ناشونال إنترست: هل ستغير موسكو استراتيجيتها السورية بعد انسحاب واشنطن؟

حجم الخط
0

لندن ـ “القدس العربي”:

 في مقال أعده المحلل الروسي ديمتري فروفلسكي ونشره موقع “ناشونال إنترست” عن موقف روسيا في سوريا بعد إعلان أمريكا سحب قواتها قال فيه إن إعلان واشنطن في كانون الأول (ديسمبر) فاجأ الكثيرين في موسكو. وعاش المؤسسة الروسية ولعدة أسابيع حالة من التشوش قبل أن تستفيق على الواقع الجديد.

ويقول إن الإستراتيجية الروسية كانت تتعرض للمراجعة قبل القرار الأمريكي إلا أن البعد الجديد المعيار عرض الإستراتيجية الروسية للتدقيق الدولي.

ويضيف أن الرئيس فلاديمير بوتين أعلن أكثر من مرة عن الانتصار في سوريا لكنه لم يتمسك بأي منها، إلا أن القرار الأمريكي السريع جعل المسؤولين الروس يتساءلون عن إمكانية حدوثه.

 وحتى لو كان صحيحا فهناك اعتقاد في موسكو أن واشنطن ستواصل العمل في سوريا من خلال وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أو المستشارين العسكريين لمنع إيران وتنظيم الدولة وكذا استخدام القواعد العسكرية والمنشآت الامريكية في كل من الأردن والعراق.

هناك اعتقاد في موسكو أن واشنطن ستواصل العمل في سوريا من خلال “سي آي إيه” لمنع إيران وتنظيم الدولة وكذا استخدام القواعد العسكرية والمنشآت الامريكية في كل من الأردن والعراق

وعليه، يقول الكاتب، من المهم رؤية الطريقة التي ستنفذ فيها واشنطن الانسحاب قبل أن تقرر موسكو الوجهة الإستراتيجية المتعددة الوجوه. فرغم ما تزعمه واشنطن من لعب دور أقل فيجب أن لا تغير موسكو تحركاتها الدبلوماسية. وهي مصممة على مواصلة واستثمار مبادراتها الخاصة التي تعمل عليها منذ عام 2018 وتعديل الوجهة بناء على المحيط الجيوسياسي. والتمسك بالخيارات الدبلوماسية يعني أن تفاهمات أستانة ستحظى بأهمية أكبر.

ورغم الأسئلة التي طرحت منذ البداية حول التفاهمات هذه إلا إنها صمدت أمام التحديات وتم تصميمها لكي تكون منبرا تقوم من خلال روسيا وإيران وتركيا ردم خلافاتها.

 وقد تواجه التفاهمات عددا من المعوقات الاقتصادية والجيوسياسية حيث تحاول كل دولة منافسة الأخرى. ومع استفادة كل من روسيا وإيران من التعاون إلا أنهما تراقبان الوضع. ويخشى الكرملين من محاولات إيران نشر الأيديولوجية الخمينية وخلق قنبلة موقوتة عبر إعادة تشكيل ديمغرافية متحيزة للشيعة.

وتنظر موسكو بقلق للنشاطات الإيرانية المعادية لإسرائيل ويقودها حزب الله وذريعة السيطرة على مساحات واسعة من طهران حتى البحر المتوسط. وستواصل إيران تأثيرها القوي على دمشق، خاصة أن لا أحد يشك في استمرار النظام الحالي بقيادة بشار الأسد. وعليه فسيحل التنافس على التأثير محل التعاون العسكري يبن موسكو وطهران.

 ومن هنا فأساليب الكرملين ستكون مبنية على قدرته تجنب مواجهة مع إيران والاستفادة من الدبلوماسية لتحقيق استقرار جيوسياسي.

لا تريد موسكو أو اللاعبين الإقليميين مثل مصر والإمارات العربية المتحدة توسعا في التأثير التركي

وبالمقارنة في الحالة الإيرانية التي يبنى الحكم عليها على التكهنات فالعلاقة مع تركيا واضحة. فكما قيل فقد “أعطى” ترامب سوريا لتركيا وتقوم أنقرة بناء على هذا بتعزيز قوتها في مناطق معينة. ومع أن يديها مقيدة بالتزاماتها لواشنطن وليست مستعدة للقيام بعملية عسكرية في شمال سوريا إلا أنها راغبة بشن حملة قاسية ضد وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي والذي يعتبر عرضة للخطر بسبب الانسحاب الأمريكي. ولا تريد موسكو أو اللاعبين الإقليميين مثل مصر والإمارات العربية المتحدة توسعا في التأثير التركي. إلا أن الكرملين هو القوة الوحيدة على الأرض القادرة على احتواء الطموحات التركية من خلال مقايضة الرأسمال السياسي ومنع القوة الغاشمة. ويريد الروس من النظام استعادة السيطرة على شمال سوريا وحل موضوع إدلب التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة. وقد تدخل موسكو وحدات حماية الشعب الكردية في أية عملية مقايضة في المنطقة التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة والعمل في الوقت نفسه على تعزيز الاتصالات بين دمشق وأنقرة. وقد تحصل روسيا على ورقة بيضاء للقيام بعملية في إدلب، ويجب أن تؤدي العملية في الوقت نفسه للإضرار بمصالح تركيا الأمنية أو موقف أردوغان المحلي خاصة قبل انتخابات 31 آذار (مارس). وبالمحصلة فالأهداف الدبلوماسية الروسية ستتركز على البدء في لجنة كتابة الدستور والبحث عن تمويل لإعادة إعمار البلاد وشحن العجلات لتهيئة عودة اللاجئين. وستحاول موسكو تجنب أي شيء يؤدي لتعويق هذه الأهداف ومع إقامة علاقات جيدة مع المبعوث الدولي الجديد لسوريا، غير بيدرسين.

لجنة الدستور تحتاج من موسكو توسيعها، وعندما تتحدث روسيا من موقع قوة فإن مزيدا من جماعات المعارضة قد تعبر عن رغبة للعودة إلى طاولة المفاوضات

 فلجنة الدستور تحتاج من موسكو توسيع صلاتها مع جماعات معارضة ومجالس محلية أخرى. وعندما تتحدث روسيا من موقع قوة فإن مزيدا من جماعات المعارضة قد تعبر عن رغبة للعودة إلى طاولة المفاوضات. وقد تكون الخطوة هذا رصيدا جديدا لمحاولات إعادة الشرعية للنظام في دمشق. وتشعر روسيا بالقلق من التمويل الأجنبي لكنها معنية في الوقت نفسه بعمليات إعمار البلاد وقيادتها. وبدون هذه فاستمرار الفقر والدمار الشامل يعني تربة خصبة للتطرف الإسلامي بشكل يجعل كل طرف خاسر في اللعبة. ومن هنا فالبحث عن التمويل سيظل مهمة صعبة. وتقدر الأمم المتحدة أن الحرب أدت لخسارة سوريا 338 مليار دولار. ولأن روسيا تعاني من مصاعب اقتصادية فلن تكون قادرة على المساهمة بشكل كبير. وعليه فالأنظار ستتجه نحو الخليج. ورغم الجدل حول الدور العربي إلا أن روسيا تعترف بمحاولات الدول العربية لتأمين موقعها في الدينامية الجيوسياسية الجديدة.  ويعني انسحاب أمريكا ترك التحالف الذي تقوده السعودية أمام إيران التي تقوم بتعزيز تأثيرها في العراق وسوريا وعدد من القوى الوكيلة في اليمن ولبنان. وبهذه المثابة يعني الانسحاب الأمريكي فرصة لروسيا كي تعدل من استراتيجيتها والتواصل مع كل الأطراف. وتعتقد روسيا أن دولا عربية تستطيع التأثير على جماعات للمعارضة السورية مما سيؤدي لأشكال من التعاون. وأعلنت الإمارات العربية والبحرين بداية هذا الشهر عن فتح بعثاتها الدبلوماسية ويتوقع أن تتبع دول أخرى خطاهما. وترى دول الخليج أن الأسد يعتمد كثيرا على إيران بدرجة يصعب فصله عنها بسهولة. وهناك يمكن لروسيا أن تلعب كقوة استقرار تتفهم مظاهر القلق للتحالف الذي تقوده السعودية. ولأن سوريا كانت منذ البداية وسيلة لتوسيع تأثير وطموحات روسيا بالمنطقة والتأكيد على موقعها الدولي فانسحاب ترامب سيكون انتصارا لهذه الأهداف ويضيف لرأسمالها السياسي. ويمكن أن تستخدم موسكو الرصيد للتواصل مع شركاء أوروبيين مثل فرنسا وألمانيا وغيرهما من القوى السياسية ودعم رؤية الكرملين للحل السياسي. وفي النهاية تظل سوريا قاعدة لتغيير استراتيجية روسيا طويلة الأمد. وهي لا تزال حذرة من ظهور جماعة متشددة غير دولة مثل تنظيم الدولة ولكنها لا تستبعد تغيير نهجها المتشدد تجاه الجماعات الانتهازية. وتريد روسيا تأكيد نفسها كلاعب محايد وقادر على فتح الفرص المتساوية، سواء في قطاع الطاقة أو بيع السلاح وتصدير الزراعة وفي الوقت نفسه الحفاظ على التوازن الجيوسياسي والأمني لكل الأطراف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية