إسطنبول– “القدس العربي”: تُجمع العديد من استطلاعات الرأي المنشورة في تركيا بالأشهر الأخيرة إلى أن شعبية ميرال أقشينار وحزبها “حزب الجيد” هي الأكثر صعوداً بين الشخصيات والأحزاب السياسية الأخرى، حيث تقدم وزير الداخلية السابقة التي يطلق عليها لقب “المرأة الحديدية” نفسها كـ”حليف حاسم” قادر على المساعدة في إنهاء حكم حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان المتواصل منذ نحو 18 عاماً وإعادة البلاد إلى النظام البرلماني، فيما لا تخفي طموحها لتولي منصب رئاسة الوزراء في حال نجحت مع أحزاب المعارضة الأخرى بإلغاء النظام الرئاسي.
وعلى الرغم من أن حزب “الجيد” تأسس قبل نحو 4 سنوات، إلا أنه بات يلعب دوراً محورياً في التركيبة السياسية بالبلاد بعدما نجح في اجتذاب شريحة مهمة من الناخبين تشير الاستطلاعات إلى أنها تقترب من 15 بالمئة، وبينما تشير الاستطلاعات “المتشائمة” إلى نسبة أقل بقليل عند 12 بالمئة، تشير استطلاعات لمراكز “متفائلة” محسوبة على الحزب بأن شعبية الحزب تقترب من 18 بالمئة ويتوقع أن تصل إلى قرابة 20 بالمئة مع اقتراب موعد الانتخابات.
وتقول تقديرات مختلفة إلى أن حزب الجيد وزعيمته ميرال أقشينار أكبر المستفيدين من نزيف الأصوات الذي شهدته عدد من الأحزاب التركية في السنوات الأخيرة، حيث يتوقع أنها نجحت في اجتذاب شريحة مهمة من “يمين الوسط” من حزبي العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى قاعدتها الأساسية التي حصلت عليها أقشينار من حزب الحركة القومية عند انشقاقها عنه وتشكيلها “حزب الجيد” نهاية عام 2017.
وما خدم الحزب وعزز من مكانته في الحياة السياسية بالبلاد التحولات الكبيرة التي شهدتها التركيبة السياسية لاسيما التحالفات التي باتت إجبارية مع تراجع شعبية الأحزاب الكبرى وانعدام قدرتها على حسم الانتخابات بمفردها وهو ما أضاف أهمية محورية للأحزاب المتوسطة والصغيرة والتي باتت قادرة على المساعدة في حسم الانتخابات لصالح تحالف ما على حساب الآخر.
وبالفعل يعتبر حالياً حزب الجيد من أكثر الأحزاب أهمية في تركيبة التحالفات السياسية حيث يمتلك الحزب ثالث أعلى نسبة من الأصوات ليكون بذلك أكبر حزب بعد حزب العدالة والتنمية العمود الفقري لـ”تحالف الجمهور” وحزب الشعب الجمهوري العمود الفقري لـ”تحالف الأمة” المعارض، وفي ظل الضبابية التي تحوم حول معدل أصوات حزب الشعوب الديمقراطي ومكانته الفعلية في التحالفات المتوقعة حيث يلعب هو الآخر دوراً محورياً في حسم الانتخابات المقبلة.
وعقب تأسيسه، اختار حزب الجيد معارضة حكم أردوغان الذي تحالف مع حزب الحركة القومية بعدما انشقت عنه أقشينار التي توجهت بدورها لتشكيل تحالف مناوئ مع حزب الشعب الجمهوري “تحالف الأمة” وهو الحزب الذي أعاره 15 نائباً من أجل تمكينه من المشاركة وخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت عام 2018 بسبب المشاكل التي واجهها لحداثة تأسيسه وتمكن بالفعل من دخول البرلمان عقب الحصول على 5 مليون صوت أي 10 بالمئة من الأصوات وهو منحه 43 نائباً من أصل 600 بالبرلمان الحالي. وفي الانتخابات الرئاسية حصلت أقشينار على قرابة 8 بالمئة من الأصوات.
لكن التحول الأهم كان في الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد عام 2019، حيث نجح تحالف المعارضة من انتزاع عدد من البلديات الكبرى في البلاد من حزب العدالة والتنمية وعلى رأسها بلديات المحافظات الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأنطاليا حيث لعب حزب الجيد دوراً محورياً إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في تمكين المعارضة من تحقيق فوز ولو جزئي وفي الانتخابات المحلية لأول مرة منذ نحو 16 عاماً من الاستحواذ شبه التام لحزب العدالة والتنمية.
هذه النتائج عززت مكانة الحزب وأهميته في التركيبة السياسية ودفعته للحديث عن طموحاته الكبيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة عام 2023 حيث يؤكد الحزب استمرار بقاءه في تحالف المعارضة لخوض الانتخابات المقبلة بهدف وعنوان واحد وهو إنهاء حكم أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
وفي تصريحات مفاجئة، أعلنت ميرال أقشينار زعيمة الحزب قبل أسابيع بشكل جلي أنها لن تترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة وأن استراتيجية الحزب تقوم على التكاتف مع كافة المعارضين من أجل اسقاط أردوغان بالانتخابات المقبلة والحصول على أغلبية برلمانية للمعارضة تمكنها من إنهاء النظام الرئاسي وإعادة العمل مجدداً بالنظام البرلماني حيث لم تخفي أقشينار طموحها بأنها ستكون رئيسة وزراء تركيا عقب إعادة المنصب بموجب العودة للنظام البرلماني، وهو السيناريو الذي يطمح الحزب النجاح في تطبيقه.
وبشكل مبكر بدأت أقشينار حملتها الانتخابية بالتجول في كافة المحافظات التركية، حيث تتنقل يومياً من محافظة إلى أخرى وتتجول في الأسواق والأزقة وتستمع إلى شكاوى المواطنين وتحشد أذرعها الحزبية للانتخابات المقبلة، كما بدأت بعقد المؤتمرات الشعبية في مشهد يعكس بشكل مبكر جداً الأجواء التي تسبق الانتخابات بأيام ويظهر حجم اهتمام كافة الأحزاب بالانتخابات المقبلة التي توصف بالأهم في العقود الأخيرة.