مونولوغ لصديقة لقمان سليم «الشريرة»

حجم الخط
3

أكاد أموت ضجراً، بغياب من كان يستفز عقلي للتعليق على الأحداث السياسية بذكاء وعمق وتكثيف. معك، كنت، أقول بكلمات قليلة ما يقال في صفحات، فتحرص على شحني بالبلاغة، من دون تكلف وادعاء، وتجعل القول من خلالي، سبكاً وصوغا متينين. تركز جهدك على فضح الحزب المسلح في لبنان «حزب الله» مادة ممتازة بالنسبة لك يا لقمان، مادة مليئة بالثغرات، وتصلح لبناء المفارقة. عبري، كنت تسخر من الحزب، وتتحداه، وتظهر هشاشته، رغم ترسانة السلاح التي يملك.
كنت تتسلى بعدوك، بعد أن أشبعته درسا وبحثاً وتحليلاً، وفتحت المجال لنشر مؤلفات تعترض على روايته بالاستيلاء على شيعة لبنان. همك، كان انتزاع الشيعة من الحزب، تحريرهم منه، إعادتهم إلى امتدادهم اللبناني. لم تترفع على انتمائك، بل طورته، ليكون واحداً من انتماءات أخرى، يتغذى على العلاقة بالآخر، ويغرف منها. شيعيتك كانت جزءا من لبنانيتك، ولبنانيتك جزءا من انفتاحك على العالم وثقافاته وتجاربه. أنت نقيض عدوك، بكل ما يحمل هذا العدو العسكري من انغلاق على الذات واحتكار للجماعة وكراهية للخارج.
انتبهت إلى أهمية الذاكرة والتوثيق والشهادات، أردت أن تسجل أي تفصيل يتعلق بالحرب الأهلية، أي صورة أو وثيقة، لم تتسامح مع أمراء هذه الحرب، على الرغم من أن بعض هؤلاء باتوا من خصوم عدوك، حساسيتك حيال الحرب، جعلتك على مسافة نقدية مع جميع الأحزاب والزعماء، خصوصا الذين شاركوا في الصراع الأهلي. من هنا، جاء اهتمامك بقضية المفقودين، وخصصت الكثير من الفعاليات والمعارض والمحاضرات، بهدف الضغط لكشف مصيرهم، وتحقيق قدر من العدالة. موقفك من الحرب، لم ينحصر بالإدانة فقط، بل ذهبت نحو محاولة البحث عما حصل؟ ولماذا حصل؟ فمنحت هوامش للضحايا وللقتلة معاً، لتكشف عن تلك المنطقة الملتبسة في الحروب الأهلية، التي عبر عنها، بشكل ممتاز كتاب، جوزيف سعادة الصادر عن دار الجديد بعنوان «أنا الضحية والجلاد أنا».

الحرب ليست مفصولة تماماً عن الحزب المسلح، ثمة رابط يتجاوز احتفاظ ميليشيا بسلاحها، رغم اتفاق الطائف، وانسحاب إسرائيل بهدف خدمة الأجندة الإيرانية

 الحرب ليست مفصولة تماماً عن الحزب المسلح، ثمة رابط وثيق يتجاوز احتفاظ ميليشيا بسلاحها، على الرغم من اتفاق الطائف وانسحاب إسرائيل، بهدف خدمة الأجندة الإيرانية. الحزب يريد أسر لبنان بفكرة الحرب، تكبيله بها، وجعل أي نقاش سياسي مرتبطا باحتمالاتها. كلما خرج صوت طالب بتخفيف أثر السلاح، على علاقات لبنان الخارجية، وترهيب القوى الداخلية، اتُهم هذا الصوت بالعمل من أجل الحرب الأهلية. «حزب الله» يريد أن يكون الخوف من الحرب الأهلية، علة وجود سلاحه ومبرره. تنبهت باكراً لهذه الصلة، فوزعت جهدك بين الطرفين، الحرب وحزب الحرب، وكأنك تقول إن التخلص من الأخير وانتهاكاته، يتطلب فك ارتباط بين المجتمع اللبناني والحرب الأهلية، تفكيك العلاقة بينهما، وتحقيق العدالة للضحايا. بمعنى آخر، هزيمة الحزب في ملعبه، في علته وجوده، فإن جرت تصفية الحرب وآثارها، يصبح الحزب من دون سند وأكثر ضعفاً.
وعلى الرغم من أنك لم تتوهم أن هذه المهمة شاقة، استناداً إلى تعقيد العلاقات الطائفية ونظام الزبائنية، وانتقال زعماء الحرب إلى السياسة، وتشاركهم التسويات مع «حزب الله» لكن، انتفاضة تشرين شكلت أملاً لك، وانفردت بوصفها بـ»الثورة الجيلية» موضحاً آنذاك، أن «هناك جيلاً جديداً يكتشف الشأن العام وله الحق في أن يكون له صوت ودور، وحق النقض». صحيح أن الجيل الذي بنيت عليه تفاؤلك، سريعا ما فتكت به السلطة الخاضعة لـ»حزب الله» عبر سحب الشيعة من التظاهرات والترهيب والغزوات العسكرية، ليأتي انفجار مرفأ بيروت، ويكمل الكارثة، لكنك لم تفقد حماستك للمواجهة، فربطت في تحليلاته الكثيرة، بين الحزب الذي يحمي السلطة الفاسدة، وانفجار المرفأ، معيداً التذكير بالخصم المسؤول عن الخراب، بمختلف وجوهه.
واليوم يا لقمان، في ذكرى اغتيالك الأولى، ها أنا، صديقتك «الشريرة» أطالع الفيسبوك، وأشعر بملل من الكتابات المعلبة والمكررة، ومن الأوضاع الكارثية التي يعيشها البلد، ولا أجد أحد يستنطقني، لأقول بإيجاز بعضا من السخرية الذكية التي تثير غيظ القاتل، وتكشف عن غبائه ومحدوديته.
كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي إيلي عبدو. ورحم الاه لقمان سليم إنه فعلا شهيد لقوله الحق ولم يخاف من الباطل.

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      عذرًا تصويب: رحم الله لقمان سليم

  2. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    يكمننا أن نتذكر المقابلة الأخيرة التي أجراها لقمان سليما على قناة العربية وعندها ينرى بوضوح كيف ولماذا تم اغتيال هذا الشهيد البطل. وبالمناسبة واقسم أني أقول الحقيقة! حالة قتل بشع مشابه حصلت في سوريا لمحامي في منطقتنا في سوريا هذا حدث فبا حوالي ٣٥ سنة وكنت مازلت في سوريا حيث وجدت جثته على حافة طريق رئيسي يربط المنطقة بمدينة اللاذقية وقد قالت زوجته يومها أن رجال المخابرات أخذوه من البيت في الصباح الباكر قبل الفجر وماهي إلا ساعات حتى وجد سائق سيارة الجثة إلى جانب الطريق وعليها أثار التعذيب والتشويه. ومن هنا كان أمر الشعيد لقمان سليم نوعًانا واضحًا بالنسبة لي!

إشترك في قائمتنا البريدية