ميسي أم مبابي… من سيجلس على عرش كرة القدم؟

عادل منصور
حجم الخط
2

في هذه الساعات، لا صوت على هذا الكوكب يعلو فوق الحديث عن المباراة النهائية لكأس العالم، التي ستجمع حامل اللقب وممثل أوروبا المنتخب الفرنسي بمنافسه اللاتيني العنيد المنتخب الأرجنتيني، مساء اليوم الأحد على ملعب “لوسيل”، تحت شعار “لا بديل عن النجمة الثالثة”، حيث يطمح منتخب الديوك للاحتفاظ باللقب للمرة الثانية على التوالي والثالثة في التاريخ، في المقابل يحلم الشعب الكادح في أمريكا الجنوبية، بانتهاء سنوات انتظار الكأس الثالثة، وفي رواية أخرى الكأس العصية على راقصي التانغو منذ العام الذي وُلد فيه الأسطورة ليونيل ميسي، فيما يُعرف بعام مونديال مارادونا 1986.

منحنى تصاعدي
بالنظر إلى مشوار المنتخب نحو النهائي السادس في تاريخه، سنجد أنه لم يكن مفروشا بالورود، بل كان معقدا وعلى مشارف الهاوية منذ البداية التعيسة، التي أسفرت عن الهزيمة الصادمة أمام المنتخب السعودي، في المباراة الافتتاحية للمجموعة الثالثة، لكن يُحسب للبرغوث ورفاقه في غرفة خلع الملابس، نجاحهم السريع في تخطي هذه الأزمة، بإنعاش فرصهم في التأهل للدور الثاني، بعد الفوز المعقد الذي تحقق على حساب المنتخب المكسيكي في المباراة الثانية المفصلية، ليأخذ الأداء الفردي والجماعي منحنى تصاعدي من مباراة لأخرى، وتجلى ذلك في التدرج الملموس في مستوى المنتخب، وكانت البداية الحقيقية بافتراس المنتخب البولندي في ختام الدور الأول، ثم باختبار شخصية وعقلية اللاعبين أمام أستراليا، تلك المباراة التي خرج منها سكالوني بمكاسب عديدة، أبرزها الثقة الكبيرة التي اكتسبها الحارس إيمليانو، بعد تصدياته المذهلة، أبرزهم الانفراد الأخير في الوقت المحتسب بدل من الضائع، حتى مباراة الدور ربع النهائي ضد الطواحين الهولندية، التي ذهبت إلى ركلات الجزاء الترجيحية، كانت الأفضلية فيها للمنتخب اللاتيني، باستثناء الدقائق الأخيرة في الشوط الثاني، التي شهدت عودة كتيبة المدرب لويس فان خال، وذلك قبل الوصول إلى قمة الانسجام والتناغم بين اللاعبين، في مباراة الاستعراض والاستقواء الكروي على وصيف النسخة الماضية المنتخب الكرواتي، التي كشفت الفارق الجوهري بين الأرجنتين وكل المنتخبات المشاركة في المونديال، ويكمن في سحر وخيال الفضائي ميسي، باستعادة ذروته وجزء كبير من النسخة المخيفة التي كان عليها في سنوات المجد مع برشلونة، ما ساهم في وصول منتخبه إلى المباراة النهائية، وبصورة أفضل وأقوى مما كان عليها في بداية حملة البحث عن الكأس الثالثة.

جرس إنذار
في الوقت الذي ينفجر فيه المنتخب الأرجنتيني من مباراة لأخرى، حدث العكس تماما مع منتخب الديكة في الطريق نحو النهائي الرابع تاريخيا، بهبوط في المستوى والمنظومة الجماعية، لا يلاحظهما إلا من يعيش على سطح القمر، بل يمكن القول أنه يتفنيد وتحليل مشوار فرنسا نحو النهائي، سنجد أن المنحنى لا يتوقف عن الهبوط، وذلك بمقارنة العرض السينمائي ومهرجان الأهداف في المباراة الافتتاحية أمام أستراليا بالصورة التي بدا عليها الفريق في الاختبارات الحقيقية، لعل آخرهم سرقة المنتخب الإنكليزي في مباراة الدور ربع النهائي، التي أقر بعدها المدرب ديديه ديشان، أن منتخبه كان محظوظا بما فيه الكفاية في اللمسة الأخيرة أمام حامي عرين الأسود الثلاثة، ولولا غياب التوفيق عن هاري كين وتعملق الحارس هوغو لوريس، لما استكمل رحلة الدفاع عن اللقب، وأيضا أمام المنتخب المغربي في مباراة النصف النهائي، لم يكن الطرف الأفضل، والأمر لا يتعلق بانكماش المنتخب الفرنسي في مناطقه الدفاعية، واعتماده على الهجمات المرتدة فقط، بل أيضا لعامل التوفيق، الذي أعلن انحيازه لأصدقاء كيليان مبابي منذ الدقائق الأولى، بهدية من القدر، على إثرها وجد ثيو هيرنانديز الكرة على خط منطقة جزاء الحارس ياسين بونو، وبنفس السيناريو، ذهبت كرة أخرى طائشة إلى البديل كولو ماني ليقتل المباراة إكلينيكيا بالهدف الثاني في الدقيقة 79، في المقابل لم تبتسم الكرة لجواد ياميق في لعبته المقصية الهوليودية، وأكثر من فرصة أخرى، منهم ركلتي جزاء كان من الممكن أن يحتسب الحكم واحدة منهما على أقل تقدير، ما يعني أنها انتصارات تندرج تحت مسمى مخدرة أو خادعة، وبالنسبة لبعض النقاد والمتابعين مكاسب قبيحة، إشارة إلى الطريقة الواقعية التي يعتمد عليها المدرب الخمسيني، بالاعتماد على غلق المساحات أمام المنافسين، وضربهم بلمحة عبقرية من مبابي أو غارة من المتألق عثمان ديمبيلي.

ثأر وحقائق
بلغة الأرقام والإحصائيات، يُخبرنا التاريخ أنهما تقابلا في 12 مناسبة سابقة، منهم 6 مباريات انتهت بفوز المنتخب الأرجنتيني مقابل 3 انتصارات لفرنسا ومثلهم تعادلات، لكن على مستوى كأس العالم، عرف التانغو الفوز في مباراتين، وهُزم في الثالثة، وكانت بداية المواجهات المباشرة بين الكبيرين في النسخة المونديالية الأولى، التي استضافتها أوروغواي في العام 1930، وانتهت آنذاك بهدف نظيف حمل توقيع لويس مانتي، وعلى إثره عاد منتخب الديوك سريعا إلى عاصمة الضوء والحب، وتكرر الصدام في نسخة 1978، وأيضا في الدور الأول وفاز المنتخب الأرجنتيني بثنائية دانيال باساريلا وليوبولدو لوك مقابل هدف فرنسي أحرزه الأسطورة ميشيل بلاتيني، بينما اللقاء الثالث، فكان الأخير، الذي جمعهما في نسخة روسيا 2018، تلك الملحمة التي شهدت 7 أهداف دفعة واحدة، بإجمالي 4 للبطل و3 لراقصي التانغو، في واحدة من أجمل مباريات البطولة وأكثرها إثارة، كانت قد بدأت بتقدم فرنسا عن طريق أنطوان غريزمان من علامة الجزاء، ثم ردت الأرجنتين بهدفين بواسطة أنخيل دي ماريا وميركادو، لتصل الإثارة ذروتها بعودة الديوك بثلاثة أهداف دفعة واحدة، منهم ثنائية لكيليان مبابي، والآخر الذي سجله بافارد بتصويبة من زمن العملاقة من خارج منطقة الجزاء، ما يعني أننا سنكون أمام مباراة ثأرية بامتياز، على الأقل من جانب ليو ميسي ورفاقه، الذين يتعاملون بحساسية مفرطة مع أصحاب الديون القديمة، آخرهم ثلاثية كرواتيا، ردا على ثلاثية مونديال روسيا الأخيرة، بينما ممثل القارة العجوز، سيحاول ضرب عصفورين بحجر واحد من خلال فوزه على التانغو، منها الإبقاء على كأس العالم في أوروبا للمرة الخامسة على التوالي، ومنها أيضا معادلة الرقم الصامد منذ ستينات القرن الماضي، حين عادل المنتخب البرازيلي إنجاز إيطاليا، بالاحتفاظ بكأس العالم مرتين على التوالي، وذلك بالفوز على تشيكوسلوفاكيا بثلاثية مقابل هدف في نسخة تشيلي 1962، بعد 4 سنوات من هزيمة السويد في عقر دارها في مونديال 1958.

مفاتيح الذهب
بعيدا عن مشوار كلا المنتخبين نحو النهائي ولغة الأرقام، ستكون ملحمة الأرجنتين وفرنسا، بمثابة النهاية المثيرة أو ثاني أفضل سيناريو يستحقه نهائي كأس عالم، بعد تبخر حلم نهائي القرن بين البرتغال في حضرة البطل القومي كريستيانو رونالدو والتانغو في وجود ليونيل ميسي، وذلك بطبيعة الحال، للمتعة البصرية المضمونة من اللقاء الخاص بين ليو والمدمر مبابي، صحيح هما صديقان هناك في باريس سان جيرمان، لكن اليوم، سيكون الأمر مختلفا 180 درجة، في ظل طموح اليافع الفرنسي في محاكاة إنجاز 2018، بقيادة بلاده إلى معانقة الكأس والميدالية الذهبية، كما فعلها بالتخصص أمام الأرجنتين في أول مواجهة مباشرة بينهما في إقصائيات المونديال، وفي المقابل، لا يوجد خيار أمام الميغا ستار اللاتيني سوى رد الصاع صاعين للديكة، أولا لتعويض كابوس 2014، حين تحسر على ضياع اللقب أمام الماكينات الألمانية، ثانيا وهو الأهم، ليكون ختامه مسك، بتحقيق حلمه الكبير في ظهوره المونديالي الأخير، أو كما أعلن بنفسه بعد افتراس كرواتيا بالثلاثة، ستكون مباراته الأخيرة بالقميص الأبيض والسماوي، ولنا فقط أن نتخيل ما سيفعله كبير السحرة في مباراة الوداع الدولي، بعد النسخة المخيفة التي ظهر عليها أمام هولندا وكرواتيا، بالأحرى بعد ظهوره بالمستوى الذي رسمه لنفسه طوال سنوات محاربة صاروخ ماديرا على الجوائز الفردية المرموقة واللقب الشرفي “الأفضل في كل العصور”، وبدون مبالغة أو تهويل في المصطلحات، هذا الأمر في حد ذاته، يعني بالضرورة أن الأرجنتين ستكون الطرف الأوفر حظا والأقرب للعودة إلى أحضان الوطن بالكأس والميداليات الذهبية، وذلك لاستحالة مجاراة هذا المخلوق عندما يغضب ويكشر عن أنيابه في مملكته الخضراء، مدعوما بمجموعة من اللاعبين بثوب مقاتلين من العصور الوسطى، على أتم الاستعداد للتضحية بأرواحهم من أجل إسعاده في ختام رحلته الأسطورية مع الوطن.

بوجه عام، يبدو على الورق ومن ناحية المنطق والعقل، أنها ستكون مباراة متكافئة بنسبة كبيرة، للتشابه الواضح بين المنتخبين في مختلف التفاصيل، منها على سبيل المثال كما أشرنا أعلاه، تسلح كل مدرب بجوهرة من الطراز العالمي، كمبابي في الديوك وليو في معسكر التانغو، بالإضافة إلى مفاتيح ذهبية تملك من الجودة والجرأة ما يكفي لصنع الفارق، أو على أقل تقدير لتقديم يد العون لكيليان أو البرغوث، والحديث هنا عن الجندي المجهول في هذه البطولة، الأنيق أنطوان غريزمان، الذي لولا الهالة الإعلامية والتجارية على مبابي وميسي، لكان منافسا لا يستهان به على جائزة الأفضل في المونديال القطري، ولعلنا نشاهد إبداعه وتضحياته منذ المباراة الأولى، وحتى انفجاره أمام المغرب، مقدما نفسه في صورة العقل المدبر في الوسط وحامل أختام الهجمات والغارات على دفاعات ومرمى المنافسين، والمثير للإعجاب بحق، ما يفعله في أدواره الدفاعية رفقة تشاوميني وفوفانا، كلاعب وسط ثالث مثالي بالمعنى الحرفي للكلمة، وتابعنا كيف أرهق بوفال وأملاح وبدرجة أقل سفيان امرابط، بنشاطه وحركته وضغطه الدائم على حامل الكرة، لدرجة أن البعض كان يعتقد أن هناك أكثر من غريزمان داخل الملعب، إذ أنه أينما ذهب تبحث عنه الكرة، إما توفيق زائد عن الحد، أو ذكاء فطري وبالفعل يكون بنسخة مختلفة تحت قيادة ديشان في المنتخب، وبالمثل، يلعب الشاب العشريني جوليان ألفاريز، دورا محوريا في مغامرات الأرجنتين في البطولة، بإجادة تامة في تجسيد دور المعاون المثالي لميسي في الثلث الأخير من الملعب، معوضا سوء طالع زميله في الهجوم لاوتارو مارتينيز، الذي يجانبه الحظ، على طريقة المنحوس الأعظم غونزالو هيغواين في مونديال البرازيل 2014، ويكفي ما فعله مهاجم مانشستر سيتي أمام كرواتيا، بتسجيل هدفين والتسبب في ركلة الجزاء، التي سجل منها القائد هدف الأسبقية.
ومن ضمن التشابه أو العوامل المشتركة بينهما، ذاك المزيج الواضح بين الشباب والخبرة في كل المراكز، كما يظهر في ثنائية رافاييل فاران وأوباميكانو أو كوناتي في قلب دفاع فرنسا، وبالمثل هناك أوتامندي ومارتينيز أو روميرو في محور دفاع الأرجنتين، والمفارقة الغريبة، أن الدفاع يعتبر الحلقة الأضعف لكلا المنتخبين، متمثلة في كثرة الأخطاء الفردية لمدافعين حامل اللقب، خاصة في الأوقات التي يتعرض فيها الفريق لضغط كبير، بالطريقة التي اهتزت فيها شباك الحارس لوريس في كل المباريات، باستثناء مباراة الحظ أمام أسود أطلس، وكذا هناك أزمة في دفاع التانغو، يراها الجميع في ضعف أوتامندي في التعامل مع الكرات العريضة، إضافة إلى كل ما سبق، يتسلحان بعنصر الخبرة التي لا تقدر بثمن، على غرار تأثير أوليفيه جيرو، الكبير في الهجوم، ردا على الهجوم الذي تعرض له في النسخة الماضية، لفشله في تسديد ولو كرة واحدة بين القائمين والعارضة، فضلا عن السخرية من إمكاناته وقدرته على قيادة الهجوم بعد غياب كريم بنزيما، وإذ به يفاجئ الجميع بتسجيل 4 أهداف، على بعد هدف من الثنائي المتصدر مبابي وميسي، وبدرجة أقل أنخيل دي ماريا في المعسكر الآخر، الذي تحول مؤخرا إلى ورقة رابحة مزعجة للخصوم، حتى على مستوى حراسة المرمى، كان لكلا الحارسين دورا حاسما في افتكاك تأشيرة اللعب في النهائي، وشاهدنا تألق حارس آرسنال السابق، وتأثيره الكبير في نتائج الأرجنتين في مباريات خروج المغلوب، كأنه القطعة المفقودة التي كان يبحث عنها ميسي طيلة السنوات الماضية، وكذا لوريس سحب البساط من الجميع في بعض المباريات، آخرهم مباراة المغرب، بأكثر من تصدي لا يصدق، منهم ركلة جواد الياميق، التي أخرجها بردة فعل ورشاقة يحسد عليهما، وهذه ما يقولون عنها “سمات ومميزات” البطل، وبالتبعية تفسر وصول الأرجنتين وفرنسا إلى المباراة النهائية، والسؤال الآن.. هل سيبقى ميسي كلمة السر والسلاح الرادع للتانغو في آخر وأهم مباراة في حياته؟ أم سيكون لمبابي ورفاقه رأي آخر؟ دعونا ننتظر ونستمتع بنهائي أجمل كأس عالم عرفتها البشرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    يبدو أن سحر الساحر البرغوث مفعوله قوي ونافذ ?

  2. يقول قلم حر في زمن مر:

    إذا أبطل مفعول سحر الساحر البرغوث فالافريقي هو الذي سيفوز على الأقل نأمل ذلك

إشترك في قائمتنا البريدية