باريس- “القدس العربي”:
اعتبر موقع “ميديا بارت” الاستقصائي الفرنسي أنه على الجبهات الجيوسياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، فإن الاتفاق بين إسرائيل والمغرب تحت رعاية دونالد ترامب هو بلا شك هبة من السماء.
وقال الموقع إن البلدين اللذين رفضا الاعتراف ببعضهما البعض رسميا، عززا على مدى عقود علاقات وثيقة وسرية، لا سيما في المجالات العسكرية والاستخباراتية. واليوم يخرج المغرب من الخفاء وسيكون قادرا على تنفيذ عملياته في وضح النهار مع إسرائيل، حيث ستكسبه هذه الاتفاقية اقتصاديا، وذلك بفضل تطوير السياحة وشراء المنتجات وما إلى ذلك، كما ينقل الموقع عن الباحثة في الشؤون المغاربية خديجة محسن فينان.
هذه الأخيرة، اعتبرت أيضا أن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية لن يشكل مستنقعا دبلوماسيا: “على العكس من ذلك، فإنه سيثير اعترافات أخرى من نفس النوع لصالح المغرب في أوروبا وفي العالم العربي وحتى في إفريقيا. ولن تكون هناك رغبة لدى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بالعودة إلى الوراء”.
ورأى “ميديا بارت” أن الصفقة هي على وجه الخصوص نعمة لملك المغرب وشركاته وأصدقائه، مشيرا إلى ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بأننا قبل كل شيء أمام “اتفاقية تجارية بين قوتين استعماريتين ترفضان أن يُنظر إليهما على هذا النحو، مع وجود مناورة في المقدمة ليس من قِبل الدبلوماسيين ولكن من قِبل رجال أعمال أمريكيين وإسرائيليين ومغاربة، بما في ذلك المستثمر المغربي ياريف الباز، الذي يترأس عدة شركات في إسرائيل والمغرب” وفق الصحيفة الأمريكية.
وتحدث “ميديا بارت” عن عواقب وخيمة محتملة على المنطقة المغاربية، موضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تضيّع أي وقت، بحيث سارعت إلى تبني “خريطة جديدة رسمية للمغرب”، بما في ذلك إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه في حفل أقيم بالسفارة الأمريكية في الرباط، وذلك بعد يومين يومين من اعتراف ترامب الصاخب بمغربية الصحراء.
وينقل الموقع الفرنسي عن الدبلوماسية الفلسطينية ليلى شهيد، اعتبارها أن الصفقة هي “هدية مسمومة تأتي في أسوأ الأوقات… والتطبيع المغربي الإسرائيلي خطير جدا، إذ أنه يسمح للقوة المغربية وبائع السلاح الأمريكي بإحياء نزاع مسلح في الصحراء”.
وهنا، يشير الموقع الفرنسي إلى أنه في اليوم التالي للإعلان عن الاتفاقية الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، عرضت الولايات المتحدة بيع أسلحة للمغرب تصل قيمتها إلى مليار دولار، بما في ذلك طائرات بدون طيار من طراز “MQ-9 Reaper” العسكرية، وأجهزة المراقبة والقتال بدون طيار، مسلحة بالذخائر الموجهة بالليزر.
وقد حذر الرئيس الديمقراطي للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي إليوت إنجل، من مغبة أن قرار ترامب الاعتراف بالمطالب المغربية بالصحراء الغربية يهدد جهود الدبلوماسية الدولية لحل هذا الصراع طويل الأمد.
وتحذر ليلى شهيد، من أن “هذه الصفقة تثير احتمال حدوث صدام عنيف للغاية بين الجزائر والمغرب حول الصحراء”، معتبرةً أن هناك خطرا حقيقيا اليوم من اندلاع حرب مفتوحة حقيقية وساخنة.
وعلى نفس المنوال تحدث لـ”ميديابارت” الصحافي الجزائري أكرم بلقايد بأن “خطر تجدد التوتر المباشر بين الجزائر والمغرب حقيقي كما ستستغله السلطات لتهدئة المعارضة الداخلية، سواء في الجزائر، الغارقة في الجمود السياسي وعدم اليقين، أو المغرب، حيث الأوضاع كارثية على المستوى السياسي، من حيث الدمقرطة وآفاق التنمية. فحتى الْيوم، ظلت القوتان ذكيتان بما يكفي للحفاظ على سلام بارد، لكن في ظل الوضع الحالي، لسنا في مأمن من الانزلاق” كما يحذر الصحافي الجزائري.
وقال “ميديا بارت” إنه “في حين أن كل شيء يجب أن يوحدهم، لغة وثقافة وتاريخ، أصبح المغرب والجزائر شقيقين عدوين عالقين في حرب باردة خفية. و إغلاق الجزائر في آب/ أغسطس 1994 للحدود البرية الممتدة نحو 1500 كيلومتر مع المغرب بعد هجوم في مراكش، والذي ألقت المملكة باللائمة فيه على أجهزة المخابرات الجزائرية، هو تتويج لهذه العلاقة المتدهورة التي أدت إلى يأس الشعب”.
واعتبر الموقع الفرنسي أن الاتفاق بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة يصب الزيت على النار. ففي الجزائر، تعتبر معارضة تطبيع العلاقات مع إسرائيل إحدى “الحالات النادرة للتقارب بين السلطة والرأي العام الجزائري”، حسب الصحافي أكرم بلقايد. وبالتالي، سيستغل النظام هذا الاتفاق للدعوة إلى لوحدة الوطنية، ولإجبار المتظاهرين في الحراك على خفض لهجتهم، باعتبار أن الجزائر محاطة بقوس من الأزمات والتهديدات.
حرب استنزاف ..ربما ..على الأبواب، لا لإنقاذ الصحراويين بل لإنقاذ النظام القائم في الجزائر..