البعض أطلق عليه اسم «الناتو العربي» لكن نتنياهو أسرع بتصحيح التسمية إلى «ناتو الشرق الأوسط» ومحا منه صفة «العربي» وكان صاحب الاقتراح الأصلي دونالد ترامب قد سماه «التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط» Middle East Strategic Alliance أو «ميسا» حسب ولع الأمريكيين بالأسماء المختصرة. ثم جاء رونالد لاودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي ليخالف نتنياهو وترامب، وأطلق عليه Middle East Defense Organization «منظمة الدفاع للشرق الأوسط» أو «ميدو» اختصارا. وهكذا تعددت التسميات لجنين لم يولد بعد. إن اختلاف التسمية يفضح اختلاف الأهداف، كما يضع علامة استفهام كبيرة على هوية الأب الشرعي لمنظومة التحالف الاستراتيجي، منذ طُرحت كفكرة في القمة العربية الأمريكية الإسلامية في الرياض في مايو 2017.
في تلك القمة خاطب ترامب الزعماء الحاضرين قائلا : «الولايات المتحدة مستعدة للوقوف معكم من أجل المصالح المتبادلة والأمن المشترك. لكن دول الشرق الأوسط لا يمكنها انتظار تدمير القوة الأمريكية لهذا العدو (الإرهاب) بالنيابة عنهم». ومع أن ترامب كان يسعى لتوسيع سوق السلاح الأمريكية في المنطقة، فإنه كان حريصا على وضع أسس سياسية وأخلاقية لإقامة تحالف استراتيجي في المنطقة، يشارك فيه العرب والإسرائيليون بقيادة الولايات المتحدة، تحت شعارات إقامة السلام والمحافظة على الأمن وتحقيق الاستقرار والرخاء. وفي 8 إبريل 2019 اجتمعت في السعودية وفود تمثل الولايات المتحدة والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والأردن، لكي تتفق على خطوات تنفيذية بشأن إقامة حلف استراتيجي، هدفه «تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم» حسب بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء السعودية. لكن الفكرة أخذت تترنح بسبب الأزمة الخليجية مع قطر، وعدم الاستجابة لطلب الرئيس الأمريكي بالمشاركة في تحمل تكلفة القوات الأمريكية في سوريا، ثم سقوط ترامب في الانتخابات. وزاد من صعوبة الموقف أن مصر انسحبت من الفكرة لتفضيلها تشكيل قوة عربية مشتركة.
جدل حول المادة الخامسة
كشفت المناقشات التي جرت بين المسؤولين الأمنيين والعسكريين والسياسيين في إسرائيل والولايات المتحدة عن اختلاف بين الطرفين في مفهوم وأهداف الحلف الاستراتيجي المطلوب للشرق الأوسط. ويبدو أن المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو كانت من أهم نقاط الاختلاف. وتنص المادة على أن أي هجوم مسلح على أي دولة عضو أو أكثر من أعضاء الحلف، يُعتبر هجوماً على سائر الدول الأعضاء، ويتعين عليها جميعا المساعدة في رد هذا الاعتداء بكل الطرق الممكنة، بما فيها القوة المسلحة. وقد تطور مفهوم المادة الخامسة تطورا كبيرا على ضوء ثلاثة أحداث عالمية مهمة، الأول كان سقوط سور برلين، والحاجة إلى توسيع حدود الحلف شرقا، والثاني كان حرب البلقان وفشل أوروبا وحدها في احتواء تلك الحرب، وهو ما عزز فكرة توسيع منطقة العمليات العسكرية للحلف إلى خارج حدود الدول الأعضاء. أما التطور الثالث فقد تمثل في أحداث 11 سبتمبر، وهو التطور الذي أدى لتوسيع الدور العسكري للحلف في كل أنحاء العالم، وأدخل المنظمات المسلحة (الإرهابية) غير الحكومية ضمن الأهداف المشروعة لعمليات الناتو. وأوضح نتنياهو أن المادة الخامسة لحلف الناتو، لا تصلح لأن تكون أساسا لحلف عسكري إقليمي في الشرق الأوسط، لأن مهمة هذه الحلف من وجهة نظره هي التصدي لإيران. ويمكن أن نستنتج من الملاحظات التي صرح بها نتنياهو أكثر من مرة في هذا الخصوص بأنه يتبنى مفهوما لحلف عسكري هجومي، وليس دفاعيا، يفرض هيمنته، بقيادة إسرائيل، على المنطقة بأكملها بما فيها إيران. ويختلف هذا المفهوم بشدة عن حلف الناتو الذي كان قد أقيم في إطار استراتيجية «الاحتواء» ومنع الاتحاد السوفييتي من التوسع غربا، خصوصا إلى إيطاليا، التي ظلت حتى ستينيات القرن الماضي أكبر معقل للحركة الشيوعية في الغرب. وليس من المستبعد أن تكون إسرائيل قد لعبت دورا غير مباشر في عرقلة تنفيذ الاقتراح الأمريكي، بإقامة التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، تمهيدا لطرح صيغة أخرى تضمن لها أن تلعب دورا مهيمنا، يتأسس بمقتضاها الحلف بين إسرائيل ودول عربية، بمشاركة الولايات المتحدة، وتكون هي قيادته الإقليمية منذ اليوم الأول، وليست طرفا ينضم إليه بعد التأسيس. تلك الصيغة التي يطرحها نتنياهو تتعارض بقوة مع تطور جديد في العقيدة العسكرية الأمريكية، يقضي بإعادة هيكلة الدور العالمي لحلف شمال الأطلنطي، وخلق تحالفات عسكرية إقليمية تمثل امتدادا لمراكز القيادة العسكرية الأمريكية المنتشرة حول العالم، ومنها القيادة الوسطى في الشرق الأوسط.
رئيس المؤتمر اليهودي العالمي: «المنظمة ستكون حصنا منيعا ضد إيران، ويمكنها أيضا أن تكبح الطموحات الإمبريالية لتركيا
رونالد لاودر هو رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، ملياردير ورث مع أخيه إمبراطورية أعمال أبويه اللذين أسسا شركة «استي لاودر» لمستحضرات التجميل، وتبلغ ثروته حسب تقدير مجلة «فوربس» حوالي 5.6 مليار دولار. وهو شخصية مركزية في الحركة الصهيونية العالمية حاليا. لاودر كتب مقالا نُشر في أول مارس الماضي في وقت واحد بصحيفة «عرب نيوز» المملوكة لأحد أبناء الملك سلمان وصحيفة «جيروساليم بوست» الإسرائيلية، دعا فيه لإقامة «منظمة الدفاع للشرق الأوسط» تشارك فيها الدول العربية وإسرائيل. وفي الشهر التالي قام لاودر بزيارة للقاهرة والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بحضور رئيس المخابرات العامة المصري. ومع أن البيان الصادر عن الاجتماع جاء عاما، فإنه لم يتجاهل الإشارة إلى أن «أمن واستقرار المنطقة» كان أحد موضوعات النقاش. ويجب ملاحظة أن اختيار لاودر اسما مختلفا عن الذي كانت الولايات المتحدة قد اقترحته للتحالف الاستراتيجي الإقليمي ليس عفويا، وينطوي الاسم المقترح على رغبة في إقامة نظام دفاعي إقليمي مستقل (بالمعنى العسكري النسبي) بما يعني إطلاق حرية القرار الإسرائيلي داخل منظمة الدفاع للشرق الأوسط. هذا المعنى الضمني يمكننا أن نمسك به نصا في مقال لاودر، الذي كرر فيه التأكيد على أن إسرائيل هي «الحليف الوحيد في العالم الذي يمكن لدول الخليج أن تعتمد عليه لمواجهة التهديد الإيراني».
إنكار دور للولايات المتحدة
يقول لاودر إنه وهو يتحدث إلى المسؤولين العرب والإسرائيليين، لاحظ أن الكثيرين منهم «قد فقدوا الثقة في أمريكا وأوروبا» وأن معظم من تحدث إليهم من العرب قالوا «إن الحليف الوحيد (ضد إيران) الذي يثقون فيه بدون أي تحفظ هو إسرائيل» وأن معظم من تحدث معهم من الإسرائيليين قالوا «إن الحليف الوحيد (ضد إيران) الذي يثقون فيه بدون تحفظ هو العالم العربي (يقصد الدول السنية)». واستنتج لاودر في مقاله إنه «بينما تزيد مخاوف العرب والإسرائيليين من إيران، وتتعمق شكوكهم تجاه الغرب، فإنهم يزدادون اقترابا من بعضهم بعضا أكثر من أي وقت مضى». وتجدر الملاحظة في هذا السياق، أن لاودر لم يذكر أي دور للولايات المتحدة في مشروعه، ولم يذكر الغرب والولايات المتحدة، إلا في معرض الشك وعدم الثقة. وقد واصل الدفع بتلك الحجة على طول الخط في مقاله، لكي يبرر الدعوة إلى إقامة منظمة للدفاع الإقليمي للدول ذات السيادة في المنطقة بإرادتها الكاملة. وهو مع ذلك يعترف بأن إقامة منظمة الدفاع الإقليمي للشرق الأوسط سوف «تخدم بشكل غير مباشر مصالح الغرب والمجتمع الدولي» ويؤكد في الوقت نفسه أن قيام تلك المنظمة الدفاعية «سيعيد الهدوء إلى أشد المناطق خطورة في العالم، بدون الحاجة إلى جندي واحد من الولايات المتحدة، أو الأمم المتحدة، أو طلب المساعدة من أي قوة عالمية أخرى».
حلف ضد إيران وتركيا
يقول رونالد لاودر إن الصراع العربي – الإسرائيلي الذي استمر لقرن من الزمان قد انتهى فعليا، حيث دخل عدد من الدول العربية في علاقات رسمية مع إسرائيل أو يقيم معها اتصالات مفتوحة غير رسمية. ومع زيادة خطر التهديدات الإيرانية، وعدم الثقة في نوايا أمريكا والغرب، فإن الوقت أصبح ملائما لإقامة منظمة دفاعية إقليمية تضم العرب والإسرائيليين. واقترح أن تضم هذه المنظمة في عضويتها إسرائيل مع كل من مصر والسعودية والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وأعرب عن تفاؤله بأن دولا عربية أخرى ستنضم قريبا إلى «اتفاقيات إبراهيم». كما يرى لاودر ألا تقتصر عضوية المنظمة على الدول العربية وإسرائيل، وإنما يستطيع (ميدو) أن يسعى لإقامة علاقات وثيقة مع اليونان وقبرص وبعض الدول الافريقية، بهدف حماية أمنها واستقرارها وتشجيع جهودها لتحقيق التنمية الاقتصادية. وفي توصيف الهدف النهائي من إنشاء منظمة الدفاع الإقليمي للشرق الأوسط (ميدو) قال رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إن «المنظمة ستكون حصنا منيعا ضد إيران، ويمكنها أيضا أن تكبح الطموحات الإمبريالية لتركيا، وأن تحارب التطرف والإرهاب، وأن ترعى في حذر وبالتدريج مصالحة إسرائيلية – فلسطينية». في رأي رونالد لاودر فإن «ميدو» فكرة حان وقت تحقيقها.
كاتب مصري