ميزاينة الجيش الإسرائيلي وقدرته

حجم الخط
1

الى حضرة السيد يئير لبيد، وزير المالية. قرأت في اهتمام كلامك في مؤتمر افتتاح معهد اهارون للسياسة الاقتصادية في المركز المتعدد المجالات يوم الاحد. اجل إنه كلام كالمهاميز. وقد بينت أنك تؤيد تحويل اموال من ميزانية الامن الى الخدمات الاجتماعية، لكنك أكدت أننا ‘اذا قلصنا ميزانية الامن ونشبت في الغد حرب لبنان الثالثة واصبحت مخازن السلاح فارغة مرة اخرى ولم تعمل الدبابات فسيكون واحدا من الاشخاص الذين سيؤتى بهم للمثول أمام لجنة التحقيق الحكومية حينما تنشأ، وستُقطع الاعناق كالعادة في اسرائيل في الميدان العام’.
فوق أنه لم تُقطع عنق أي وزير مالية في الميدان العام بسبب تقصيرات أمنية (بل لم يُحقق معهم في ذلك)، عندي ثلاث ملاحظات ربما تُمكنك من أن تنام نوما قليلاً.
الاولى هي أنه لم تحكم أية لجنة تحقيق بان الجيش الاسرائيلي فشل في الحرب على نحو ما، بسبب توفير في النفقة الامنية. ولم تكن مخازن السلاح قط فارغة بل كانت غير منظمة لكن ذلك جزء من فوضى الجيش الاسرائيلي العادية في اطار استعداده للحرب. صحيح أنه تبين في حرب يوم الغفران في 1973 أنه كانت ثم مشكلات معدات. لكن بين تحليل واع للحرب أن المشكلة لم تكن النقص في الدبابات بل بناء قوة برية فُضلت في أساسها الدبابات على عناصر قتال اخرى. أو بعبارة اخرى لم تكن المشكلة مقدار المال الذي أعطي للجيش الاسرائيلي بل ما فعله الجيش بهذا المال.
في حرب لبنان الثانية في 2006، من المؤكد أن المشكلة لم تكن من جهة الميزانية ولم يوجد نقص في الدبابات ايضا التي بقي أكثر من 80 بالمئة منها في مخازن السلاح على كل حال. وحينما لا تعرف فرق الدبابات في لواء مدرع نقل دبابة في شارع كبير دون بسط جنزير أو التحرك في منزلق خلفي تحت نار العدو فان ذلك يشهد أكثر من كل شيء على مهنية مُختلة وعلى فساد العلم بحرب المدرعات وعلى أن الجيش الاسرائيلي لم يستعد الاستعداد المناسب للحرب التالية. وكان هذا لا مشكلة الميزانية هو الذي أثر في الأداء المحرج في 2006.
والثانية أنني لا أعلم كم يملك الجيش الاسرائيلي اليوم من الدبابات، لكن عددها زاد على ثلاثة آلاف حتى الفترة الاخيرة. ومنذ انهار الاتحاد السوفييتي ومنذ كانت حرب الخليج الاولى في 1991، خفتت سريعا التهديدات العسكرية البرية التي كان يفترض أن يواجهها الجيش الاسرائيلي. ومع كل ذلك استمر جهاز الامن على انفاق نحو من 700 مليون شيكل كل سنة في المتوسط على شراء دبابات ‘مركفاه’، تبين اليوم أنه لا يوجد الكثير مما يُفعل بها. وليس الحديث عن دبابات فقط بل عن منظومات اخرى ايضا باهظة الكلفة بصورة مخيفة ما زال الجيش الاسرائيلي يتسلح بها حتى في وقت أخذت تتضاءل فيه التهديدات من قبل الدول العربية كلها.
أُطلب من القدماء في وزارة المالية أن يحضروا لك الميزانيات الامنية لدولة اسرائيل حتى حرب 1967. وسترى هناك أنه في حدود كان الدفاع عنها اصعب كثيرا حينما كان عدد الدبابات وناقلات الجنود المدرعة والطائرات الحربية عند دول العدو اكبر بثلاثة اضعاف مما هي عليه في الجيش الاسرائيلي، كانت ميزانية اسرائيل الامنية 10 بالمئة فقط من مجموع النفقة العامة. ولم يمنعها ذلك من احراز واحد من أكبر الانتصارات في التاريخ العسكري. ونقول باختصار إن الجيش الاسرائيلي ما زال جيشا مسرفا جدا، لكن يصعب عليه بسبب تغييرات في صورة التهديدات أن يقدم البضاعة. وإن زيادة نفقات اخرى لن تزيد في الامن بالضرورة.
ونقول آخرا في شأن عضويتك في المجلس الوزاري الامني والتقارير الحساسة والمخيفة التي تتلقاها عن تهديدات حزب الله وحماس والجهاد العالمي وما أشبه، إنه يوجد شيء ما ساحر في هذا الاشتراك في السر ويعرف عسكريون في العالم كله ذلك ويعرفون كيف يستغلونه ايضا.
اذا كان عندك وقت فاقرأ فصلا قصيرا في كتاب قديم عنوانه ‘الامريكي القبيح’ كتبه يوجن بورديك ووليام ليدلر، عن التدخل الامريكي في شرق آسيا في خمسينيات القرن الماضي. ويصف المؤلفان هناك كيف استقر رأي سناتور امريكي شكاك على السفر الى تلك المنطقة للفحص عما يُفعل باموال مساعدة الولايات المتحدة لافضل الحليفات المحليات. واستعد ضباط الجيش الامريكي الذين يخدمون هناك استعدادا جادا للمهمة وأعدوا له خطة سفر مضنية اشتملت على زحف في الطين كي يدرك التحديات في ميدان القتال، وعلى أسفار طويلة في سيارات جيب في طرق ترابية صعبة، وعلى وجبات من طعام الجنود البسطاء (ولا تقلقوا فان الضباط الامريكيين يتناولون طعاما أفضل). وعاد الى الولايات المتحدة مرهقا، لكنه كان مملوءا تأثرا بالأداء الرائع وباستعداد خيرة أبناء الوطن للتضحية في الاماكن النائية. واختفت شكوكه وانتقاده وكسب الجيش الامريكي حليفا سياسيا مهما ساعده على جعل الولايات المتحدة مستعدة للحرب في فيتنام بعد ذلك ببضع سنين.
فاحذر ألا يحدث معك شيء مشابه.
هآرتس 18/3/2014

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Dr. Abufahd UK:

    عزيزي يوسف/ أنتم كالعرب تماما تعتقدون أنكم تكتبون فقط لمن تقل أعمارهم عن العشرين أو الثلاثين عاما . فمثلا ” الاولى هي أنه لم تحكم أية لجنة تحقيق بان الجيش الاسرائيلي فشل في حرب 73 على نحو ما ” والسؤال هو بماذا حكمت لجنة أجرانات على رئيسة الوزراء جولدا ووزير الدفاع ديان؟ أليس بالطرد من مناصبهم؟ فى حرب لبنان الثانية لماذا إنسحب الجيش الإسرائيلي من الجنوب يجر أذيال الخيبة؟ هل بسبب إنتصاره ووقوع الدبابات فى حفر الشوارع اللبنانية؟ و الأداء المحرج لجيش الدفاع الإسرائيلي؟ . و الثانية هل الثلاثة آلاف دبابة التى تملكها اسرائيل مع أحدث الطائرات والتى مزقت الجيوش العربية عدة مرات تستطيع وقف قسام واحد؟ أو إمتلاء بنطلونات جنرالاتكم من الخلف من التقارير الحساسة و المخيفة التى يتلقوها عن تهديدات حزب الله و حماس؟ نعم نحن أيضا نتحدث عن كتاب “الأمريكي القبيح” و نعتقد أن كل إنتاج العالم من مستحضرات التجميل لن يمكنها تجميل الوجه الأمريكي القبيح لدرجة أنه حتي بوتين فى آخر خطاب له يتهكم على اوباما و ميركل و يتسائل هل عرفوا الأن فقط معني حقوق الإنسان فى أوكرانيا و القرم حيث لم تكن هذة الكلمات عن حقوق الإنسان أيام هيروشيما و فيتنام و حرب الإقتتال و القتل على الهوية فى لبنان و كوسوفو و أبو غريب و جوانتانامو. لعلكم تفقهون يا سيد يوسف .

إشترك في قائمتنا البريدية