يعد ما حققه الفنان المغربي نادر خياط، المعروف عالمياً باسم RedOne، إنجازاً كبيراً، وقصة ملهمة من قصص النجاح الباهر، فهو اليوم من أهم وأشهر صانعي الأغنية، ومنتجي الموسيقى في العالم، ومن القلائل الذين يتحكمون، في مسارات موسيقى البوب على وجه الخصوص، ويحددون اتجاهاتها وأحدث صيحاتها. قد يظن البعض أن هذا الفنان العالمي، ما هو إلا واحد من المهاجرين المغاربة، الذين نشأوا وتربوا في البلدان الأجنبية، وأنه ينتمي إلى الجيل الثالث أو الرابع من هؤلاء المهاجرين، وأن فرصة النجاح كانت سهلة يسيرة، بما أنه نشأ وتربى في الغرب. هكذا قد يظن البعض للوهلة الأولى، والحق أن ريدوان غادر المغرب وهو في التاسعة عشرة من عمره، وسافر إلى السويد من أجل دراسة الموسيقى. أما مولده فكان سنة 1972 في المغرب، تحديداً في مدينة تطوان، وتلقى تعليمه ما قبل الجامعي كاملاً داخل المغرب، ومنذ سن السادسة عشرة، اكتشف شغفه العميق بالموسيقى، وعرف تماماً الشيء الذي يريد أن يفعله في هذه الحياة. أراد أن يكون موسيقياً، وأن يدرس الموسيقى ويتعلمها، وأن يحترف الموسيقى، لكنه واجه بعض المعارضة من أسرته في البداية، وهو الابن الأصغر وسط تسعة أشقاء، ذهب جلهم إلى دراسة الطب والهندسة وفروع العلوم المختلفة، رفضت الأسرة رغبته في دراسة الموسيقى، على الرغم من أنها كما يروي في حواراته التلفزيونية، أسرة محبة للفنون، الكل فيها يغني ويعزف الموسيقى. أصر ريدوان على تحقيق رغبته، وتشبث بحلمه وهدفه، ووافقت الأسرة أخيراً، وسافر إلى السويد، لتبدأ الرحلة المثيرة.
أهمية السويد موسيقياً
لم يكن ريدوان يبحث عن أي مكان لدراسة الموسيقى، وإنما أراد الذهاب إلى السويد تحديداً، لأنه كان مفتوناً في صباه، بفريق الروك السويدي Europe، إلى جانب إدراكه لأهمية السويد الموسيقية، سواء من حيث تقديمها لأشهر الفرق الموسيقية، مثل «آبا» و»الثنائي روكسيت» وغيرهما، أو من حيث التقدم التكنولوجي في مجال تنفيذ وتسجيل الموسيقى، وأحدث الاستوديوهات الصوتية، التي يكون للسويد دائماً السبق في وجودها، وتعد السويد معقلاً لأهم منتجي الموسيقى في العالم، يسافر إليها كبار النجوم من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، للعمل مع هؤلاء المنتجين، ولتسجيل أغانيهم في الاستوديوهات السويدية. سافر ريدوان إلى السويد، وبالطبع عانى من بعض الصعوبات في بداية الأمر، لكنه كان مصمماً على النجاح، وكان سيناريو الفشل مرفوضاً، والرجوع مرة أخرى إلى المغرب، دون أن يحقق شيئاً، كان خياراً غير مطروح.
بدأ العمل في السويد، من خلال التعاون مع بعض الفنانين هناك، ثم لمع نجمه عندما عمل مع المطرب السويدي من أصل كونغولي Mohombi، وأخذت الشهرة تعرف طريقها إليه. بعد ذلك قرر ريدوان أن يخوض تحدياً أكبر، وانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليكون في قلب المركز الرئيسي، لصناعة الموسيقى في العالم، فعلى الرغم من أهمية السويد الموسيقية، إلا أن الثقل الأمريكي في عملية صناعة الموسيقى، فنياً وتجارياً وتسويقياً، أمر لا يخفى على أحد، بالإضافة إلى قوة عملية صناعة نجوم الغناء في أمريكا، والقدرة الأمريكية على التحكم في الذوق العالمي، والتأثير فيه سواء سلباً أو إيجاباً.
أمريكا وصناعة النجوم
في أمريكا، تمكن ريدوان وهو القادم من الخارج، أن يدخل مجال صناعة الأغنية، وأن يثبت وجوده بقوة ملحوظة، وجعل من اسمه علامة ممتازة، وسرا مضمونا من أسرار الانطلاق نحو النجومية، يقصده كل باحث عن أقصى درجات الشهرة والنجاح. ومع الكثير من الأغنيات الضاربة، يتردد اسم ريدوان، ووراء الكثير من الأغاني التي تحطم الأرقام القياسية، في أعداد الاستماع والمشاهدة، وتحتل أعلى المراكز في القوائم المتخصصة، يقف اسم ريدوان، حتى صار هذا الاسم يتردد كصانع نجوم، لا كصانع أغنية فقط. وبالفعل يستطيع ريدوان أن يصنع نجماً عالمياً من الألف إلى الياء، ولا يخفى على أحد أنه من قدم Lady Gaga إلى الجمهور، وصنع لها أهم أغانيها ذات الشهرة العارمة، وتمثل ليدي غاغا أحد وجوه إنجازاته الفنية. والطريف أنه يروي في أحد حواراته التلفزيونية، أنه كان متردداً في قبول اللقاء معها، وأن مدير أعماله طلب منه أنه يمنحها خمس دقائق فقط، فسمعها ريدوان واقتنع بموهبتها، ووجدها مناسبة لتحقيق هدف من أهدافه، فقد كان يريد أن يصنع مادونا جديدة في عالم موسيقى البوب، وهذا ما حققه بالفعل مع ليدي غاغا، التي تعد أيقونة موسيقى البوب في الوقت الحالي، وتمثل تطوراً كبيراً في عالم الموسيقى، وإن بدا غريباً بعض الشيء، خصوصاً عند الأجيال التي تعودت على سماع البوب التقليدي.
صنع ريدوان من خلال ليدي غاغا، شيئاً حديثاً عصرياً ومتطوراً للغاية، كثورة موسيقية تأتي بما لم يعرفه أحد من قبل، وتسير بقوة دافعة، وجرأة كبيرة بلا خوف من التجريب، واقتحام المناطق المجهولة. ومن أشهر أعماله مع ليدي غاغا، أغنيات Bad Romance، Just Dance، Poker Face، وبالإضافة إلى ليدي غاغا، هناك الكثير من النجوم، يتعاون معهم ريدوان، منهم Jennifer Lopez و Enrique Iglesias و Marc Anthony.
يجمع العالم في موسيقاه
ريدوان ليس منتجاً موسيقياً فحسب، وإن كان هذا دوره الأشهر، حتى إنه حصل على لقب المنتج الموسيقي الأول، وإنما هو ملحن ومطرب أيضاً، ويساهم أحياناً في كتابة بعض الكلمات أو تعديلها، أي أنه يدير بالكامل تقريباً، عملية صناعة الأغنية، ويقرر الشكل الذي ستخرج به إلى الجمهور. يتميز ريدوان بقدرته على إبداع ألحان ذات قوة جاذبة، وإيقاع حديث معاصر، كما أن له رؤية موسيقية يمكن وصفها بالرؤية الكونية، فهو يجمع العالم في موسيقاه، بشكل مذهل وتلقائي، بحيث يبدو الأمر منسجماً تماما الانسجام، خالياً من التصنع والتركيب المفتعل، وتبدو عناصر موسيقى الشعوب المختلفة، واضحة في أعماله. الروح المغربية حاضرة بطبيعة الحال، والإيقاعات الافريقية، التي تعد رافداً من روافد الموسيقى المغربية أيضاً، بالإضافة إلى تمكنه التام من ألوان الموسيقى الغربية، واتجاهاتها الحديثة، فهذا هو الأساس عنده منذ أن كان في المغرب، وعندما أراد احتراف الموسيقى، كان يتطلع إلى الموسيقى الغربية والغناء باللغة الإنكليزية. والمعروف أن المغرب بلد ثري موسيقياً، من حيث الكم والكيف والتنوع، كما أنه منفتح على أنواع الموسيقى الشرقية والغربية، وكان لهذا الأمر تأثيره على ريدوان بطبيعة الحال.
طبع ريدوان بصمته الواضحة على المشهد الموسيقي العالمي، برؤيته الموسيقية الجديدة، التي تعيد تشكيل وصياغة موسيقى البوب، ولديه طاقة هائلة وقوة دافعة كبيرة لهذا النوع الفني، تسير به نحو المزيد من التطور دائماً. وكان طوال العقدين الأخيرين ولا يزال، الاسم والعلامة التي تميز أهم وأشهر الأغاني، وإلى جانب ثقافته الفنية، وخلفياته الموسيقية المتعددة، وانفتاحه على العالم بأكمله، يتميز ريدوان بتقنياته الإنتاجية والتنفيذية المبتكرة، كما يتمتع بصفة مهمة، قد تكون من أسرار قوته، وهي إدراكه التام للحظة التي يعيش فيها، وقدرته على مواكبتها، فهو يقول في أحد حواراته التلفزيونية، إن المطرب صاحب الصوت، اختفى تقريباً أو صار قليلاً مع نهاية التسعينيات، وولى زمن ماريا كاري وويتني هيوستن على سبيل المثال، وصار الأمر يعتمد على صناعة الأغنية، أكثر من اعتماده على الصوت الجبار. وهنا أمام ما يقوله ريدوان، يمكن اعتبار صانع الأغنية نجماً حقيقياً، إلى جانب النجم الذي يؤديها بصوته. في موسيقى ريدوان تنصهر أنغام البوب، مع الإيقاعات الراقصة المغربية والافريقية، وأعماله ذات قوة مغناطيسية، تعلق بالأذهان وتستقر في الذاكرة، ويشعر المستمع أحياناً بأن ريدوان، يقدم موسيقى البوب في شكلها الأكثر حداثة، أو أنه يقدم بوب المستقبل.
يصنع ريدوان الأغنية العابرة للثقافات، القادرة على تخطي الحواجز والحدود، وبشكل عام تعد موسيقى البوب، من أكثر صناعات الموسيقى، نجاحاً وشعبية في العالم، وهي الأكثر رواجاً وتسويقاً لأنها تستهدف الجمهور الواسع، من مختلف الفئات العمرية والثقافية. وأغنية البوب هي الأغنية الممتعة السهلة، التي تحمل بعض الرسائل والمعاني البسيطة، وتعتمد على الميلودي الجميل المتكرر، وربما لا يوجد فن يستطيع أن ينافس أغنية البوب، في حجم الانتشار وسرعة الوصول، خصوصاً في عصرنا الحالي، فقد باتت الموسيقى فناً وتكنولوجيا في الوقت نفسه، حيث التطور السريع في الابتكارات، والبرامج والتقنيات، الخاصة بعملية صناعة الموسيقى. وإلى جانب موسيقى البوب يقدم ريدوان أنواعاً موسيقية أخرى، مثل الروك والآر آند بي، والهاوس، والهيب هوب، والدانس. وقد نال ريدوان خلال مسيرته بعض الجوائز حتى الآن، إذ حصل على جائزة غرامي لثلاث مرات، في أعوام متفرقة، ورشح لتلك الجائزة العالمية المرموقة ثماني مرات، والمعروف أن جائزة غرامي من أكبر الجوائز الموسيقية في العالم، وقد تكون الأهم.
المغرب والفيفا وأغاني كأس العالم
لم ينفصل ريدوان عن وطنه المغرب، فهو حاضر على الدوام في الداخل والخارج، كوجه مشرق ومشرف لبلاده، والحضور داخل المغرب ليس موسيقياً فقط، لكن من خلال مؤسسته الخيرية «قلب واحد» التي تعنى بتقديم المنح التعليمية للأطفال. يتغنى ريدوان ببلاده من صحرائها إلى سواحلها، ويشاركه الغناء بعض نجوم العالم، ويتم تصوير هذه الأغنيات داخل المغرب، بشكل متقن يظهر جمال الطبيعة والمعمار، والزخارف المغربية الأصيلة، كما في أغنية Boom Boom وأغنية Welcome to Morocco كما يقدم أيضاً بعض الأعمال باللهجة المغربية، كأغنية «سيدنا» التي تعاون فيها مع مجموعة من نجوم الغناء المغاربة، وهي أغنية خاصة بمناسبة عيد ميلاد ملك المغرب محمد السادس. وبعيداً عن المغرب، يمكن القول إن ريدوان بارع جداً في صناعة الأغنية الجماعية، إذ يبدو أنه لا يفضل الغناء منفرداً، رغم أنه يفعل ذلك أحياناً بشكل جميل، لكنه يحب مشاركة الآخرين في الغناء، ويستطيع أن يجمع أكبر عدد من النجوم في أغنية واحدة، وأن يدير الجميع بصورة جيدة أيضاً، فهو فنان عالمي بمعنى الكلمة، والعالمية عنده تتجاوز مجرد الوجود في دولة غربية، أو الغناء بلغة أجنبية، فهو يجمع العالم في موسيقاه، ويستطيع أن يتعامل مع مختلف الثقافات وألوان الموسيقى، ويحظى بمحبة الجميع شرقاً وغرباً، وبصداقات رائعة مع مشاهير العالم، حتى من خارج مجال الموسيقى، كما نرى من خلال أغنية Don›t You Need Somebody، التي تم تصويرها بطريقة مبتكرة للغاية، وشارك في الفيديو عدداً هائلاً من أصدقاء ريدوان، الذين طلب منهم الظهور فيها، في هذه الأغنية نرى لاعب كرة القدم الأسطوري كريستيانو رونالدو، والنجمة الهندية العالمية بريانكا تشوبرا، وليدي غاغا، وجينيفر لوبيز، وميكا، وإنريكي إغلاسياس، ومارك أنتوني، والكثيرين غيرهم.
ريدوان بارع أيضاً في صناعة الأغنية الاحتفالية، التي تثير الحماس والمشاعر الإيجابية، وتربط بين الشعوب المختلفة. والمعروف أن رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، قام بتعيين ريدوان مديراً تنفيذياً، مسؤولاً عن الإنتاج الفني والإبداع، في الاتحاد الدولي لكرة القدم FIFA. وقدم ريدوان الأغنية الرسمية لكأس العالم في قطر 2022، وهي أغنية تحمل عنوان Arhbo. كما قدم أيضاً الأغنية الرسمية لكأس العالم في روسيا 2018، التي تحمل عنوان One World. أما عن الإنجاز التاريخي، الذي حققه المنتخب المغربي لكرة القدم، في كأس العالم قطر 2022، أبدع ريدوان أغنية تليق بهذا الإنجاز وتحفظ ذكراه، هي أغنية «ديرو النية» أو «المغاربة سبوعة ورجالة» بلحنها الجميل الذي لا يمل تكراره، وروحها الحماسية، وكلماتها المحفزة للهمم المتطلعة إلى الأمام.
كاتبة مصرية