمية، مع إبقاء حضور مؤثرات فكرية معادية، حيث شكلت الصورة السلبية المرتبطة «بالنفط والغاز والإرهاب وقمع الحريات» جزءاً من الخطاب العنصري الغربي جنباً الى جنب مع كتاب أعمدة بتوجهات يمينية فاشية تكمل ما بقي من المشهد.
سياسات عدم نقل المباريات
إذا انتقلنا من العموميات إلى التفاصيل، فإنه لا تعوزنا الأفعال والسياسات التي اجترحتها بعض الحكومات الغربية بعدم نقل افتتاحيات كأس العالم في قطر، ولا سياسات عدم نقل المباريات التي أثارت انفعال وغضب عشاق كرة القدم في بعض المجتمعات الغربية مثل فرنسا وبريطانيا واتهام حكوماتهم بالنفاق وبدعم أنظمة ديكتاتورية وتزويدها بالمال والسلاح لقمع الحريات، أو السكوت عنها ومحاباتها حفاظاً على المصالح البعيدة عن الأسباب التي تتشدق بها، كان من الواضح بداية من الهجوم الإعلامي على قطر وشيطنة دورها، أن هناك شيئاً ما أكثر عمقاً من « مظالم العمال وشكاوى الخوف على حقوق الإنسان « شيئاً أكثر جذرية يحيل الهجمة لجذورها بأن هذا الاشمئزاز من نجاح التحضير والتخطيط والتنظيم العربي القطري كان قاسياً على البعض الغربي، وترك مشاعر من خيبة الأمل والحقد في أجزاء كثيرة من العالم الغربي والعربي.
وكل الذين نشروا تفسيراتهم وتبريراتهم لرفض تنظيم بلد عربي لمونديال كأس العالم مصابون بآثام الاتهامات الموجهة لبلد عربي لا يملك إرثا استعماريا ولا ماضيا وحاضرا دمويا وقمعيا واستعلائيا على الآخر، لكنه يبقى أفضل حالاً من أنظمة كثيرة في عالم العرب في الشفافية وتسخير الموارد والقدرة على البناء والتطوير والرقي الذي واكبته مليارات البشر حول العالم في افتتاح المونديال.
فبماذا تميزت البلدان الغربية عن سواها في احتكار تنظيم المونديال؟
هل في قدرتها على البناء والتنظيم والاستيعاب وتقديم الخدمات المتعلقة بهذا المجال من بنية تحتية وإقامة وطرق ومواصلات واتصالات وإعلام وتسهيل الدخول؟
محاكم تفتيش
فهذا ما تحقق وهو مبعث فخر لقطر لا إدانة لها، لكن أن تقام محاكم تفتيش بأباطيل تُدين النجاح لتبقى « شكوى رئيسية» فمن المؤكد أن الطابع العنصري لبعض السياسات الغربية، لا يحتكر فقط استعلاءه على الآخر، بل لا يقبل رؤية من يخترق التميز والشذ عن التبعية والنفوذ، لذلك يُبقي مواضع الشك والاتهام والشجب كأحد الأسلحة الشديدة العداء للإنسان العربي والمسلم، لكنها تظل مواضع مزيفة وناقصة لا تملك الحق في حماية الأباطيل بسلاح العنصرية والاستعلاء والاختباء دوما بمفهوم ضيق عن حرية الإنسان، بينما العين واليد الغربية تحرسان الطاغية والمحتل والمستبد، كي لا يمتلك العربي قوة جذب لأخيه العربي يهدد بها جدار الاستعلاء الغربي وهو ما فعلته قطر على الأقل بانتزاع الإعجاب من الممتعضين بكثرة المساجد والحاقدين من انبهار التنظيم.
كاتب فلسطيني