الناصرة- “القدس العربي”: يحذّر عضو كنيست سابق عن “الليكود” المحامي أوريئيل لين، الرئيس السابق للغرف التجارية في إسرائيل، من انزلاقها إلى حرب إقليمية يعتبرها “مقامرة كبيرة وخطِرة للغاية”، متطابقاً بذلك مع تحذيرات مراقبين إسرائيليين في الأيام الأخيرة.
في مقال نشرته صحيفة “معاريف”، يقول لين إنه إذا كان علينا تحديد الأهداف البعيدة المدى لإسرائيل، فإنه يمكن القول ببساطة إنها: القضاء على التنظيمات “الإرهابية” المستعدة لمهاجمتنا فعلاً، وردع الأعداء الذين ليست لنا قدرة على القضاء عليهم، وإقامة علاقات مع دول صديقة غربية، عربية وإسلامية، وأيضاً مع الصين.
أوريئيل لين: لا يمكن للمس بالسكان المدنيين أن يكون مقبولاً من العالم الواسع من كل الطبقات الاجتماعية طوال الوقت، وهذا يمكن أن يجعلنا نخسر تأييد العالم
طبقاً للين، هكذا يجب أن تكون عموماً السياسة الخارجية لإسرائيل، إنها تبسيطية جداً لكن يمكن استيعابها، لأن الرؤية البعيدة المدى هي التي تبلور سياسة حكيمة، لكن حرب 7 تشرين الأول/أكتوبر عقّدت وضعنا، وجعلت من الصعب تحقيق هذه الأهداف الواضحة.
وبالنسبة للين، لا شك بأن على إسرائيل القضاء على “حماس”، منوهاً أنه لا يقصد “حماس” كفكرة، إنما “حماس” كقوة “إرهابية” عسكرية، لكن من أجل تحقيق هذا الهدف، تواجهنا عقبتان معروفتان: تحرير المخطوفين، ومسألة المسّ بالسكان المدنيين، وخصوصاً الأطفال الذين يسكنون في قطاع غزة، ولا يغير شيئاً إذا كان هؤلاء السكان يؤيدون “حماس” أو أن الحركة تستخدمهم كدروع بشرية. لا يمكن للمس بالسكان المدنيين أن يكون مقبولاً من العالم الواسع من كل الطبقات الاجتماعية طوال الوقت، وهذا يمكن أن يجعلنا نخسر تأييد العالم لنا كلما استمرت الحرب”.
ويرى أنه بالنسبة للمحتجزين في غزة، فقد انتهجت إسرائيل سياسة خاطئة، ويذكّر أنه أشار أكثر من مرة، في مقالات سابقة، على هذه النقطة. ويعلّل ذلك بالقول: “كان وهماً وضع تحرير المخطوفين مع القضاء على “حماس” كهدف مشترك واحد، ومن الواضح أن “حماس” لن تطلق سراح المخطوفين- أقوى سلاح في يدها- إلاّ إذا حققت أهدافاً مهمة من الصفقة، ولن تعيدهم وتتيح القضاء عليها، فالعالم كلّه، ونحن ضمنه، يتحدث عن صفقة كسبيل وحيد لحل مشكلة المخطوفين. وها نحن، بعد مرور 10 أشهر على الكارثة الوطنية، ولا يزال المخطوفون في أسر “حماس”، ولم نتمكن من القضاء عليها. إن العدالة المتأخرة ليست عدالة، كما يقول الشاعر الوطني الإسرائيلي حاييم بياليك في قصيدته “على المذبحة”؛ وتحرير المخطوفين المحتجزين منذ 10 أشهر في زنزانات “حماس” من دون معرفة متى، ليس تحريراً حقيقياً”.
كما يرى لين أنه منذ البداية، كان يجب أن تضع إسرائيل هدفاً واحداً فقط؛ تحرير المخطوفين، ليس عن طريق صفقة، إنما بواسطة الكفاح المسلح، ولو وضعت هذا كهدف وحيد، وقالت إنها لن تجري صفقة مع “حماس”، ولن تتعامل معها كطرف شرعي، إنما ستخوض ضدها قتالاً لا هوادة فيه حتى إطلاق آخر مخطوف، لأصبح كفاحها مفهوماً ومقبولاً أكثر في العالم، ولكان في إمكانها القول للرئيس التركي أردوغان وللآخرين ما يجب قوله: “إذا كنتم تحرصون على السكان الفلسطينيين، أثبتوا صدق نياتكم واحرصوا على إطلاق المخطوفين، وبذلك نكون قد كسرنا النموذج الذي شكّلناه بأيدينا؛ وهو أنه من المفيد والمجدي أن تخطف التنظيمات “الإرهابية” مدنيين أو عسكريين وتجري مفاوضات أمام العالم كله كطرفين متساويين”.
ويمضي لين في قراءته النقدية لتوجهات الاحتلال، موصياً، بعكس مراقبين آخرين يدعون لمهاجمة وضرب “رأس الأفعى”: “في مواجهة هذه السياسة الخاطئة في الصراع مع “حماس”، لم نتوقف لإعادة التفكير، وها نحن نواصل الركض قدماً في بلورة سياسة خاطئة أُخرى إزاء إيران. نحن نَجُرّ بأيدينا إيران إلى مواجهة مباشرة معنا. صحيح أن إيران تبني وتسلح وتشجع التنظيمات “الإرهابية” على مهاجمتنا، وهي تفعل ذلك بواسطة وكلائها، لكن من الأفضل أن نخوض صراعاً فقط ضد وكلائها، وليس ضد إيران نفسها. إن الصراع المباشر مع إيران يحمل طابعاً مختلفاً تماماً عن الصراع مع وكلائها، إذ لديها اليوم علاقات خاصة مع روسيا التي هي في حاجة إليها في حربها ضد أوكرانيا”.
أوريئيل لين: ليس لدى إسرائيل مصلحة ولا قدرة على توسيع الصراع مع الحوثيين و”حزب الله” و”الحرس الثوري” إلى حرب مباشرة مع إيران
وضمن تحذيراته، يشير لين إلى أن هناك دولاً أُخرى في “محور الشر” تتعاطف مع إيران، وليس لدى إسرائيل مصلحة ولا قدرة على توسيع الصراع مع الحوثيين ومع “حزب الله” و”الحرس الثوري” إلى حرب مباشرة مع إيران. ويقول إن هذه مقامرة كبيرة وخطِرة جداً، ويتعين علينا، مع مرور الوقت، تهدئة المواجهات المباشرة مع إيران، والسعي لبناء علاقات ودية مع تركيا. كما يقول إن الإيمان بعدالة الطريق يمكن إعطاء قوة داخلية، لكن هذا يجب ألاّ يحول دون انتهاج سياسية خارجية حكيمة، وهذا لا يعني التخلي عن مبدأ أن مَن يقتل إسرائيليين لن نسامحه قط، وسنلاحقه حتى يدفع حياته ثمناً، لكن هذا سيكون خاضعاً لاعتبارات المكان والزمان.
ويختتم لين بالقول: “إنَّ فَهْمَ مصالح وبنية القوى الفاعلة اليوم في الساحة الدولية هو أكثر تأثيراً من كل مبادئ العدالة والتحركات التي نقرّر القيام بها اليوم”.