سعاد العنزي٭
دائما هناك أعمال قريبة من نبض المجتمع، بعيدة عن لغة الفن، والعكس صحيح أيضا. قلما يحدث ذلك التوازن الفريد الذي يجعل عملا ما محل تقدير واحتفاء في ساحة الإبداع العربي اليوم. لعل العبارة السابقة تلخص واحدة من أهم معضلات الإبداع العربي في «أسلوبه المتأخر»، فالأدب العربي اليوم يعاني من تراجع كبير على المستوى الفني والمضموني، ويقف أمام أزمة قديمة جديدة، وهي أزمة الشكل والمعنى. بعد الإطلاع على عدد لا بأس به من النصوص الإبداعية من قصة ورواية خلال العامين الماضيين، وجدت نفسي أمام عدد من الملاحظات المتكررة في المشهد الإبداعي العربي في أسلوبه المتأخر، وأقول هنا المتأخر ليس الأخير، تيمنا بأطروحة المفكر الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه «الأسلوب المتأخر»، ويقصد به تأخر أعمال بعض الكتاب في مرحلتهم العمرية المتأخرة، بسبب تقدم السن والظروف الصحية السيئة، تُنتج أعمالا أدبية أقل جودة من أعمالهم المتقدمة، إلا أن سعيد لا يعمم ذلك، بل بالعكس نجده يؤكد على وجود أعمال إبداعية متميزة في المرحلة للمتأخرة لبعض الكتاب أيضا. ويحدد سعيد هذه الأعمال الفنية المتأخرة في أسلوبها ومضمونها بقوله: «إن هذا النوع الثاني من التأخر، بما هو أحد العوامل الفاعلة في الأسلوب، هو ما أجده بالغ الإثارة. وأود أن أتبحر في تجربة الأسلوب المتأخر الذي يتضمن توترا متنافرا ومضطربا، كما يتضمن، فوق ذلك نزعة إنتاجية عديمة الجدوى تسير بالاتجاه المعاكس عمدا». (إدوارد سعيد، «الأسلوب المتأخر»)
يعاني الإبداع العربي من التكرار، تكرار الموضوعات والتفاصيل المعروضة بكثرة، ما يعني الابتعاد عن الأصالة والتجديد والتغيير.
في هذه المقالة أريد ن أطبق فكرة سعيد على الأدب العربي اليوم، وفي هذه المرحلة بالذات من التراجع الفكري والثقافي الملحوظ في جسد الثقافة العربية. لا يخفى على القارئ أن الوطن العربي عانى ما عانى من العوامل السيسيو ثقافية والسياسية وتهدم الأيديولوجيات العظمى، فأصبح اليوم أمام انسداد الأفق الاجتماعي والسياسي، ومع وضع بعض العوامل بعين الاعتبار، مثل نكوص معدل القراءة، وتزايد الولع بوسائل التواصل الاجتماعي، التي زادت من نسبة تسطيح المواطن العربي، وانخفاض معدل القراءة، والتشكيك في جدوى العملية الإبداعية وإنتاجها في أمة لا تقرأ، مع التأكيد على أن هذه الأخيرة تزيد بمجتمعات عربية وتقل في أخرى، ما يعني أن الأديب العربي لم يعد يشعر بقدرته على التأثير في المجتمع العربي، كما كان الأمر في السابق. لا الشاعر قادر على قيادة الجماهير بمجازاته الحماسية، ولا الروائي يلاحقه القراء ويتتبعون جديد قصصه وحكاياته وشخصياته، التي تلتقط تطلعات المجتمع. وهذا يكون من العوامل المهمة التي جعلت من العملية الإبداعية عملية لا تؤتي أؤكلها.
وقد تكون الجوائز اليوم عاملا مهما لتحفيز الإبداع، إلا أن حقيقة أن الكتابة من أجل جائزة لا تصمد مع الزمن، مع التأكيد على أن قلة نسبة الفوز المأمول تجعل من المؤلف يفقد حماسه وثقته، إضافة إلى تراجع منسوب الحريات في الوطن العربي، وبدلا من الرقيب التقليدي نجد أنفسنا أمام رقيب اجتماعي وديني وسياسي يعاني من انخفاض في مهارات القراءة والتأويل، ما يعني أننا ما زلنا أمام التابوهات الثلاثة الشهيرة: السياسة والجنس والدين. ومن المهم التأكيد على تأخر بعض المجتمعات في الدخول إلى عالم القراءة والكتابة، ما يعني تأخر أساليبهم الكتابية ومحدودية مصادرهم المعرفية أحيانا، واتكاءهم على المراجع الثقافية التقليدية.
كل هذه العوامل الحاسمة في تأخر الإبداع العربي اليوم، شكلت بعض المظاهر السلبية للإبداع اليوم، ولأتحدث عن السرد بشكل خاص وأبتعد عن الشعر ليس لأن الشعر أفضل حالا من السرد، بل هو يعاني من العوامل سابقة الذكر نفسها، ولكن أود اليوم التركيز على السرد: قصة ورواية من باب اشتغالي في الفترة الماضية على عدد لا بأس به من النصوص السردية:
أولا: يعاني الإبداع العربي من التكرار، تكرار الموضوعات والتفاصيل المعروضة بكثرة، ما يعني الابتعاد عن الأصالة والتجديد والتغيير. وبالطبع، قد يقول أحدهم إن هذا التقليد متأت من أن المبدع العربي مرتبط بالظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي تمر بها الأوطان العربية باستمرار، وهذا الأمر ليس أمرا مختلفا، لكن من الممكن أن تقدم الموضوعات برؤى مختلفة، بإضافات يضيفها كل نص لاحق على النص السابق، بل إن هذا التكرار في أحيان كثيرة ناتج عن التقليد والتبعية وليس عن رؤية جمالية لموضوعات الحياة المختلفة. حقيقة، أرى أن التكرار ناتج عن أزمة بنيوية تحاصر المبدع العربي ناقدا وأديبا، لعدم الاطلاع على تيارات فكرية واتجاهات نقدية مختلفة، ما أثر على النقد والأدب. والدليل على ذلك، إن الأدباء الذين اطلعوا على بعض التيارات الجديدة استطاعوا أن يقدموا إبداعا يلفت الانتباه إليه، لأنه يقدم شيئا مختلفا وأصيلا ومجددا مثل أمين معلوف، أمير تاج السر، واسيني الأعرج أنعام كجه جي فادية أوفقير وسحر خليفة.
يقف المبدع العربي اليوم أمام مسؤولية تاريخية تجعله، إما أن يرتقي بالأدب ويضعه في مصاف الأعمال العالمية العظيمة، أو يجرفه إلى الانحدار إلى هوة عميقة شبيهة بعصور الظلام.
ثانيا: أريد أن أركز هنا على فكرة التقليد والأبوية، نحن نعاني من أزمة أدباء ينظرون لعلاقتهم مع الأدباء السابقين لهم في المجال الإبداعي على أنها علاقات بنوة وأبوة، ما يعني أنهم غير قادرين على تخطي عتبات الأسلاف. بعض الأدباء مصاب بهوس تقليد الأعمال الفائزة بجائزة ما، فيقلدون الموضوع والشكل من دون التفطن إلى موضوع الموهبة والأصالة، وإنهم بهذا التقليد تحولت أعمالهم إلى مجرد ظل شاحب لتلك الأعمال. أيضا، نجد البعض الآخر يقلد جيل الأسلاف لأن السابقين لديهم منجز رصين أضاف لمكتبة الإبداع العربية، فنجدهم يقومون بتقليد كتابتهم، ومعالجة الإشكاليات المطروقة، بالأسلوب نفسه والطريقة نفسها، وفي أحيان كثيرة بمستوى أقل جودة منها. وهم بذلك يتناسون أننا لسنا بحاجة إلى قراءة المزيد من الأعمال المقلدة، ونحن بإمكاننا قراءة الأصل والاستمتاع به، كل هذا برأيي ناتج عن ضياع الهوية الأدبية للأدباء العرب.
ثالثا: الابتعاد عن القراءة والاشتغال المعرفي الرصين أوجد لدينا أعمالا كثيرة تعج بالتفاهة والسطحية، تفاهة الفكرة والتفاصيل، وعدم وجود المعالجات المنطقية، والرؤى الفريدة، التي بإمكانها التأثير في عالم اليوم. ثمة أعمال لا تقوم سوى بأداء الواقع ونقله حرفيا كما هو من دون إضافة رؤية أصيلة إليه، تحلل الأبعاد الإنسانية المختلفة للشخصيات والمجتمع، وتطرح الرؤى الأنجع للإشكاليات الإنسانية المعروضة. إذا كان الأدب في الوضع الراهن لا يقوم إلا بتقليد الواقع، فهذا يعني إلغاء البديل وخنق الأفق بإسدال الستارة على الحياة الإنسانية المتجددة. الرؤى المتجددة لا تتأتى من فراغ، بل من خلال القراءة لمنابع الفكر والفلسفة المتجددة باستمرار، وهذا قلما يحدث.
رابعا: الانشغال بالموضوعات العاطفية والجنسية والتركيز عليها بحد ذاتها، من دون تقديم تصورات جديدة لموضوع الحب والعلاقات الإنسانية، يعني تكرار واستنساخ واجترار الأفكار والرؤى والتصورات القديمة نفسها بأسمال جديدة. أنا هنا لا أقلل من أهمية موضوع الحب، ولكن أرى أن مفهوم الحب شابه ما شابه من شوائب الحياة المعاصرة، التي لوثت كل شيء في الحياة حتى الحب، وبالتالي أرى من المهم أن تنعكس هذه الرؤى الجديدة للحب وأن تعالج بشكل لافت.
خامسا: ثنائية الشكل والمضمون: دائما نبحث نحن القراء عن أعمال تتماس مع القضايا الإنسانية وإشكاليات الحياة المعاصرة، بلغة وتقنيات فنية، ولكن هذا نادرا ما يحدث، فإذا اقترب النص من قضايا الواقع ابتعد عن الجانب الفني، وإذا ارتكز العمل على معالجات فنية جميلة ومبتكرة فإنه يبتعد عن القضايا الإنسانية العميقة، وكأنما يأخذ المحتوى وسيلة لعرض تقنياته الأدبية مثلما تقول المدرسة الشكلانية في واحدة من مغالطاتها الكبرى.
وبعد، إن المبدع العربي يقف اليوم أمام مسؤولية تاريخية تجعله، إما أن يرتقي بالأدب ويضعه في مصاف الأعمال العالمية العظيمة، أو يجرفه إلى الانحدار إلى هوة عميقة شبيهة بعصور الظلام.
٭ كاتبة من الكويت
من وجهة نظري هذا عنوان مثير (مياه الإبداع العربي الآسنة) ويذكرني بفلسفة/عقلية تلخصها حكمة العرب في قول (الاصطياد في المياه العكرة)، لماذا؟
هل هناك علاقة بين الإبداع لإنتاج أي منتج إنساني وبين مهنة الصيد؟!
وماذا بالنسبة للتجارة بالصيد أو المُنتج، لتكوين اقتصاد الدولة/الشركة/الأسرة؟!
ولكن في لغة دولة الحداثة التي يمثلها إدوارد سعيد (الأمريكية/الفلسطينية) كمرجعية لمقالة سعيد العنزي في جريدة القدس العربي،
هل هناك مرجعية لغوية من أجل التقييم، لتعريف الصحيح من الخطأ، لمعنى المعاني أو هناك هيكل للغة؟!
أنا كنت في حواراتي على مواقع أهل اللغة والأدب والترجمة في أجواء الإنترنت/الشابكة، أُثبّت مسألة، أنني مسؤول فقط، عن نص كلماتي في سياقها، ولست مسؤول عن أي تأويل في طرح أي تعليق أو تعقيب، خصوصاً عندما يكون ليس له علاقة بالنص والسياق.
بالنسبة لسؤال هل تعلمت متى ترحل، عندما يتحرّش بك رجل/مرأة، في موقع ما؟!
أول شيء خطر على بالي، الهروب دليل على الجبن.
لأني أفهم العلاقة داخل الأسرة، يجب أن يكون أساسها الثقة، حتى لا يحصل طلاق.???
منذ أواخر القرن الماضي تراجع اهتمام عموم الناس بالأدب ، فقد شغلتهم عنه مستجدات الحياة العصرية ، وحل محله الغناء والتصوير ، وأكثر الناس الآن تستخدم حاستا الأذن والعين ،فهما الحاستان الأكثر تأثيرا في نفوس المعاصرين ، وقد تقدمتا على حاستي اللسان واليد التي يكتب ويقرأ بها الأدب.