نأمل ألا نضطر الى استعمال الخيار العسكري

حجم الخط
0

ليس من السهل عليّ باعتباري يهوديا واسرائيليا أن اقرأ المقالة الافتتاحية في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ أمس، التي عرفت خطبة بنيامين نتنياهو بأنها ‘عدوانية’، وعرضتها في ضوء مختلف فيه. إن ما كُتب في هذه الصحيفة الفخمة الشأن يحظى بصدى ضخم. ومشكلة صحيفة ‘نيويورك تايمز’ أنها لا ترفض فقط أن تتعلم دروس الآخرين التاريخية، بل ترفض ايضا أن تتعلم دروسها هي نفسها من الماضي القريب. ولا يوجد كالحالة الكورية الشمالية لفهم ذلك، فهذه الصحيفة هي التي كتبت بعد الاتفاق مع كوريا الشمالية، أن ‘الدبلوماسية تنجح’. ومن الواجب عليها الآن أن تسأل أما زالت تلك الدبلوماسية ناجحة كما نجحت مع دول كانت تشتمل على ايديولوجيات كانت خطرا مدمرا على العالم.
وفي مقابل ذلك ومع الانتقاد لا يمكن أن ننكر حقيقة أنه قد جاء في المقالة نفسها أن ‘لنتنياهو اسبابا مشروعة ليكون حذرا من مقترحات الايرانيين’. أي أن الانتقاد يشتمل على مشروعية الدفاع عن النفس، وهذا ما يجب أن نفهمه بين السطور.
إن الشيء الذي يثير القلق أكثر من كل شيء هو أن موقف الصحيفة يعبر اليوم عن موقف الغرب المتعب، وغير المستعد للتحديات السياسية والعسكرية التي تواجهه. وليس هو غير مستعد فقط لتعلم درس ميونيخ في 1938، بل يمكن أن نلاحظ تغطية على درس كوريا الشمالية في 2005. في آذار/مارس الاخير فقط هدد نظام الشر الكوري الشمالي بهجوم ذري على الولايات المتحدة، بسبب التعاون العسكري مع كوريا الجنوبية بعد أن قام بعملية خداع لامعة. ويجب أن ننتبه الى حقيقة أن الامريكيين كانوا ينقلون طعاما ومساعدة الى الشعب الكوري الشمالي، الذي كان يعاني، وبعد بضع سنوات هددت الادارة الكورية الشمالية ‘مقابل ذلك’ بالقضاء على اولئك الذين ساعدوهم.
اشتملت خطبة نتنياهو على حقائق لا يمكن الاعتراض عليها من تلك التي يسمعها الغرب، لكنه لا يريد أن يستوعبها، لأن سلوك زعماء الغرب يشتمل على تنافر معرفي، أي أنهم يضطرون الى مواجهة تناقض وصراع، فمن جهة كشف نتنياهو عن الحقيقة، لكنهم من جهة اخرى غير قادرين على استيعابها. ولن تدفع ثمن هذه الثمار العفنة لهذا التصرف اسرائيل وحدها آخر الامر، بل الغرب كله. لماذا؟ لأن ايديولوجية النظام الايراني كما كشف عنها رئيس الوزراء بالضبط غير قادرة على أن تسلك في تسامح مع ايديولوجيات اخرى.
والى ذلك يجب الانتباه الى الشيء التالي، لقد حذر نتنياهو من البرنامج الذري الايراني في ولايته الاولى لرئاسة الوزراء، في خطبته في مجلس النواب الامريكي في تموز/يوليو 1996. وكانت الردود التي لقيها ردودا باردة. وكرر ذلك حينما كان رئيسا للمعارضة وحينما كان رئيس الوزراء في ولايته الثانية. وعلى رغم البرود الذي لقيه، أدرك الغرب أن ايران تسعى حقا الى انتاج سلاح ذري، وبدأ يحاول العمل على مقاومة الظاهرة. أو أنه عمل بحسب وعي متأخر. وينبغي أن نفرض أن يحدث هذا الامر هنا ايضا، لكن ينبغي أن نأمل ألا يكون ذلك قليلا جدا ومتأخرا جدا.
كلما مر الوقت أمكن أن يجد نتنياهو نفسه في صف واحد مع ونستون تشرتشل، واذا عمل في ايران ونجح فقد يجد نفسه في صف واحد مع مناحيم بيغن، لأنهما كانا زعيمين عملا في وقت كف فيه الغرب عن السير كل واحد في زمنه أما الاول ففي مواجهة ايديولوجية الدمار النازية. وأما الآخر ففي مواجهة ايديولوجية دمار صدام حسين. وكما يواجه نتنياهو اليوم انتقادا مسموما واجهاه كذلك في الماضي. وكانت ميزة هذين الاثنين أنهما فهما ايديولوجيتين مدمرتين بحرفيتهما ومن دون تصفية. ووقفا ايضا فوق كل منبر وقالا ذلك، رغم أنهما صُورا بصورة المؤمنين بالقوة العسكرية.
وواجه تشرتشل وبيغن ايضا مع فرق في نوع المواجهة، الأخطار عسكريا وقادا الى ما رفض الغرب أن يُقاد إليه من البدء. وينبغي أن نأمل ألا نضطر في هذه المرة الى استعمال الخيار العسكري، لأن خطبة نتنياهو كانت اشارة تحذير. ويؤسفنا ازاء سلوك الغرب أن هذا قد يكون غير ممتنع.

اسرائيل اليوم 3/10/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية