وتزينت قطر في عرس المونديال.. مونديال قطر هو الأول في منطقة الشرق الأوسط، وهو الأول في دولة عربية، وهو الأول في دولة إسلامية، وسيقف التاريخ أمامه كحدث شامخ، تصطف وراءه أحداث كرة القدم التي ستأتي من بعده في بلدان الشرق الأوسط العربية وغير العربية، وفي ذاكرة شعوبها العربية وغير العربية، وفي كل الدول الإسلامية؛ فالحدث الأول يظل هو الأول، لا تستطيع قوة أن تمحوه، فلا أحد يستطيع تغيير التاريخ أو تغيير الماضي. كذلك فإن مونديال قطر هو مناسبة تاريخية للاحتفال بتنوع خريطة الدول المشاركة.
وفي الاحتفال بالتنوع فخر للبشرية كلها، في مناسبة رياضية هي الأعظم على مستوى العالم، في أكثر الرياضات شهرة وإثارة، رياضة يجتمع حولها الناس، ويحبونها بالمليارات وليس بالملايين، ولذلك فإن بعض الناس تسعى بالكراهية لتشويه المونديال، فلا يشوه حدث مثله غير الكراهية.
مونديال كرة القدم هو مناسبة تحتفل بها الأجناس المختلفة، لكنه رغم اختلاف الأجناس يجمعهم. قارات مختلفة، لكنه رغم اختلاف القارات يجمعهم. ديانات مختلفة، لكنه رغم اختلاف الديانات يجمعهم. ألوان مختلفة، لكنه رغم اختلاف الألوان يجمعهم. لغات وثقافات مختلفة، لكنه رغم اختلاف اللغات والثقافات يجمعهم. فهل هناك ما يستطيع أن يجمع كل هؤلاء على الحب والتسامح غير المونديال! الاختلاف لا يفرق.. الكراهية تُفَرِّق.. ولا مكان للكراهية في المونديال. في دور المجموعات ثم دور خروج المغلوب، تلعب بلدان من قارات العالم جميعا، وهي تتبارى في المونديال على أساس معايير وقواعد وأحكام مستقرة، ومعلنة، ومعروفة للكافة؛ فليت السياسيون يتعلمون من المونديال كيف تكون المنافسة. إن جميع الفرق التي تتبارى في المونديال يحدوها الأمل في الفوز، لكنها تعرف يقينا أنها إذا خسرت، فإن الخسارة ليست نهاية العالم، وأن عليها إذا خسرت مباراة، أن تتقبل النتيجة بصدر رحب، وأن تستعد للمباراة التالية، أو المسابقة التالية بالروح نفسها.
أصبح فوز قطر بتنظيم المونديال محركا رئيسيا من محركات النمو في ذلك البلد، الغني بثروته من البشر والإمكانيات المادية
زعامة كرة القدم
في مونديال قطر، قد تنتقل زعامة الكرة العالمية من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، لكن انتقال الزعامة في كرة القدم من قوة إلى قوة، أو من قارة إلى قارة لا يشعل حربا عالمية، ولا حتى يهدد بحدوثها كما هو الحال في السياسة. وقد فازت فرق أوروبية بالكأس 12 مرة، مقابل 9 مرات لفرق من دول أمريكا اللاتينية. لكن فريق البرازيل يظل حتى الآن صاحب الرقم القياسي، حيث فاز بالكأس 5 مرات، ومن الممكن أن يفوز بها هذه المرة. ويليه في الترتيب من حيث عدد مرات الفوز بالكأس إيطاليا وفرنسا بعدد 4 مرات لكل منهما؛ فلكل نصيب مع المنافسة. في المجموعة الثانية تتبارى الولايات المتحدة وإيران، وإنكلترا وويلز. والولايات المتحدة وإيران ما يكفي من الخلافات السياسية، وليس فريق ويلز في قوة فريق إنكلترا، لكن مونديال قطر يجمعهم. في كل المجموعات نرى هذا التنوع في النظم السياسية، ودرجة التقدم الاقتصادي، فرنسا مع تونس، بلجيكا مع المغرب، كوريا الجنوبية مع غانا، وسويسرا مع صربيا وألمانيا مع كوستاريكا. هذه مجرد أمثلة على التنوع، والتنوع هو طبيعة العالم. ومع التنوع فإن مونديال قطر يجمعهم. المونديال هو مهرجان للإبداع والإمتاع والمنافسة في فنون اللعبة. ليس ساحة للتبشير أو الدعوة أو الخطابة. إنه مهرجان للبهجة في حب كرة القدم. نعم نحن نهتف، ونصفق، وننفعل لما يحدث في الملعب، أو ما ينقل منه عبر الأثير على الشاشات وأجهزة الاستقبال التلفزيوني، في كل أنحاء العالم. نفرح عندما نفوز، ونحزن أو نشعر بالأسى إذا انهزمنا، لكننا لا نرفض أو نكره الفائز أو المهزوم؛ فليس للكراهية مكان بين مشجعي الكرة، لا كراهية في المونديال، فالكراهية تفرق بينهم والمونديال يجمعهم.
اختلاف النظم السياسية لا يفرق في المونديال، كما لا يفرق اختلاف الأيديولوجيات، ولا اختلاف المستويات الاجتماعية، ولا اختلاف مستويات النمو، ولا اختلاف الميول الفردية، المونديال لا يفرق، لكن الكراهية تفرق، ولا مكان لها في المونديال. الساحرة المستديرة تجمعهم، وهم، جميعا يتبارون في إتقان فن اللعبة، والطموح في الفوز؛ فإتقان فن اللعبة وحده لا يكفي، لأن نتيجة الإتقان يقررها الفوز، لكن الفوز مهما كان لا يعني تسلط المنتصر على المهزوم، فالمباراة جمعتهم، وسوف تجمعهم مباريات أخرى مقبلة لا محالة. ولا تكون المباراة خارج الملعب، وإنما تكون داخله، فلا قيمة لمباراة في المونديال خارج ملعب المنافسة.
المونديال انطلاقة كبيرة للنمو
يتوقع خبراء كرة القدم أن تستقبل قطر في كأس العالم ما يقرب من 1.2 مليون زائر من كل أركان الأرض لمشاهدة مباريات كأس العالم، أي ما يقرب من نصف عدد سكانها، خلال شهر واحد تقريبا. هذا يحتاج إلى تنظيم عبقري، وتسهيلات لوجيستية عالية الكفاءة، شديدة الدقة، كما يحتاج إلى بنية أساسية قوية جديدة، تعمل بضعف طاقة العمل اليومية العادية. وهكذا أصبح فوز قطر بتنظيم المونديال محركا رئيسيا من محركات النمو في ذلك البلد، الغني بثروته من البشر والإمكانيات المادية. ورغم وفرة رأس المال في البلاد، فإن القيادة القطرية أرادت أيضا أن تشارك رؤوس الأموال الأجنبية في الاستفادة من مكاسب الوفورات، التي ستنتج عن القفزة في الأداء الاقتصادي، بسبب استضافة قطر للمونديال؛ فقررت إلغاء القيود على حرية تملك الأجانب للمشروعات في كل القطاعات بنسبة مئة في المئة، كما أقرت قانونا للمشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص المحلي والأجنبي، ينطبق أيضا على مشروعات البنية الأساسية، وهو ما أسهم في عودة تدفق الاستثمارات الأجنبية بمعدلات سريعة ومرتفعة، تحركها فرص الأرباح الضخمة المتوقعة مع المونديال، لتصبح قطر واحدة من أكبر 25 دولة مستقبلة للاستثمار الأجنبي في العالم. ومن المتوقع أن تقود هذه الاستثمارات معدل النمو إلى 3.4% في العام الحالي. وأن توفر البنية الأساسية، التي تم إنشاؤها في السنوات العشر الأخيرة، قاعدة لنمو اقتصادي مستدام لعقود مقبلة. ولا شك في أن عملية التنمية في قطر بعد المونديال ستكون غير ما كانت عليه قبله، وأن قطر ستعمل على الاستفادة بأكبر قدر ممكن من البنية الأساسية التي استثمرت فيها الكثير خلال السنوات العشر الأخيرة، ومن تجربتها في تنظيم المونديال، والانطلاق عبر قنوات جديدة لتوليد قوة اندفاع للناتج المحلي، سواء في مجالات القدرات الخشنة، أو القوة الناعمة.
فشل حملة الكراهية ضد قطر
بعد فوز قطر باختيارها لتنظيم بطولة مونديال كرة القدم لعام 2022، فإنها بدأت اتصالات مع أشقائها وجيرانها، لعمل ترتيبات تسمح بما يمكن أن نطلق عليه «استضافة مشتركة» لضيوف المونديال، بما يسمح برفع طاقة تشغيل الفنادق وخطوط الطيران وخطوط الاتصالات، إلى أقصى حد ممكن، بين تلك الدول وقطر. وقد استجابت دول كثيرة في المنطقة لهذه المبادرة القطرية الأخوية. لكن بعض الدول من داخل المنطقة وخارجها أعمتها الكراهية، وقررت خوض حملة كراهية خبيثة ضدها، تصاعدت كثيرا في الأشهر والأسابيع السابقة لبدء المنافسات النهائية للمونديال. وقد رأينا أخيرا مداخل متنوعة لحملة إثارة الكراهية ضد قطر، منها على سبيل المثال مدخل الهجوم على حظر البيرة والمشروبات الكحولية في ملاعب المباريات الرسمية، رغم إنه معلوم للكافة أن المشروبات الكحولية ممنوعة، ومحظور حملها، أو تناولها، داخل الاستادات الرياضية، نظرا لارتباطها بالعنف والاشتباكات بين المشجعين. متعة كرة القدم هي أن تتفرج على المباراة وأنت في كامل قواك العقلية، وليس وأنت مخمور. ومن ثم فإن هذا المدخل لبث الكراهية كان مثل بندقية بلا زناد ولا بارود. مدخل آخر للكراهية تصاعدت حدة الصراخ بشأنه، هو مدخل الدفاع عن حقوق المثليين، وهو مدخل لا مكان في مهرجان رياضي، لأنه مهرجان للجميع، بصرف النظر عن الميول الجنسية للمشاركين؛ ولا جدوى من الصراخ بشأنه في المونديال، ذلك أن قطر لم تعترض على مشاركة لاعب في كأس العالم لأنه مثلي، ولم تطلب السجلات الشخصية للمشاركين، لكي تصدر حظرا ضد مشاركة المثليين في كأس العالم. وفي المونديال من الضروري تأكيد الاحترام المتبادل بين المشجعين واللاعبين والمشاركين عموما، بلا تمييز، ولا ابتزاز. وليس من المنطق اختطاف المونديال، وتحويله إلى مهرجان للاحتفال بجماعة من الجماعات، بدلا من الاحتفال بالمسابقة التي لا يختلف على حبها الجميع. مونديال قطر يجمعهم بالحب والاحتفال بالساحة المستديرة. ولا مكان للكراهية في المونديال.
كاتب مصري