لندن-“القدس العربي”: نشر موقع “ناشونال إنترست” الأمريكي مقالا أشار فيه إلى أن نقل الولايات المتحدة للآلاف من قواتها من المواقع الدائمة لها في ألمانيا إلى آسيا والمحيط الهادئ قد يشعل نزاعا مع الصين. وقال التقرير إنه سيتم قريبًا إعادة نشر آلاف من القوات الأمريكية التي تغادر المواقع الدائمة لها في ألمانيا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة القوة الصينية من مواقع في مناطق عدة، منها غوام واليابان وهاواي. وقال مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين في مقال رأي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” يصف فيه خطة طبقتها الولايات المتحدة في حزيران/ يونيو إن “في هذا المسرح، يواجه الأمريكيون وحلفاؤهم التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية منذ نهاية الحرب الباردة”. وتابع أنه على “الولايات المتحدة نشر القوات في الخارج بتأهب أكثر بإطار حملة عسكرية”.
وتابع التقرير أن المعنى الضمني لمقولة أوبراين أن القوات الأمريكية لم يتم نشرها بتوجه عسكري أو حربي في السنوات الأخيرة هو مضحك للغاية. والحقيقة بالطبع هي أن العقدين الأخيرين من السياسة الخارجية للولايات المتحدة شهدتا الحملة تلو الأخرى بغض النظر عن عدم نجاح أي منها.
رغم ذلك، يشير التقرير إلى أن هذه الحملة ستختلف عن غيرها من حيث التكتيكات، ومن ضمن هذه الاختلافات سيكون الانتقال من الحملات البرية إلى مفهوم المعركة البحرية الجوية الذي تم تقديمه خلال رئاسة باراك أوباما. كما ستكون القوات الأمريكية متمركزة بشكل آمن نسبيًا في الأراضي الأمريكية وعلى أراضي الحلفاء وليس، كما هو الحال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في دول معرضة للحرب الأهلية، والتمردات، والإرهاب، والاحتلال (الأمريكي وغيره) الأجنبي. ولكن الاختلاف الأكبر سيكون في العدو المستهدف، فعلى عكس الأنظمة الضعيفة مثل عراق صدام حسين أو المنظمات الإرهابية والميليشيات كتنظيم “الدولة” أو طالبان، فإن الحملة الحالية ستخاطر بإغراق الولايات المتحدة في صراع بين القوى العظمى، ضد منافس يقترب من أن يكون القرين العسكري للولايات المتحدة.
الحفاظ على الجيش “الأكثر تقدمًا” في منطقة المحيط الهادئ سيضيف المزيد من التكاليف على ميزانية البنتاغون الباهظة وغير الإستراتيجية.
ولا تقتصر الأضرار الأولية على زيادة احتمالات وقوع حرب، بل إن توجه إدارة ترامب نحو آسيا من شأنه استنفاذ الموارد الأمريكية من غير ضرورة، كما سيضعف العلاقات الأمريكية- الصينية. واعتبر التقرير أن التكاليف والأخطار هنا واضحة: حتى لو حصل ترامب على المبالغ المالية التي يريدها من كوريا الجنوبية واليابان لدعم عمليات الانتشار الأمريكية الكبيرة هناك – وهو أمر غير مؤكد على الإطلاق – فإن الحفاظ على الجيش “الأكثر تقدمًا” في منطقة المحيط الهادئ سيضيف المزيد من التكاليف على ميزانية البنتاغون الباهظة وغير الإستراتيجية.
وتابع التقرير أنه يمكن توقع ردة فعل الصين بسهولة أيضًا؛ فهي ترفض قطعاً جهود الولايات المتحدة للحد من الهيمنة الصينية في منطقة بعيدة عن واشنطن وقريبة من بكين. ونقل الموقع عن أحد ممثلي وزارة الخارجية الصينية في بيان هذا الشهر: “إن السبب الأساسي لعدم الاستقرار في بحر الصين الجنوبي هو الأنشطة العسكرية واسعة النطاق وثني العضلات من قبل بعض البلدان غير الإقليمية التي تقع على بعد عشرات الآلاف من الأميال”.
وكان التعليق الصادر عن الجيش الصيني بعد التدريبات البحرية الأمريكية في أبريل الماضي أكثر وضوحاً إذ اتهم الولايات المتحدة علناً بانتهاك القانون الدولي والسيادة الصينية، وبرفع مستوى المخاطر الأمنية “بشكل مصطنع” في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخلق فرص خطيرة لـ”حوادث غير متوقعة”. واعتبر التقرير أن الجزء الأخير من التعليق يمثل حقيقة وتهديدا في آن واحد. إذ إن نشر أقوى الجيوش في العالم وثاني أقوى الجيوش علـى مقربة من بعضهما في مناطق من المحيط متنازع عليها يخاطر بصراع غير مقصود، حتى عرضي، يمكن أن يتفاقم إلى حرب كارثية.
وأشار التقرير إلى أن السؤال الأساسي إذن يتعلق بالضرورة. يقول أوبراين إن عمليات النشر هذه ضرورية لأمن الولايات المتحدة، إلا أن ذلك بعيد كل البعد عن الوضوح. قد لا تكون الهيمنة الصينية على مقربة من الولايات المتحدة أمراً مرغوباً فيه، لكنها لا تشكل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة – وبالتأكيد ليس تهديدًا يتطلب التهديد بزعزعة العلاقات الأمريكية- الصينية.
ونقل التقرير عن مارك هانا من مؤسسة أوراسيا غروب وويليام هارتانغ من مركز السياسة الدولية، أنه تنفق الولايات المتحدة أكثر من ضعفي ما تنفقه الصين على جيشها، ولا يوجد دليل على أن الصين لديها طموحات لمطابقة أو استبدال الآليات العسكرية العالمية [الأمريكية]”. وأشار أحد المحللين إلى أن “نصف الجيش الصيني مخصص بالكامل للحدود أو الأمن الداخلي، مما يحد من قدرته على إبراز القوة خارج حدوده”.
كما أظهر استطلاع أجرته مؤسسة “أوراسيا غروب” أن معظم الأمريكيين “يفضلون خفض الوجود العسكري الأمريكي في الخارج” للرد على الصين، مفضلين الاعتماد “على الحلفاء الإقليميين في آسيا الذين يمكنهم التحرك نحو الدفاع بأنفسهم من خلال تولي مسؤولية أكبر عن الأمن في المنطقة، بمساعدة طفيفة من قبل القوات الأمريكية”.
وأشار التقرير إلى أن جيش الصين أضعف من جيش الولايات المتحدة، وبكين مشغولة بالمشاريع المحلية والإقليمية. يحيطها حلفاء الولايات المتحدة الموثوق بهم في كوريا الجنوبية واليابان، ويردعونها أكثر مما قد تتمكن الولايات المتحدة بقواتها العسكرية، بل يرى التقرير أن زيادة الوجود العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يمكن أن يقنع بكين بأنها مهددة ويدفعها إلى توجهات أكثر عسكرية لن تحدث في ظل نهج أمريكي أكثر تقييدًا.