“ميديا-بارت”: رواندا .. مليون قتيل ونقطة سوداء في تاريخ فرنسا

آدم جابر
حجم الخط
0

باريس-“القدس العربي”
رواندا: مليون قتيل ونقطة سوداء في تاريخ فرنسا. هكذا عنون موقع “ميديا-بارت” الاستقصائي الفرنسي، في تقرير مطول حول الدور الفرنسي في حملة الإبادة الجماعية في رواندا ضد أقلية التوتسي، والتي تم الأحد، إحياء ذكرى مرور 25 عاماً على بدايتها.
وقال “ميديا-بارت” إن أصابع الاتهام توجه لفرنسا بالتواطؤ مع مرتكبي جرائم الحرب في روندا عبر توطيد علاقات سياسية ودبلوماسية مع النظام الرواندي آنذاك؛ معتبراً أنه وبعد مرور ربع قرن منذ تلك المجازر ما تزال باريس تتغاضى عن تلك المرحلة من التاريخ في محاولة لإبعاد التهمة عنها رغم صعوبة الأمر.

وأوضح “ميديا-بارت” أن أسباب تدخل فرنسا في رواندا وإصرارها على مواصلة دعم النظام الدموي في كيغالي، تعود إلى التنافس مع الولايات المتحدة من أجل لعب دور محوري في منطقة البحيرات الكبرى حيث تقع رواندا.
وقبل يومين وجه الرئيس الفرنسي رسالة سلبية عندما رفض دعوة الرئيس الرواندي بول كاغامي لحضور الأنشطة المخلدة لذكرى الحرب الأهلية كما لم يتم إيفاد أي مسؤول حكومي لتمثيل فرنسا في هذه التظاهرة. وهي خطوة رأى سياسيون وحقوقيون ومؤرخون وصحافيون فرنسيون أنها خطأ لا يغتفر، معتبرين أن باريس ضالعة بطريقة أو بأخرى في المجازر التي ارتكبت بحق أقلية التوتسي عبر تبني خيار التعاون مع النظام القائم في كيغالي قبل وأثناء وبعد المجازر.
كما أوضح “ميديا-بارت” أن المعطيات التاريخية تشير إلى أن نظام الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران تعمد التغاضي عن تحذيرات متعددة من أن هناك تحضيرات جارية للقيام بتصفيات عرقية من قبل الأغلبية الحاكمة في رواندا المعروفة بالهوتو. ودعمت فرنسا نظام الرئيس الانقلابي جوفينال هابياريمانا على حساب ما يعرف بالجبهة الوطنية الرواندية التي شكلتها مجموعة من التوتسي الفارين إلى أوغندا المجاورة.

ورغم التحذيرات التي أطلقها السفير الفرنسي في كيغالي قبل الحرب بأربع سنوات من تصفيات قد يتعرض لها التوتسي إلا أن قادة الجيش والقادة السياسيين الفرنسيين أصروا على دعم الهوتو ممثلين في نظام الحكم القائم على حساب أقلية التوتسي المضطهدة.
ورغم أن الفكرة كانت موجودة في أذهان المتطرفين الهوتو ،إلا أن إشعال الحرب الأهلية كان بحاجة إلى شرارة؛ تمثلت في إسقاط طائرة الرئيس هابياريمانا في السادس من إبريل عام 1994 عندما كان في طريق العودة إلى كيغالي بعد توقيع اتفاقية إنهاء الحرب الأهلية. بدأت المجازر في غضون ساعات وبدل أن يتدخل الجيش الفرنسي لتهدئة الموقف؛ كان التركيز على البحث عن الصندوقين الأسودين للطائرة الرئاسية التي كان يقودها طاقم فرنسي وكان على متنها أيضا الرئيس البوروندي.
وسارعت باريس عكس التوقعات إلى اتهام أقلية التوتسي بإسقاط طائرة الرئيس بحثاً عن إشعال الحرب والخروج منها بانتصار على الهوتو رغم أن كافة المعطيات كانت تشير إلى أن متطرفين من الهوتو هم من أسقطوا طائرة الرئيس لاتخاذها كمبرر لتصفية الأقلية.

واستمر الفرنسيون في دعم النظام الحاكم حيث تشكلت الحكومة الانتقالية بعد يومين من اغتيال الرئيس في مقر السفارة الفرنسية بكيغالي وهي الحكومة التي كانت تتبنى نفس نهج المتطرفين الهوتو وارتكبت مجازر بحق الأقلية التوتسي. استغرق الأمر عدة أشهر كي ترسل المخابرات الخارجية مذكرة تتهم الهوتو بإسقاط طائرة الرئيس حيث انطلق الصاروخ الذي أسقطها من مبنى قيادة أركان الحرس الرئاسي.
ثم قرر مجلس الأمن الدولي تفويض قوة دولية يقودها الجيش الفرنسي بالتدخل لوقف المجازر واستخدام القوة لهذا الغرض إن تطلب الأمر. ورغم أن هذه القوة ساهمت في إنقاذ حياة آلاف البشر إلا أنها أثارت الكثير من الجدل هي الأخرى؛ حيث تك اتهام الجيش الفرنسي بعدم توفير الحماية الكافية لأقلية التوتسي وترك آلاف منهم لمصيرهم بشكل متعمد. كما أكدت شهادات متعددة أن الجيش الفرنسي كان يقوم بتسليح ميليشات الهوتو بعد هزيمتهم وفتح المجال أمامهم للسيطرة من جديد على المناطق التي خسروها وذلك بقيادة الرئيس الحالي بول كاغامي. وتحقق العدالة الفرنسية في عمليات توزيع أسلحة على متطرفين هوتو تمت بتمويل من مصرف فرنسي “bnp ” ، وصنف القضاء الفرنسي عدداً من قادة عملية حفظ السلام في رواندا كشهود على المجازر ما يعني أنه قد يتم استدعاؤهم للتحقيق في أدوار لعبوها خلال تلك الحقبة.
وبعد انتهاء المجازر في رواندا تولى الرئيس جاك شيراك الحكم خلفا لفرانسوا ميتران الذي توفي عام 1996. وهنا، أيضا أوضح “ ميديا بارت” أن إخفاق فرنسا في التعامل مع الملف الرواندي استمر، وكانت باريس تعتقد أن الحل يكمن في تقسيم رواندا إلى دولتين إحداهما للهوتو والأخرى للتوتسي. وهي النظرة العرقية التي تكرس مبدأ عدم اكتراث باريس بما حدث في رواندا. منذ ذلك التاريخ بدأ عهد جديد يتسم بالغموض ومحاولة طي الملف. بل إن شخصيات سياسية فرنسية ومسؤولين سابقين يصرون على تحميل أقلية التوتسي وبعض قادة رواندا الحاليين مثل الرئيس كاغامي مسؤولية ما جرى لبلادهم.
وأشار “ ميديا بارت” إلى أنه بدأت ملامح انفتاح طفيف في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي كان أول من اعترف عام 2010 بأن فرنسا أخطأت في تقدير المواقف خلال الحرب الأهلية في رواندا لكنه رفض بشكل قاطع تقديم أي اعتذار عن دور بلاده. ويقع العبء الأثقل في هذه القضية على الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي وإن غاب عن تخليد ذكرى احياء الذكرى السنوية الخامسة والعشرين للإبادة الجماعية؛ إلا أنه قرر تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول دور فرنسا خلال المجازر وتفعيل دور العدالة في ملاحقة المتهمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية