نواكشوط -«القدس العربي»:لم يتأكد مراقبو ملف العلاقات الموريتانية – المغربية ما إذا كان هدف المهمة التي قام بها ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي، أمس، في نواكشوط، هو جهد مغربي لتنشيط العلاقات بين الرباط ونواكشوط التي خرجت مؤخراً من مرحلة توتر طويلة، أم هو تحضير مغربي هادئ للقاء مدينة جنيف السويسرية يومي 5 و6 ديسمبر/كانون الأول المقبل حول قضية الصحراء، بمشاركة جميع أطراف النزاع؛ بمن فيهم موريتانيا.
ولم يعلن بوريطة هو الآخر أي شيء بعد خروجه من مقابلة الرئيس الموريتاني، عن مهمته التي تحولت بذلك إلى رؤيا الأبكم.
وقابل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لمدة غير طويلة وسلمه رسالة من محمد السادس بحضور وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل الشيخ أحمد، الذي بدأ عهده في الخارجية الموريتانية قبل أشهر بمحاولة الخروج من أرجوحة الرباط/الجزائر عبر تنشيط العلاقات مع الرباط مع الاحتفاظ بحرارة الخط مع الجزائر.
ويغلب الظن هنا في نواكشوط على أن رسالة بوريطة تحضير مغربي للقاء جنيف الذي دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية الألماني «هورست كولر» لعقده في ديسمبر/كانون الأول القادم، لبحث مستقبل الصحراء الغربية، على أمل دفع عملية السلام المتوقفة منذ نحو عشر سنوات.
وتدل مهمة بوريطة على أن العلاقات المغربية ـ الموريتانية تواصل اندفاعها نحو التحسن الذي بدأ بعد أن باشر السفيران المغربي حميد شبار، والموريتاني محمد الأمين آبي، عمليهما في نواكشوط والرباط وسلما أوراق اعتمادهما.
وتتأرجح العلاقات الموريتانية ـ المغربية منذ سنوات بين مظاهر التحسن وعلائم التوتر، رغم التفاؤل الكبير الذي تعكسه التطورات الأخيرة.
ويعتبر المجال السياسي والدبلوماسي الأكثر توتراً في هذه العلاقات، بينما يشهد قطاع المبادلات التجارية توسعاً ملحوظاً، حيث بلغ الحجم الإجمالي للمبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا 1397 مليون درهم خلال 11 شهراً الأولى من سنة 2015، وبلغ حجم الصادرات المغربية إلى موريتانيا، برسم السنة نفسها، ما قيمته 1390 مليون درهم، كما أن الواردات المغربية من السوق الموريتانية بلغت خلال الفترة نفسها 7 ملايين درهم.
وتشهد العلاقات بين المغرب وموريتانيا توتراً سياسياً منذ سنوات، كان من بين نتائجه أن الحكومة الموريتانية أخرت تعيين سفير جديد لها بالمغرب حتى عام 2016 رغم تقاعد سفيرها السابق محمد ولد معاوية سنة 2012.
وبدأ توتر العلاقات بين البلدين الجارين في الظهور إلى العلن منذ قيام نواكشوط سنة 2011 بطرد مراسل وكالة المغرب العربِي للأنباء في نواكشوط، وأمهلته 24 ساعة لمغادرة أراضيها، وهو القرار الذي اعتبره المغرب آنذاك غير ملائم.
وعرفت هذه العلاقات توتراً كبيراً نهاية 2015، حين قامت موريتانيا برفع علمها فوق مباني مدينة الكويرة التي يعتبرها المغرب جزءاً من ترابه، وتصاعد هذا التوتر بعد اتهامات وجهتها الأوساط المغربية للحكومة الموريتانية بنزوعها في نزاع الصحراء من الحياد الى دعم مواقف جبهة البوليساريو الانفصالية.
ويسجل في التاريخ المغربي أن موريتانيا كانت جزءاً من المملكة المغربية، ورفض المغرب حتى 1969 الاعتراف بموريتانيا دولة مستقلة.
ولا يتوانى بعض المغاربة في التذكير بهذا بين فترة وأخرى، فيخلق ذلك أزمة تسعى الدبلوماسية لإخمادها قبل تطورها، في ظل ارتياب باطني موريتاني من «أطماع» مغربية باسترجاع التاريخ و«استعادة» موريتانيا جزءاً من المغرب، وهذا «الارتياب» الذي كثيراً ما يكون مرجعية لقراءة موريتانيا لأي موقف مغربي يتعلق بموريتانيا أو قضية تهم موريتانيا.
ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، أصبحت قضية الصحراء الغربية، حاضرة سلباً أو إيجاباً في العلاقات بين الرباط ونواكشوط. وفي اتفاقية مدريد التي تضمنت انسحاب إسبانيا من الصحراء، تقاسم المغرب وموريتانيا المنطقة، لكن الوضع الداخلي الموريتاني ووهن جيشها والارتباط القبلي بين الصحراويين والموريتانيين، والانقلاب العسكري الذي عرفته موريتانيا 1978، أدى إلى انسحاب القوات الموريتانية في آب/ أغسطس 1979، من منطقة وادي الذهب/ جنوب الصحراء، واستعادة المغرب لهذه الجزء من الصحراء. ويسود في المغرب شعار «من طنجة للكويرة» لكن الكويرة بقيت في الجانب الإسباني وهو ما يزعج الموريتانيين من هذا الشعار.
وإذا كانت نواكشوط طرفاً بالنزاع الصحراوي من 1976 إلى 1979، فإنها أعلنت بعد ذلك تبني موقف محايد بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي اعترفت بجمهوريتها من دون أن تفتح سفارة لها، لكنه ليس دائماً حياداً متوازناً، إذ دائماً يميل إلى هذا الجانب أو ذاك في بعض الأحيان لحسابات سياسية، وأحياناً أخرى لحسابات إقليمية بحكم وجود الجزائر بقلب النزاع الصحراوي، وأحياناً لحسابات داخلية.